لبنان يرفع علمه على جراحه.. ويبحث عن نفسه بين أنقاض الحلم  بقلم رئيس التحرير وفاء فواز

لبنان، هذا البلد الصغير بحجمه والكبير بتاريخه وإرثه الثقافي، يقف اليوم على مفترق طرق بين ماضٍ مجيد وحاضرٍ مليء بالتحديات. هو الوطن الذي كان يُطلق عليه “سويسرا الشرق” بفضل جمال طبيعته ونظامه المصرفي المزدهر، لكن عقودًا من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حوّلته إلى مشهد من التناقضات الصارخة، حيث يتجاور الأمل واليأس، والانتصار والانكسار.

الجرح اللبناني المفتوح

على مدى سنوات، شهد لبنان أزمات متتالية أثقلت كاهله، بدءًا من الحرب الأهلية (1975-1990) التي تركت ندوبًا عميقة في النسيج الاجتماعي، وصولًا إلى الأزمات السياسية المتكررة والانهيار الاقتصادي الحالي. في 2019، اندلعت احتجاجات شعبية ضد الفساد وسوء الإدارة، مطالبةً بإصلاحات جذرية، لكن هذه المطالب اصطدمت بجدار من المصالح السياسية المتشابكة.

وبينما كانت البلاد تكافح لاستعادة توازنها، جاء انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 ليُعمِّق الجراح. دمار هائل في قلب العاصمة، مئات الضحايا وآلاف الجرحى، فضلاً عن تشريد عشرات الآلاف. الحدث كشف حجم الإهمال والفساد اللذين يُثقلان البلاد، ما دفع اللبنانيين للتساؤل: إلى متى ستبقى هذه المعاناة قدرهم؟

البحث عن الهوية بين الأنقاض

مع كل أزمة، يعيد اللبنانيون طرح سؤال الهوية: هل لبنان هو وطن لجميع أبنائه أم مجرد ساحة صراع للأطراف الإقليمية والدولية؟ الهوية اللبنانية كانت دائمًا معقدة، تتأرجح بين التعددية الطائفية التي يُفترض أن تكون مصدر قوة، والتشرذم السياسي الذي يهدد بتفكيكها.

رغم ذلك، يظهر اللبنانيون في كل مرة إرادة صلبة لإعادة بناء وطنهم. من وسط الأنقاض، يرفعون علم بلادهم كبادرة تحدٍّ وكإصرار على المضي قدمًا. الشعب اللبناني يثبت مرارًا وتكرارًا أن الأمل موجود، سواء من خلال المبادرات الفردية أو الحركات الشبابية التي تسعى لإحداث تغيير حقيقي.

اليوم، لبنان يحتاج إلى أكثر من مجرد شعارات وأغانٍ وطنية. يحتاج إلى رؤية استراتيجية تقوم على:

1. إصلاحات سياسية جذرية: للخروج من نظام المحاصصة الطائفية إلى دولة مدنية تقوم على الكفاءة والعدالة.

2. إنعاش اقتصادي: عبر مكافحة الفساد واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، فضلاً عن دعم القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة.

3. دعم التعليم والشباب: لأنهم العمود الفقري لأي تغيير مستدام.

على الرغم من كل الصعوبات، يبقى الأمل في قلوب اللبنانيين الذين أثبتوا قدرتهم على التكيف مع المحن. لبنان، بجماله الطبيعي وتاريخه الثقافي، يمتلك كل المقومات ليعود من جديد. لكنه بحاجة إلى قيادة حقيقية وشعب موحّد يؤمن بأن الأوطان تُبنى بالإرادة والعمل المشترك.

لبنان يرفع علمه على جراحه، ويبقى الحلم بوطن أفضل حيًا، ينتظر يومًا يتحول فيه هذا الحلم إلى حقيقة.

Share.
Exit mobile version