لماذا حُيّدَ حزب الله عن أوّل مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل؟
لماذا حُيّدَ حزب الله عن أوّل مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل؟
لماذا حُيِّدَ «حزب الله» عن أوّل مواجهةٍ مباشرةٍ بين إيران وإسرائيل تبدّلتْ معها «قواعدُ الاشتباك» بالواسطة وخَرَجَ معها الطرفان من «حرب الظلّ» إلى اصطدامٍ – تحت جنْح ليلٍ – نُسِّق مسرحه و«جرعاته» ورُسمت حدودُه تحت سقف عدم استجرار الصِدام الكبير «الممنوع من الوقوع»؟… وهل يبقى لبنان بمنأى عن خط النار الأكثر الالتهاباً بحال اختارتْ تل أبيب المغامرة بردّ على الردّ يصعب التكهّن بارتداداته الاقليمية والدولية؟… وهل يكون الوطن الصغير أحد عناصر «التعويض» الذي لا مفرّ منه على بنيامين نتانياهو إذا اختارَ «الانحناءَ أمام عاصفة» الردع الأميركي له عن أي تجرؤ على التفرّدِ بقرار مهاجمة إيران وتالياً التَجَرُّع الاضطراري للضربة المركّبة التي كان «رسمُها التشبيهي» أُودع، عبر قنوات خلفية، لدى واشنطن مسبقاً تحت عنوان «الهجمات المحدودة دفاعاً عن النفس»؟
ثلاثيّ من الأسئلة الكبرى التي وَجَدَ لبنان نفسه في قلْبها منذ أن بدأت طهران تنفيذَ تَوَعُّدها بالردّ على استهداف مبنى قنصليتها في دمشق، وتَعَزَّزتْ موجباتُها مع انقشاع غبار الهجوم غير المسبوق الثلاثي البُعد، بالمسيّرات وصواريخ «كروز» والصواريخ البالستية، ورسوّه على الخلاصات الآتية:
* أضرار معنوية مباشرة وبليغة تُعَمِّقُ التشظياتِ التي حفرتْ في «الوعي» الإسرائيلي منذ «طوفان الأقصى»، وخروج إيران من زاوية «تلقّي الخسائر بالنقاط» التي راكمتْها منذ كشفها المبكّر لورقة «لا نريد الانجرار لحرب واسعة» لتَظهر كصاحبة «الكلمة الأخيرة» (حتى الساعة) في المرحلة الجديدة من المواجهة التي دشّنتها «ضربة القنصلية»، وليس انتهاءً بإرساء طهران معادلة ردع مطوَّرة بإزاء أي استهدافٍ جديد «لأرضها أو مواطنيها أو مصالحها في أي نقطة من العالم».
* «نقاط» قريبة المدى سجّلتها تل ابيب لمصلحتها هي التي فازتْ بإفشال الهجوم بنسبة 99 في المئة مع تأكيد الفاعلية القصوى لمنظوماتها للدفاع الجوي ولـ «الدرع» المتعدد الجنسية الذي يحمي أجواءها، وسط تَرقُّب هل ستكون «جائزة» ما أسماه البيت الأبيض «القدرةَ المذهلة التي أظهرتْها إسرائيل على الدفاع عن نفسها وتفوقها العسكري الذي كان ملحوظاً»، مع استردادها «التعاطف» السياسي الدولي، كافييْن لنتنياهو لـ «الاحتفاظ بحق الردّ» على إيران لتوقيتٍ «مُناسب» لا يفجّر صِداماً كبيراً كانت واشنطن رسمت حوله «خطاً أحمر» وكان يمكن أن تنجرّ إليه المنطقةُ لو نفّذت إسرائيل ضربة مضادة أثناء الهجوم الإيراني قبل أن يمنعها الرئيس جو بايدن، وأي ثمنٍ لقاء هذا «التنازل» وفي أي ساحة وعلى حساب أي طرف.
وهذه اللوحة البالغة التعقيد والحساسية بدا لبنان معنياً مباشرة بمجرياتها و«ملحقاتها» المحتمَلة كما «تعويضاتها» الممكنة، هو الذي «حَضَرَ» في عنوان الهجمات التي نفّذتها إيران والتي «استعارت» اسمها من عملية «الوعد الصادق» التي كان حزب الله قام بها في 12 يوليو 2006 حين تمكّن من أسر جندييْن إسرائيلييْن بهدف مبادلتهما وإخراج مَن تبقى للحزب والمقاومة من أسرى في السجون الإسرائيلية، لتنفجر بعدها حرب الـ 33 يوماً التي انتهت بالقرار 1701.
وما خلا «اعتراض» أميركي وبريطاني وفرنسي جواً لمسيّرات وصواريخ إيرانية في أجواء أكثر من منطقة لبنانية قبل دخول المجال الجوي الإسرائيلي في تكرارٍ لمشهدية «صيد الأهداف» العسكرية فوق كل من سورية والأردن والأراضي الفلسطينية، و«تأثير دومينو» قفْل المطارات في أكثر من دولة محيطة بإسرائيل والذي شمل مطار رفيق الحريري الدولي الذي استعيدت حركة الملاحة فيه صباحاً، وإن مع إرباكاتٍ طبيعية، فإنّ المفاجأةَ غير المفاجئة للعارفين شكّلها انكفاء «حزب الله» عن الموجة الأولى من الردّ الذي حرصتْ إيران على «توثيق» انتهائه عبر بعثتها في الأمم المتحدة، حتى قبل «ارتطامِ» أيٍّ من صواريخها أو مسيَّراتها بالأهداف المفترضة.
وفي حين اعتُبر وضْع طهران مبكراً «نقطة في نهاية سطر» الضربة تكريساً لالتزامها بحدود «ردّ الفعل» الذي ينسجم أصلاً مع قرارها الإستراتيجي بعدم منْح تل أبيب ولا الولايات المتحدة فرصةَ زجّها في «محرقة غزة» أو توريط «حجر الزاوية» في قوس نفوذها أي حزب الله في مواجهةٍ تضع رأسه جنباً إلى جنب مع «حماس» تحت مقصلة واحدة، فإن البُعدَ الأخير بدا في الخلفية الحقيقية لـ «إخفاء» الحزب عن «رادارات الردّ»، وسط تعمُّد الأخير تظهير استهدافه بعيد منتصف ليل السبت الأحد مقر الدفاع الجوي في ثكنة كيلع في الجولان السوري بعشرات صواريخ الكاتيوشا على أنه في سياق المشاغَلة نفسها القائمة منذ 8 أكتوبر وليس ملاقاة الضربة الإيرانية، موحياً، عبر عارفين، بأنه تعمَّد عدم إخراج القبة الحديدية عن العمل والإبقاء على إمكان إعادة تذخيرها في رسالة تفهمها إسرائيل.
وفي تقدير أوساط عليمة أن الخروج القسري لإيران من «حرب الظلّ» لتتصدى مباشرة وبلا أي قفازات لإسرائيل، يعكس في جانب منه نجاح تل أبيب طوال الفترة الماضية في استنزافها ومعها «حزب الله» بضربات، بعضها «تحت الحزام»، مستفيدة من عدم قدرتها ولا رغبتها بخوض الحرب الكبرى، ما جعلها تقوم بخطوةٍ أقرب إلى تحريك «الوزير» في لعبة الشطرنج ليقف حائط صدّ لحماية «الملك»، الذي هو في وضعية اليوم طهران وذراعه الأقوى حزب الله اللذين يقفان على الخط نفسه، باعتبار الحزب الاحتياط الإستراتيجي لردٍّ أي خطر على النظام الإيراني نفسه، وهي الحسابات التي أمْلت على طهران «ارتداء المرقّط» بوجه إسرائيل التي بهجوم القنصلية، فرضت على إيران ضرورة استعادة الردع الذي لم يكن ممكناً عبر أذرع ثانوية، وكان ليكون مكلفاً ومدجَّجاً بخطر استدراج الحرب الشاملة لو زُج فيه حزب الله.
وإذا كان هذا التقييم، أو غيره، يصبّ عند نتيجة واحدة وهي أن إيران باتت تضع «حزب الله» في المستوى نفسه لـ«الجمهورية الاسلامية» في حسابات الاندفاعات الهجومية والاحتسابات لتداعياتها بما جعل لبنان يلتقط أنفاسه فيما كانت المنطقة تشهد فصولاً على طريقة «تلفزيون الواقع» ما بدا أقرب إلى «حرب الكترونية»، فإن هذا الأمر ليس كافياً بحسب أوساط سياسية لاطمئنانٍ يدوم، وخصوصاً إذا اختار نتنياهو الردّ على الردّ ما يُنْذِر بالارتقاء بالمواجهة إلى مستويات أكثر اشتداداً، وقد تستجرّ انجراف مجمل محور الممانعة وساحاته إلى فوهة البركان.
ثمن التنازل الإسرائيلي
وفي حين كانت بعض شركات الطيران تمدّد وقف الرحلات إلى إسرائيل وعدد من دول الجوار بالتوازي مع حضّ عواصم عدة رعاياها على تجنب السفر اليها، في مؤشّر إلى استمرار مخاطر لجوء تل أبيب الى تفعيل خيار الردّ، فإن الإشارات التي صدرت عن إسرائيل تباعاً سواء بإعلان الوزير بيني غانتس «سنجعل إيران تدفع الثمن بالطريقة والتوقيت المناسبين لنا» والدعوة من مسؤولين آخرين لإدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، اعتُبرت مؤشراً إلى اقتناعٍ إسرائيلي بإمكان استثمار عنوان «فشل الهجوم الإيراني» بتحقيق أي من أهدافه العسكرية و«فورة» الدعم الدولي المستعاد لتل أبيب لـ «مقايضةٍ» بين ضبط النفس و«القبض» في ساحات أخرى.
وإذا كانت رفح، على رأس لائحة المرشحّين لدفع ثمن التنازل الإسرائيلي للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فإن ثمة مَن لا يُسْقِط من الحساب إمكان أن تكون جبهة الشمال أيضاً ضمن دائرة «التعويض»، رغم الاقتناع بأن لهذه الجبهة – التي ترفض واشنطن كذلك انفجارها الكبير – ديناميةً لا تقل تفجُّراً وخطورة عن المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، وقد تستجرّ متاعب على تل أبيب أكبر من التي لاحت نذرها ليل السبت – الأحد الذي استوجب تفعيل منظومات الدفاع بـ«أقصى قوة» وكبّد أكثر من 1.3 مليار دولار، ولا سيما أن حزب الله على حدود إسرائيل وأن مسيّراته وصواريخه (تتجاوز الـ 100 الف) على مرمى حجر منها، ومن شأنها التسبب بإغراق القبة الحديدية ومقلاع داود والسهم وتالياً تعطُّل مفعولها.
«الجولان مقابل البقاع»
وفي حين غاب لبنان الرسمي عن المَشْهَد الحربي البالغ الخطورة وسط دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لـ«جلسة طارئة» لمجلس الوزراء اليوم، للبحث في التطورات، فإن الميدان جنوباً شهد ما يشبه تثبيت قواعد الاشتباك التي كانت تمدّدت في الأسابيع الأخيرة، وليس أقلها وفق معادلة «الجولان مقابل البقاع» والعكس.
وفي هذا الإطار، استهدفت غارتان أمس بلدة النبي شيت البقاعية، ليعلن الجيش الإسرائيلي «قصفنا موقعاً مهمّاً تابعاً لـ(حزب الله) لصناعة الوسائل القتالية» في المنطقة، وذلك بعدما أعلن الحزب أنه «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة ورداً على الغارات الإسرائيلية الليلية التي استهدفت عدداً من القرى والبلدات الآمنة وآخرها الخيام وكفركلا ووقوع عدد من الشهداء والجرحى المدنيين، قام مجاهدو المقاومة الإسلامية فجر الأحد باستهداف المواقع الإسرائيلية نفح ويردن وكيلع في الجولان السوري المحتل بعشرات صواريخ الكاتيوشا».
وقبلها استهدف «حزب الله» عند الساعة 12:35 من فجر أمس «مقر الدفاع الجوي والصاروخي في ثكنة كيلع في الجولان السوري المحتل بعشرات الكاتيوشا» ايضاً، في حين نفذ الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة استهدفت محيط منطقة المتنزهات في جبل صافي لجهة بلدة جباع في منطقة اقليم التفاح ومنطقة دليتون عند أطراف جباع إضافة إلى الخيام (حيث سقط عنصر لحزب الله) وكفركلا والعديسة ودير ميماس ومجرى نهر الليطاني.
كما سجل انفجار صاروخ قرب مكتب مخابرات الجيش اللبناني مرجعيون في بلدة جديدة مرجعيون، ونجاة عناصره بأعجوبة.
المصدر – الراي الكويتية