13 نيسان.. الجرح لم يندمل رغم أن الحياة مستمرة
كتبت جويل رياشي في “الانباء الكويتية”:
عشية الذكرى الـ 49 لاندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، يستعيد اللبنانيون تلك المأساة التي لم تنته فصولا، وأبرزها ملف المفقودين الذين ناهز عددهم الـ 17 الفا، ولم يتمكن أهاليهم من إقامة مراسم دفن لهم.
أنشطة عدة يشهدها نيسان سنويا، رغم تساقط أوراق او بالأحرى غياب أهل وأشقاء من ذوي المفقودين. والجميع ينادي بأخذ العبرة، وتجنيب البلاد الانقسام والسير في طريق يعيد مشاهد الحرب الى الأذهان.
من الأنشطة عرض فيلم يحمل عنوان «اعترافات الحرب اللبنانية»، وفيه شهادات لمقاتلين سابقين عن تجاربهم، جمعت في وثائقي بهدف «ألا يقع الجيل الجديد في الأخطاء نفسها».
تأجل العرض مرتين، من 13 تشرين الاول 2023 بسبب اندلاع الحرب في غزة وجنوب لبنان، ثم مساء الاثنين 19 شباط الماضي. حتى الآن لم يتبدل المكان، وهو صالة سينما «رويال» في برج حمود (شرق العاصمة بيروت).
موعد 13 تشرين الاول الماضي اختير لمصادفته الذكرى الـ 34 لنهاية الحرب في 1990. وتلا ذلك اليوم إزالة خطوط التماس، من دون القضاء عليها من النفوس. على سبيل المثال، يتفادى المسيحيون السكن في الجانب الآخر من «الخط الأخضر»، الممتد من جسر البربير الى دوار الطيونة (دوار دار الكتاب سابقا)، مرورا بالخط الفاصل بين الشياح وعين الرمانة، وصولا الى محطة صفير، وبينها تقاطع «غاليري سمعان»، نزولا الى مار مخايل الشياح، وصولا الى الحدت، لا بل يشكو سكان الضفة الشرقية من هذا الخط، من هجمة على مناطقهم، دفعت ببلدية الحدت الى رفض بيع المسيحيين أراضيهم ووحدات سكنية الى أبناء طوائف أخرى.
لم تغب صورة الحرب عن أذهان الجيل الذي عاصرها. ولا يسعنا هنا إسقاط عودة التفاعل والاختلاط بين أبناء المجتمع الواحد، من خلال الاندماج في المؤسسات، والعمل بعيدا عن الحسابات المناطقية.
منى مثلا، امرأة في الـ 54 من العمر، تقصد يوميا منطقة القنطاري على تخوم الحمرا للالتحاق بمركز عملها في مبنى «أرلكان»، من بلدة عبيدات في قضاء جبيل. تتذكر منى الحرب من بوابتها الداخلية في المناطق المسيحية عام 1989، والتي جعلتها تمتنع عن متابعة دراستها الجامعية في كلية الاعلام والتوثيق بالجامعة اللبنانية – الفرع الثاني في الفنار (شرق بيروت). وتعرض لحكاية هربها من رصاص في معارك داخلية، «يوم علقت مع رفاقي بين نارين، ولا أصدق كيف وصلنا الى مدخل جبيل وتابعنا السير الى المدينة مشيا، ذلك ان السائق أراد العودة الى بيروت مع اشتداد المعارك في المنطقة المسيحية. لم أعد بعدها الى الجامعة وفضلت البقاء في المنطقة، في حين تابع رفاقي في رحلة الخطر يومذاك، وعانوا تجارب أشد قساوة، وصار صحافيين معروفين (…)».
يؤكد كثيرون من جيل الحرب انهم لا يريدون لأبنائهم عيش ظروف مماثلة. أكثر من ذلك، يجمعون على ضرورة الاختلاط في المدارس والجامعات. ويجمعون على ان الخطر يكمن في انهيار مقومات العيش في البلاد، جراء الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي الذي أصاب البلاد منذ 2019.
بالعودة الى منطقة عين الرمانة والشارع المعروف باسم كنيسة سيدة الخلاص، حيث وقعت حادثة البوسطة الشهيرة، يتذكر قلة من المسنين ما جرى يومذاك، في حين رحل آخرون عن الحي. وينقل مجموعة من الشبان تخطوا العقد الخامس ما سمعوه من الأهل والجيران او قاطني الحي، عن أحداث ذلك اليوم، والتي امتدت على مراحل، ثم اشتعال المناطق المحيطة ليلا بأصوات أزيز الرصاص والقذائف، والتي بلغت طرابلس في أقصى الشمال.
الشعار الذي يرافق ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية: «تنذكر وما تنعاد»، يتكرر سنويا. وكادت تطورات الأحد الماضي 7 نيسان، التي تلت خطف مسؤول في حزب «القوات اللبنانية» من بلدة جبلية في بلاد جبيل، تشعل الأمور ليلا، قبل تبيان مصيره مقتولا مساء اليوم التالي.
البعض يتذكر 13 نيسان 1975 يوما في السنة، بينما من بقي من ذوي مفقودين وضحايا سقطوا في الحرب يعيشون الألم، وبعضهم يقول ان الجرح لم يندمل.