إسرائيل تقصف الضاحية للتشويش على المفاوضات الأميركية الإيرانية!
إسرائيل تقصف الضاحية للتشويش على المفاوضات الأميركية الإيرانية!
بالتزامن مع الجولة الرابعة من المفاوضات الأميركية-الإسرائيلية، والمأزق الإسرائيلي في غزة، وفشل مفاوضات التبادل مع حماس، يبحث رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عن حدث يُجيّش له الرأي العام شعبياً.
بإعلانه ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أن “منطقة الضاحية في بيروت لن تكون ملاذاً آمناً لحزب الله، وإسرائيل لن تسمح لحزب الله بأن يقوى ويشكّل أي تهديد لها”، قصد رئيس وزراء إسرائيل القول إن العدوان الإسرائيلي الثالث على الضاحية، بعد وقف الحرب، سيتكرّر تحت ذريعة عدم السماح لحزب الله بأن يقوى مجددًا، وأن الضاحية تحت مرمى نيران إسرائيل، التي تستمر في استهداف عمق حزب الله وبيئته الحاضنة بينما لا يحرك الحزب ساكناً.
كانت المفارقة إعلان إسرائيل أيضًا أنها أبلغت واشنطن قبل العدوان على الضاحية، أي أنها نالت الضوء الأخضر للعدوان.
لم تعد إسرائيل تبحث عن ذريعة للعدوان على لبنان. استهدافها منطقة الحدث في الضاحية الجنوبية لبيروت يندرج في سياق ترسيخ قواعد اشتباك جديدة تريد تثبيتها، وتمكّنها من استهداف المواقع التي ترغب فيها، وفي التوقيت الذي ترتئيه مناسبًا، وبذرائع وهمية.
تشويش على المفاوضات
تسعى إسرائيل إلى استدراج حزب الله وخوض حرب جديدة على لبنان، لتشوش من خلالها على المفاوضات الإسرائيلية-الأميركية. نقطة ثانية مهمة، وهي أن إسرائيل باتت تستبيح لبنان في ظل غياب الإرادة الدولية، الفرنسية والأميركية، الضامنة لاتفاق وقف النار، والتي لا تمنع عدوانها ولا تدعم موقف لبنان المطالب بتطبيق الاتفاق والانسحاب من النقاط التي تحتلها. تلك النقاط التي زاد عددها بعد قيام جرافاتها وآلياتها العسكرية بحفر موقع جديد في العديسة، في اليوم ذاته الذي نفّذت فيه عدوانها على الضاحية الجنوبية.
بلا رادع، تكرر إسرائيل عدوانها على عمق لبنان وفي ضاحيته الجنوبية، من دون أن يكون قد سبق ذلك أي فعل يمكن أن تحوّله إلى ذريعة كعادتها. قالت من خلال قصف الضاحية إن عدوانها مفتوح جغرافيًا على كل المناطق، ورسّخت احتلالها للجنوب، ومن خلال استمرار استهدافها للمنازل الجاهزة، تريد أن تكرّس واقع “الأرض المحروقة” الفاصلة عن حدودها الشمالية.
فشل الدبلوماسية
لبنان، الذي يسعى عهده إلى ولاية هادئة، يحرجه استمرار العدوان، لكن دبلوماسيته لم تحقق له ردع إسرائيل وانسحابها بعد. في بيان الشجب المقتضب، صعّد رئيس الجمهورية جوزاف عون لهجته تجاه فرنسا وأميركا، ودعاهما “كضامنين لتفاهم وقف الأعمال العدائية، أن يتحمّلا مسؤولياتهما ويُجبرا إسرائيل على التوقف فوراً عن اعتداءاتها”. موقف مباشر يعكس حجم الاستياء اللبناني الرسمي من الصمت الدولي على العدوان الإسرائيلي المستمر. عند إطلاق الصواريخ من لبنان، قبل مدة، استفسرت بعبدا حزب الله عن إطلاق الصواريخ وأبلغها حزب الله أنه لا علاقة له بالأمر، فتمنت عليه اتخاذ موقف وفعل تجاوبًا مع طلب العهد.
يستمر حزب الله في التزام تطبيق الاتفاق، مدركًا أن إسرائيل، من خلال اعتداءاتها المستمرة، تسعى إلى استفزازه لجرّه إلى حرب جديدة. يعضّ على الجرح، مُصرًا حتى اليوم على منح الدولة اللبنانية فرصة للحل دبلوماسيًا.
الصمت ليس دائماً
لكن الاستمرار في العدوان لن يُواجَه بالصمت دائمًا. فحزب الله، الذي قرر الخروج عن صمته والتصدي للهجوم السياسي عليه، يوكل مهام الردّ على عدوان إسرائيل إلى الدولة. لكن، هل يسمح باستباحة إسرائيل لبيئته الحاضنة ويكتفي بموقف المتفرج إلى ما لا نهاية؟
في قراءته، يُخرج حزب الله العدوان الإسرائيلي من حيّزه اللبناني، ويرى فيه تعبيرًا من نتنياهو عن القلق تجاه المفاوضات الإيرانية-الأميركية التي تستمر في مسقط، ولحجب الانتباه عن الأصوات التي تطالبه بإنهاء الحرب في غزة وإنجاح صفقة التبادل مع حركة حماس. هو اعتداء يبحث عن تنفيس غضبه.
يرى حزب الله أن إسرائيل لا تتوقف عن السعي إلى فرض قواعد اشتباك جديدة، لكن عدوانها الأخير يُثبت وضعية نتنياهو المأزومة في غزة، نتيجة أداء المقاومة، والأصوات التي تطالبه بإنهاء الحرب والانسحاب.
يستغرب كيف أن أميركا، التي تغطي عدوان إسرائيل، تترأس لجنة مراقبة اتفاق وقف النار في الجنوب. فكيف لطرف يغطي العدوان أن يلعب دور الضامن لتطبيق الاتفاق ويكون غير متحيّز لإسرائيل؟
ويعني منح واشنطن موافقتها لإسرائيل لتنفيذ عدوانها على الضاحية أنها تعمّدت ترك الساحة اللبنانية لنتنياهو لينفّس ضغوطه عليها، بينما تلتفت هي إلى مفاوضاتها مع إيران.
أمرٌ ثانٍ يؤسف له حزب الله، هو استفادة إسرائيل من الانقسام الداخلي حيال النقاش حول سلاحه، لتعميق الشرخ وتقليب البيئة عليه.
لجنة المراقبة لا تراقب
يحصل كل ذلك، بينما لجنة المراقبة لا تحرك ساكنًا ولا تجتمع، ويستعد رئيسها الجنرال جاسبر جيفرز لجولة جديدة على المسؤولين، للتباحث معهم بشأن تطبيق اتفاق وقف النار من ناحية لبنان، متجاوزًا بالطبع التجاوزات الإسرائيلية واعتداءاتها المتكررة.
يراكم حزب الله مآخذه على تقصير الدولة في لجم إسرائيل عن استهدافه واستهداف بيئته.
يُثني على مواقف رئيسَي الجمهورية والحكومة. رئيس مجلس النواب نبيه بري يتهم إسرائيل بالرد في لبنان على استيائها من المفاوضات الأميركية مع إيران، ومحاولتها تكريس قواعد اشتباك جديدة. لكنه يجزم لزواره أن أمراً كهذا لن يمر.
لكن، وبمعزل عن التفسيرات، فثمة واقع يقول إن إسرائيل تمضي في عدوانها على لبنان، وأن اتفاق وقف النار صار “لزوم ما لا يلزم” بالنسبة لها ولا يستوقفها. واستباحتها للبنان بهذا الشكل، يجعل الوضع بالغ الخطورة، خصوصًا أن لا فرنسا ولا الولايات المتحدة متفرغتان لوضع لبنان.
غادة حلاوي – المدن