تعقيدات وعوائق تُزنر الاستحقاق الرئاسي والأنظار إلى الهدنة
يلعب الجميع في الداخل والخارج في الوقت الضائع على الرقعة اللبنانية، ولم تستطع أي جهة تسجيل أي خطوة يُبنى عليها، لاسيما رئاسياً، بحيث ثمة جدار سميك لم يتمكن أحد بمن فيهم المجموعة الخماسية من خرقه بفعل التعقيدات والعوائق المحيطة بهذا الاستحقاق، ولذا نبت العشب على طريق قصر بعبدا وكذلك في كل المرافق ودوائر الدولة التي يتوالى سقوطها كورقة التين.
في السياق، جاءت زيارة سفراء دول الخماسية الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على غرار ما حصل في عين التينة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي من دون تسجيل أي خطوة جديدة، ولكن عُلم من أحد المجتمعين أن الصراحة سادت اللقاء من جانب سفراء الخماسية الذين أكدوا المقاربات ذاتها و”الخيار الثالث”، في غياب أي معطيات جديدة أو خطة ستنطلق بها، علما ان السفراء انفسهم حذروا من مغبّة الوضع القائم في لبنان والمنطقة، وتبين من المداخلات التي حصلت بينهم وبين ميقاتي انه لا يمكن الفصل بين حرب غزة والجنوب، اذ يرتفع منسوب العمليات الميدانية والتعويل يكمن عبر التوصل الى هدنة ربطاً بالاتصالات الجارية بين المعنيين من واشنطن الى باريس والرياض والقاهرة، وعندها قد تكون الفرصة مؤاتية لتمرير انتخاب الرئيس.
وفي الحصيلة ان ما يجري لا يعدو كونه تهيئة الأجواء والمناخات في الداخل اللبناني بين سائر المكونات السياسية والروحية، كما أن السفير السعودي وليد بخاري سيواصل لقاءاته مع كل الأطراف المحليين لوضعهم في صورة دور الخماسية والتوافق على المقاربات والمواصفات، والجزم بأنه ليس لديها أي مرشح، لا سيما المملكة العربية السعودية التي منذ بداية تعاطيها بهذا الملف لم تدخل لا من قريب ولا من بعيد في لعبة المرشحين على رغم علاقاتها وصداقاتها للكثيرين احتراماً لخصوصية لبنان، بحيث ان على الأفرقاء جميعاً أن يتوافقوا على اسم ليُنتخب رئيساً للجمهورية، في حين أن بخاري وفي جولاته يؤكد ثوابت ومسلّمات المملكة تجاه لبنان وضرورة الإسراع في انتخاب الرئيس في ظل القلق والهواجس التي تعتري الرياض لما يعانيه لبنان من أزمات اقتصادية واجتماعية وصولاً الى وضع المنطقة البالغ الدقة والخطورة.
وفي هذا الإطار، تشير مصادر مواكبة لهذا الحراك الى أن الأجواء والمعطيات في الداخل والخارج لا تشي بأي خرق يمكن البناء عليه، حتى أنه خلال الاجتماع والحوار بين سفراء الخماسية والرئيس ميقاتي، لم يتبين أن هناك أمرا ما استجدّ، ولهذه الغاية ليس من انتخابات رئاسية في المدى المنظور اللهم إلا اذا كانت هناك هدنة وتوافرت التوافقات الدولية والإقليمية، عندها يمكن الافادة من هذه المناخات وانتخاب الرئيس، من دون اغفال ما تقوم به كتلة “الاعتدال الوطني” من دور ولقاءات والحديث عن إيجابيات.
لكن ذلك يدخل ضمن التقليد اللبناني عبر مواقف انشائية قد تكون مقبولة في مثل هذه الظروف لإحداث تفاؤل ما، والمسألة في مكان آخر أي التسوية الدولية الإقليمية على غرار محطات ومفاصل سابقة. وحتى الساعة المسألة تنحو لإزالة العوائق والتعطيل من قِبل اطراف لديهم التأثير في غير مجال والقدرة على الخروج من الشغور الرئاسي القاتل وفي طليعتهم “حزب الله”، وبمعنى أوضح ان الحزب سيتعاطى ما بعد حرب غزة والجنوب ليس كما قبلها مركزاً على الضمانات وأمور كثيرة تجعله غير قادر على حسم موقفه ربطاً بهذه الظروف والأجواء وتحديداً ما يجري في الميدان.
وأمام هذا الستاتيكو الرئاسي والوقت الضائع سياسياً وأمنياً، يتفاعل القلق ويرتفع منسوبه مع تسارع وتيرة التصعيد في الجنوب وعمليات الاغتيالات الجوية لمسؤولي “حزب الله” حيث تُجمع أكثر من جهة سياسية في مجالسها على أن الآتي أعظم وفق ما يصلها من معلومات عبر أصدقاء مشتركين من واشنطن الى باريس، وثمة قلق من أيام مفصلية قد يشهدها لبنان عبر توسع الاعتداءات الإسرائيلية وليس من منطقة محظورة، بمعنى ان كل شيء بات مباحاً ومتاحاً في الوقت الضائع اقليمياً ودولياً ومع حماوة الانتخابات الرئاسية الأميركية حيث تستغل إسرائيل هذه الأجواء لقصف أي منشآت مدنية وحيوية باعتبار لبنان الحلقة الأضعف والخاصرة الرخوة في المنطقة.
المصدر – النهار