مقالات

بريطانيا تستغلّ برنامج «التمكين البلدي»: مسح كامل ديموغرافيا لبنان… والنزوح السوري

بريطانيا تستغلّ برنامج «التمكين البلدي»: مسح كامل ديموغرافيا لبنان… والنزوح السوري

كتبت صحيفة الاخبار تحت عنوان «التمكين البلدي»، عُرض على وزارة الداخلية والبلديات مشروعٌ من «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» (UNDP)، و«برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية» (UN-Habitat)، ويموّله «الاتحاد الأوروبي»، يهدف إلى «تعزيز قدرة البلديات والمجتمعات المضيفة للنازحين السوريين على الصّمود، على المدى الطّويل».

 

عدا عبارة «المدى الطويل» التي تخدم خطة المجتمع الدولي في تشجيع السوريين على البقاء في لبنان، كان هناك أمران لفتا نظر المعنيين في وزارة الداخلية، التي تلقّت المشروع في عهد الوزير السابق القاضي بسام المولوي، لكنها رفضت تنفيذه بصيغته المطروحة. وذلك لأسباب عدة منها، ادّعاء «UNDP» بأن تنفيذ المشروع يتطلّب من كلّ بلدية تعبئة استبيان مُؤلّف من مئات الأسئلة، يؤدّي إلى مسح ديمغرافي ومالي شامل، بما في ذلك توزّع النازحين على الأراضي اللبنانية. والأمر الآخر أن البيانات سيتم إدخالها وتحليلها وحفظها على منصة «IMPACT»، الشهيرة بسوء سمعتها، لجهة حماية البيانات، ولا سيما أن المنصة رفضت طلبات تقنية للوزارة.

 

والآن، يترقّب المعنيون ما إذا كانت مديرة مؤسسة «سايرن» البريطانية غير الحكومية، كارول شراباتي، ستنجح بصفتها المسؤولة عن المنصة في لبنان، في إقناع وزير الداخلية الحالي أحمد الحجار وفريقه، بالسير بالمشروع، بعد فشلها في انتزاع موافقة الفريق الذي كان مولوي قد كلّفه بدراسة العرض. وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن شرباتي لديها علاقة وثيقة مع مجموعة مُؤثّرة داخل الوزارة، تُحيط بالحجار، وأنها سارعت قبيل تعيينه إلى لقاء عددٍ من هؤلاء، بهدف التعاون معهم. وخلال إطلاق غرفة العمليات الخاصة بالانتخابات البلدية، كان موظفو «IMPACT» حاضرين، علماً أنهم يتقاضون رواتبهم من الجهات المانحة، ووفق مصادر في «الداخلية»، تُوكل إليهم حصراً الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا والبيانات.

 

مئات الأسئلة لكل بلدية

ليس خافياً على أحد، أن غالبية البرامج المموّلة، التي تقدّمها وكالات «الأمم المتحدة» والمنظمات الدولية والسفارات الأجنبية في لبنان، هي واحدة من أهم أدوات جمع المعلومات. وفي هذا السياق، يُصبح مفهوماً سببب تضمّن مشروع «التمكين البلدي» استمارة إلكترونية بمئات الأسئلة موجّهة لكل بلدية، إذ يتضمّن كل استبيان عشرة أقسام، وكل قسم عشرات الأسئلة، تشمل عدد السكان في كل بلدة وطبيعة السكان لجهة الجنسيات والفئات العمرية والجندر (إناث/ ذكور).

 

كما يسمح الاستبيان، بجمع معلومات عن النازحين السوريين وتوزّعهم، وعن عدد الموظفين في كل بلدية، وطرق الإدارة المعتمدة، والقدرات المالية، والإنفاق، والمشاريع المنفّذة والمخطّط لها، ومعلومات عن المنظمات العاملة في كل منطقة، وآليات التواصل المعتمدة مع المجتمع المحلي، والإدارات والوزارات والجهات المانحة. وبعد جمع البيانات وتحليلها من قبل موظّفي «UNDP» و«IMPACT»، وليس من قبل موظفي الوزارة، سيتمكّن الأجانب من تشريح التركيبة الديموغرافية، على صعيد كل بلدة، وكل اتحاد بلديات، وتالياً على صعيد لبنان ككل، وكذلك أماكن توزّع النازحين، إضافةً إلى أنواع المشاريع وعمليات التوظيف والبيانات المالية.

 

قُدّم المشروع إلى المديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية (DGLAC)، لأنها تؤدّي دوراً حاسماً في توفير الإشراف الإداري على البلديات، وبناء القدرات، إضافة إلى دعم التخطيط. وكون المديرية تواجه تحديات مزمنة ترتبط بالتمويل غير الكافي، إضافة إلى النقص في الموظفين، وقصور في الرقمنة، أتى هذا المشروع، بهدف «إعداد استراتيجية دعم بلدي، وخطة تنفيذ تشمل احتياجات البلديات، والمجتمعات المضيفة للنازحين السوريين، لتمكينها من الصمود». في هذا الشقّ، كان رأي المعنيين في دراسة المشروع، أنه من غير المنطقي «التبرّع»، بهذا الكم الهائل من «الداتا»، لوضع استراتيجية دعم بلدي.

 

هذا الحذر تضاعف، مع إدراكهم أن «IMPACT» ستكون المنصة المعتمدة، لجمع البيانات وتحليلها. صحيح أن المنصة لها وجود في وزارة الداخلية، تحت اسم منصة البلديات المشتركة للتقييم والتنسيق. لكنّ هذا الوجود المشبوه، حذّرت منه أجهزة أمنية عدّة، في عام 2023، لأن «سايرن»، وهي الشركة التي أنشأت «IMPACT» حصرت الوصول إلى بيانات اللبنانيين الموضوعة على المنصّة بموظفيها، واحتفظت بالبيانات على خوادم في ألمانيا وهولندا، ليس معروفاً من له حقّ الولوج إليها. وعندما ادّعت المنصة رداً على التقارير الأمنية، بأن البيانات محفوظة على خوادم موجودة في هيئة «أوجيرو»، طلبت لجنة تحقيق مؤلّفة من عددٍ من الضباط الكشف عليها، لترفض المنصة ذلك.

 

ضمّن مشروع «التمكين البلدي» استمارة إلكترونية بمئات الأسئلة موجّهة لكل بلدية

 

ويعود أصل وجود المنصة، إلى مُذكّرة تفاهم بقيمة ثلاثة ملايين دولار، وقّعها رئيس هيئة التفتيش المركزي، القاضي جورج عطية، مع السفارة البريطانية ممثّلة بالسفير إيان كولارد، تحت عنوان «دعم (إدارة التفتيش) ومساعدتها في تعزيز رقابتها وتفعيل تعاونها مع الإدارات والمؤسسات العامة». وقد أفضت المذكّرة إلى إنشاء مؤسسة «سايرن» البريطانية غير الحكومية، لمنصة«IMPACT»، وإدارة برامج المساعدات المالية، مثل طلبات الحصول على البطاقة التمويلية وبرنامج شبكة «الأمان» الاجتماعي.

 

وكذلك استُخدمت لتسجيل طلبات لقاحات «كورونا» وأُذونات التنقل خلال الجائحة. ولاحقاً استُخدمت لتسجيل طلبات الحصول على مواعيد في مصلحة النافعة لتسجيل السيارات. وحصل ذلك رغم المراسلات الخطية التي بعثت بها المديرية العامة للأمن العام، إلى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والوزارات المعنية، وقد حذّر الأمن العام من تأثيرات أمنية سلبية، لاستخدام «IMPACT».

 

لكنّ محاولات اختراق الدولة ومؤسساتها لم تتوقف عند هذا الحد. فقد عرض نائب رئيس الحكومة السابق سعادة الشامي، في شباط 2024، ورقةً على مجلس الوزراء، تتضمن مشروعاً لجعل «IMPACT» منصة تختصر كل عملية التحوّل الرقمي في لبنان، ويُعتمد عليها، حصراً، في تكوين قاعدة بيانات رقمية شاملة للدولة. وهو بالضبط هدف الجهات المسؤولة عن المنصة. لكنّ الأمور لم تسر وفق تصورات الشامي وشراباتي والبريطانيين.

 

وإذا كانت التبعات قد تتقلّص بعد سنوات بحكم تقادم «الداتا» المحفوظة حالياً على المنصة، فإن أي طرحٍ لتوسيع عملها، يعني عملياً، السماح للجهات التي تقف خلفها بوضع اليد على بيانات أضخم يجري تحديثها باستمرار، ما يُشكّل خطراً استراتيجياً على الأمن القومي.

 

وقد سبق للفريق التقني الذي كلّفه الوزير السابق بسام المولوي، أن قدّم في شباط 2024، ملاحظاته حول المشروع وفيها:

– إنشاء منصة للمشروع، تُجمع عبرها «الداتا»، ولا تكون مرتبطة بـ «IMPACT» تفادياً لنفور البلديات من التعاون بسبب سمعة المنصة، على أن تتملَّك وزارة الداخلية المنصة الجديدة، مع شرط تسليم النص البرمجي المصدري «Source Code» للمديرية العامة في «الداخلية».

 

– خوادم خاصة لجمع البيانات الخاصة بالمشروع، وعند الانتهاء، يُصبح ملكاً للمديرية العامة في وزارة الداخلية. ولا تحتفظ أي جهة أخرى بأي نسخة من الأقراص الصلبة التابعة للخادم، التي تُحفظ عليها «الداتا».

 

– تأمين الاتصال بالإنترنت من خلال IP مُخصّص للخادم «Dedicated IP»، عبر هيئة «أوجيرو»، وليس عبر شركات خاصة.

 

-امتلاك المديرية العامة وحدها حق استخدام اسم المستخدم وكلمة سر الخادم، «Admin Name» و«Password».

 

-تزويد المديرية العامة بطوبولوجيا الشبكة «Network Topology»، أي تزويدها بالتصميم.

 

وقد عقد الفريق التقني، اجتماعات عدّة مع شركة «سايرن»، المُلتزمة «IMPACT»، للبحث في الضمانات الأمنية تلك، انتهت بعدم الاتفاق، نتيجة عدم إبداء الشركة إيجابية، حيال أيّ نقاش يتّصل بأمن البيانات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce