الكهرباء مشكلة تتفاقم: لمحاسبة من سبب غيابها
الكهرباء مشكلة تتفاقم: لمحاسبة من سبب غيابها
كتب لويس حبيقة في “اللواء”:
المشكلة الكبرى التي تكمن في قلب كل المشاكل اللبنانية هي الكهرباء حيث وصل سوء الاداء الى حدود غير مقبولة. تكمن مشكلة الكهرباء في الانتاج والنقل والتوزيع والتحصيل المالي، وهنالك نواقص بل تقصير في كل منها. ليست هنالك مبررات مقنعة لهذا الاداء ولما وصلنا اليه بالرغم من الانفاق الكبير على كافة أقسام القطاع. ليس المهم من المسؤول اذ أن كل من حكم لبنان منذ الطائف مسؤول. الكهرباء هي أهم التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة.
تكمن الكهرباء في قلب البنيتين التحتية والفوقية حيث لا يمكن مثلا تأمين قطاع تعليمي أو صحي فاعل من دون كهرباء كافية للحاجات الأساسية وبأسعار مقبولة. عندما تسأل المستشفيات أو المدارس أو الجامعات عن مشاكلها الأساسية، تأتي الكهرباء في الطليعة ليس فقط مباشرة أي تأمين الخدمة وانما خاصة بشكل غير مباشر أي تأثيرها على الأقساط والتعريفات. أصبحت الكهرباء في لبنان نوعا من الحلم الذي من الصعب أن يتحقق. فلتثبت الحكومة الجديدة أننا مخطئون في توقعاتنا. طارت أحلامنا ليس فقط في الكهرباء بسبب سؤ التجارب وغياب الرؤية وضياع الآمال وانما أيضا في قطاعات أخرى لا تقل أهمية كالمياه والصحة والنظافة البيئية وحتى التعليم والنقل وغيرها.
تبقى الكهرباء مشكلة أساسية اذ تنتج عن أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية وادارية وغيرها كلها متداخلة. يمكن حل المشاكل السياسية بسهولة نسبية عبر ملء الشغور الاداري بالكفاءات وتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع وتغيير مجالس الادارة. حوار صادق صريح وايجابي بين كافة الأطراف يحل المشاكل التي هي ليست أكثر تعقيدا من مشاكل دول أو مجتمعات أخرى مثلا في ايرلندا وأثيوبيا ودول البلقان.
تحتاج المشاكل الاجتماعية الى التقييم والتمويل، وعندما يتوافر المال يجب أن لا يسرق أو يهدر كما حصل سابقا. مشاكل القطاعات من زراعة وصناعة وسياحة وبيئة يمكن حلها عبر الارشاد والتمويل والتسويق. حتى الفقر يمكن تخفيفه عبر المساعدت وادخال بعضهم الى قطاعات الانتاج ودعم الشركات الناشئة التي هي ركيزة النمو. كيف يمكن تقييم تأثير الكهرباء على كافة قطاعات الانتاج والاستهلاك؟
أولاً: في القطاع العام حيث لا يمكن للادارات أن تلعب دورها الأساسي من دون كهرباء. تتعطل الادارات الرسمية بما فيها القضاء من عدم توافر الكهرباء اضافة الى الأسباب الأخرى من أجور ونقل ومنافع وغيرها. اقفال الادارات العامة أساء الى المواطن الذي يحتاج الى شريك نشط وفاعل يؤمن له كل الحاجات المحقة من جواز سفر ووثائق رسمية وافادات ثبوتية وغيرها أي المطالب العادية بل الحقوق البديهية للمواطن. هل نقبل بمطار مظلم بسبب غياب الكهرباء والمحروقات مما يعتبر اهانة بحقنا كمجتمع وليس فقط بحق المسؤولين. مقارنة مطارنا بمطارات الدول المجاورة يبين لنا بوضوح ما وصلنا اليه. للوقت قيمة يتم تجاهلها.
ثانياً: في قطاع الأعمال، تضيف الكهرباء الى تكلفة الانتاج واستمراريته. لا يقيم التلوث البيئي في لبنان بالرغم من ارتفاعه وتأثيره الكبير على الصحة والعمر المرتقب.كيف يمكن أن نحلم بقطاع صناعي متطور من دون كهرباء متوافرة وبأسعار مقبولة. هنالك دراسات استشارية على مدى الزمن تنصح لبنان باعتماد صناعات معينة في مناطق معينة، لكن ما فائدتها من دون كهرباء؟ هل نعود الى الصناعات الحرفية التي لا تحتاج الى كهرباء وننسى التطور والأفضليات المقارنة ووفورات الحجم والتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وغيرهم؟ العالم يتغير ونحن صامدون في تأخرنا.
في الزراعة كيف يمكن الري من دون كهرباء بالاضافة الى تأمين كافة التقنيات التي تنقل السلع من المزارع الى المستهلك وتحول بعضها عندما تكون القيمة المضافة كبيرة. تكلفة الكهرباء ترفع تكلفة الانتاج وتؤثر سلبا على الصادرات وبالتالي على معيشة المزارع وكافة أنحاء الريف اللبناني. هل هنالك زراعات بدائية لا تحتاج الى كهرباء ويمكن تسويقها بل تصديرها للحصول على العملة الصعبة؟ أين هو الارشاد الزراعي ومن يقوم به وما هو تأثيره على انتاجية القطاع ومعيشة المزارع؟
في السياحة من يأتي الى دولة ليس فيها كهرباء؟ اللبناني المنتشر يأتي لزيارة الأهل والأصدقاء، أما السائح فيأتي للتنعم بكل شيء وهنا تكمن أهمية الكهرباء. هل نكتفي بزيارة المنتشرين لنا أم نحلم بقطاع سياحي فاعل كما كان لبنان في الماضي. الكهرباء هي جزء مهم من ركائز السياحة وتؤثر بكل تأكيد على الطلب في الفنادق والمطاعم وأماكن الراحة في الساحل والجبل. في كل قطاعات الخدمات من تعليم وصحة، الكهرباء أساسية وعدم توافرها يرفع تكلفة انتاج هذه الخدمات التي أصبحت فوق قدرة العائلة المتوسطة بل ربما الميسورة أحيانا. حقيقة يعاني قطاع الأعمال من عدم توافر الكهرباء ومن تكلفتها العالية.
ثالثاً: تتعذب الأسر من عدم توافر التغذية الكهربائية ومن تكلفتها. تقضي على قسم مهم من موازنات الأسر وبالتالي ما يتبقى لا يكفي للحاجات الأهم من غذاء وتعليم وصحة وغيرها. تكلفة الكهرباء موزعة على تعريفة الدولة التي ارتفعت مؤخرا والمولدات بالاضافة الى طاقات أخرى نظيفة تكلفتها الاستثمارية مرتفعة كالشمسية التي ربما لا تصلح لكل الفصول ولكل المناطق. تكلفة الكهرباء مهمة جدا وتضخمية وتؤثر على نوعية الحياة وتضيف هما كبيرا الى هموم الأسر المثقلة أصلا.
أخيراً لا بد من محاسبة من سبب غياب الكهرباء في لبنان، وبالتالي من أساء للمواطنين في حياتهم اليومية. التكلفة باهظة للأسر والأعمال والقطاع العام من جراء غياب الكهرباء، وبالتالي المحاسبة مطلوبة لكل من شارك في هذه القضية. نقصد هنا ليس فقط المسؤولون في السلطة التنفيذية وانما أيضا في التشريعية والادارية وكل من شارك سلبا في هذه «الجريمة» الحياتية الكبيرة. المحاسبة ليست سياسية وانما حياتية وعادلة وموضوعية، أي أهم بكثير.