نشرت صحيفة “الغارديان” تقريراً أعدّه مراسلها في القدس جوليان بورغر بعنوان “الهدف الإسرائيلي الرئيسي: ملاحقة زعيم حماس يحيى السنوار”، متسائلاً إن كان القبض عليه، أو قتله، سيوقف الحرب في غزة.
وأشار، في بداية التقرير، للقاء السنوار مع الأسرى الذي أخذتهم “حماس” بعد هجومها على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث أكد لهم بأنهم آمنون، وأن مبادلتهم ستتم قريباً مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وأشار بورغر أيضاً إلى شريط فيديو من نفس الفترة يظهر، كما زُعم، يحيى السنوار وعائلته في نفق، وهي آخر صورة له.
ومنذ بداية الحرب، قُتل أكثر من 41,000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وبسبب الرد الإسرائيلي المدمر، والذي ترك معظم بيوت غزة أنقاضاً، وهجّرَ 90% من السكان، ووَضَعَ 2.3 مليون نسمة على حافة الجوع. ورغم كل هذا الدمار، لا يزال الهدف الرئيس لإسرائيل، حراً طليقاً، وبدون أن يمس بأذى.
ويقول بورغر إن عملية الملاحقة للسنوار، التي تقترب من عامها الأول، شملت على مزيج من التكنولوجيا المتقدمة والقوة الفتاكة، حيث أظهرت إسرائيل استعداداً للذهاب إلى أي مدى، حتى لو تسبّب هذا بخسائر بشرية عالية بين المدنيين، لقتل زعيم “حماس”، وتدمير الدائرة الضيقة المحيطة به.
ويعلق الكاتب بأن الفريق الموكل بملاحقة السنوار يسعى على المستوى الشخصي والمؤسسي للتكفير عن إخفاقاته الأمنية التي سمحت بهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ورغم هذه الدوافع فقد فشل الفريق حتى الآن في الوصول إلى هدفه.
ونقل بورغر عن ميخائيل ميليشتاين، الرئيس السابق لفرع فلسطين في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) قوله: “لو أخبرتني، عندما بدأت الحرب، أنه بعد أكثر من 11 شهراً سيظلّ على قيد الحياة، لوجدت الأمر مدهشاً” مضيفاً: “لكن عليك أن تتذكر أن السنوار استعد لمدة عقد من الزمن لهذا الهجوم، وكانت استخبارات الجيش الإسرائيلي مندهشة للغاية من حجم وطول الأنفاق تحت غزة ومدى تطورها”.
ويقدر الجيش الإسرائيلي طول شبكة الأنفاق في غزة بحوالي 500 كيلومتر، أي بحجم مدينة تحت الأرض.
أما التحدي الثاني للوصول إلى السنوار، فهو اعتقاد البعض في المؤسسة العسكرية أن زعيم “حماس” أحاط نفسه بالأسرى الإسرائيليين، واتخذهم، حسب زعمهم، كدروع بشرية.
ويرى رام بن باراك، مدير الموساد السابق: “بسبب الأسرى، فنحن حذرون بما نفعله. وأعتقد أنه لو لم تكن هناك قيود لسهل علينا العثور عليه”.
إلا أن بورغر يعلق على مسألة القيود ومحاولة حماية الأسرى قائلاً إن فكرة إحاطة السنوار نفسه بدرع بشري من الأسرى لم تمنع الجيش الإسرائيلي، في الأسابيع الأخيرة، من إسقاط قنابل زنة الواحدة منها 2,000 رطل على أماكن يشتبه بأنها ملاجئ لـ “حماس”.
ويعلق بورغر بأن صائدي السنوار لا تنقصهم الخبرة، ذلك أن إسرائيل تحمل الرقم القياسي في القتل المستهدف أكثر من أي دولة في العالم. فوحدة ياهالوم، وهي وحدة خاصة ضمن فيلق الهندسة العسكرية، تتمتع بخبرة أكبر في حرب الأنفاق مقارنة بأيّ من نظيراتها في الجيوش الغربية، ولديها القدرة على الوصول إلى أحدث أجهزة الرادار التي تخترق الأرض، والتي تم تصنيعها في الولايات المتحدة.
وتعتبر وحدة الاستخبارات السرية 8200 رائدة عالمية في الحرب الإلكترونية، وكانت تتنّصت على اتصالات “حماس” لعقود طويلة.
وتضيف الصحيفة أن جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) خسر معظم مصادره في غزة بعد انسحاب إسرائيل من القطاع في عام 2005، ولكنه عمل جاهداً على إعادة بناء شبكته من المخبرين بعد أن شنت إسرائيل غزوها البري في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، حيث قام بتجنيد العملاء من بين الموجات اليائسة من الفلسطينيين الفارين من الهجوم.
وتقول إن القوات الإسرائيلية، ورغم ما لديها من قوات هائلة ووحدات خاصة، لم تقترب إلا مرة واحدة من الوصول إلى السنوار، في مخبأ تحت مسقط رأسه في خان يونس، في أواخر كانون الثاني/يناير.
وردّدت الصحيفة هنا ما نشرته “نيويورك تايمز”، وصحف إسرائيلية أخرى عن هروب السنوار مخلفاً ملابسه ورزماً من الأموال (مليون شاقل إسرائيلي)، وكانت مغادرته السريعة دليل ذعر، مع أن التقديرات تشير، في النهاية، إلى أنه غادر المكان قبل عدة أيام من اقتحام الجيش الإسرائيلي الملجأ.
ويفترض صائدو السنوار أنه تخلّى عن استخدام الآلات والأجهزة الإلكترونية لمعرفته بالتكنولوجيا والمهارات التي يملكونها.
لكن زعيم “حماس” لم يدرس اللغة العبرية في السجن فقط، ولكن عادات وثقافة عدوه.
ويقول ميليشتاين، الذي يعمل حالياً بمركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب: “هو يفهم الغرائز الأساسية، والمشاعر العميقة للمجتمع الإسرائيلي”، و”أنا متأكد من أن أي خطوة يخطوها تقوم على فهمه للمجتمع الإسرائيلي”.
ولا يزال السنوار على تواصل مع العالم الخارجي، وإن بصعوبة، فكثيراً ما توقفت المفاوضات الطويلة بشأن وقف إطلاق النار في القاهرة والدوحة أثناء إرسال الرسائل من وإلى القائد السري. وهناك من يفترض أن السنوار يستخدم رسلاً للبقاء في القيادة. ويعتمد على مجموعة صغيرة ومتقلّصة من المساعدين الذين يثق بهم، بدءاً من شقيقه محمد، وهو قائد عسكري بارز في غزة.
فالأمل الذي يراود الفريق المطارد للسنوار هو الكشف عن واحد من المراسيل الذين يرسلهم السنوار بنفس الطريقة التي كشفت فيها “سي آي إي” عن مراسيل زعيم “القاعدة” أسامة بن لادن، ومكان إقامته في أبوت أباد بباكستان. فأحد المراسيل هو من قاد الإسرائيليين لمكان الزعيم العسكري لـ “كتائب القسام” محمد الضيف. ففي الساعة 1:30 في 13 تموز/يوليو، حين خرج الزعيم العسكري من مخبئه مع مساعده رفاعة سلامة، قتلا في الحال، مع عدد كبير من الضحايا. وتؤكد “حماس” أنه لا يزال حياً، ولكنه لم يُرَ من وقت، مع أنه لم يظهر مثل السنوار منذ الهجمات.
ويشير الكاتب إلى أن عدداً من مسؤولي الأمن الإسرائيليين ندموا على ما رأوه الفرصة الضائعة في أيلول/سبتمبر 2003 ، عندما خططت طائراتها لقصف منزل كان يعقد فيه قادة “حماس” اجتماعاً. وبعد جدال محتدم في سلسلة القيادة العسكرية، استخدمت الطائرات صاروخاً دقيقاً أطلق على غرفة الاجتماعات المفترضة، بدلاً من تدمير المبنى بالكامل بوابل من القنابل، خوفاً من وقوع خسائر بين المدنيين، ولقد اختارت الطائرات الغرفة الخطأ، ونجا زعماء “حماس”.
لكن قتل المدنيين لم يكن عائقاً في هجوم تموز/يوليو، حيث استخدم الجيش الإسرائيلي قنبلة زنتها 2,000 رطل، وقتل بسببها 90 فلسطينياً، وجرح 300 آخرون.
ويقول ميليشتاين: “يبدو أن المصدر الرئيسي للهجوم على محمد الضيف، والذي أعطى المعلومات حول مكانه، كان مصدراً بشرياً، كان واحداً من الرسل الذين يتنقلون من نفق، أو ملجأ، إلى آخر، ويحملون الرسائل بين قائد وآخر”، “لذا ربما تكون هناك فرصة لتتبع أحد هؤلاء الرسل [إلى السنوار]، أو إذا كان أحدهم عميلاً لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)”.
ويقول يوسي ميلمان، المؤلف المشارك لكتاب “جواسيس ضد أرماغدون”، ومؤلف كتب أخرى عن الاستخبارات الإسرائيلية، إن الضيف ربما ارتكب خطأ لن يكرره السنوار على الأغلب. وقال إن “الضيف ربما كان أكثر غطرسة، وربما قال لنفسه إنهم حاولوا قتلي مرات عديدة، وفقدت عيناً وذراعاً لكنني ما زلت على قيد الحياة، لذا ربما يكون الله معي”، وأضاف ميلمان: “كان الشاباك والجيش ينتظران هذه الفرصة فقط. كل عمليات القتل المستهدفة هذه تدور حول انتظار الخطأ البسيط من قبل الجانب الآخر. لكن السنوار أكثر حذراً. إنه ليس قائدًا عسكرياً حاول الظهور بين شعبه”.
وفي يوم الثلاثاء، أسقطت الطائرات الإسرائيلية قنابل تزن الواحدة منها 2000 رطل على منطقة المواصي، التي صنّفتها إسرائيل باعتبارها “منطقة إنسانية”، قتلت 19 شخصاً على الأقل، وأصابت 60 آخرين. وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ “ضربات دقيقة” على أهداف تابعة لـ “حماس”، لكنه لم يحدد الهدف.
وتقول الصحيفة إن هناك احتمالاً بالتوصل لاتفاق يفضي لخروج السنوار إلى المنفى. ويردد التقرير ما وصف في الصحف الإسرائيلية بأنه في نفق قريب من الحدود المصرية.
لكن ميليشتاين يقول: “تقييمي الشخصي هو أن احتمالات هذا الخيار منخفضة للغاية”، “ففي داخل الحمض النووي له البقاء في غزة، والقتال حتى الموت، ويفضّل الموت في الملجأ”.
ويتفق بن باراك، نائب رئيس الموساد السابق، مع هذا، ويقول: “لا أعتقد أنه سيعبُر إلى مصر، لأنه في اللحظة التي سيعرف فيها الناس أنه ليس في غزة، فإن عملية “حماس” برمتها سوف تنهار، معنوياتها وما إلى ذلك. ولهذا السبب لا أعتقد أنه سيفعل ذلك. فهو ليس جباناً”.
ولا شك أن مقتل السنوار، أو القبض عليه، سوف سيكون نجاحاً عسكرياً كبيراً لحكومة بنيامين نتنياهو، التي جعلت من تدمير “القدرات العسكرية والحكومية” لـ “حماس” هدفاً أساسياً للحرب.
أما ما إذا كان هذا من شأنه أن يوقف الحرب فهو سؤال آخر مختلف تماماً.
ويعلق بن باراك: “عندما نلقي القبض عليه، سوف يكون الوضع أفضل كثيراً، ربما لبضعة أسابيع. وبعد ذلك، سوف يأتي شخص آخر. إنها حرب أيديولوجية، وليست حرباً تدور حول السنوار”.
ويقول ميليشتاين: “بعد ما يقرب من 50 عاماً من الاغتيالات، ندرك أن هذا جزءٌ أساسي من اللعبة. في بعض الأحيان يكون من الضروري اغتيال زعيم بارز للغاية. ولكن عندما تبدأ في التفكير في أن ذلك سيغير قواعد اللعبة، وأن منظمة أيديولوجية ستنهار لأنك قتلت أحد قادتها، فستعرف أن هذا خطأ فادح”، و”أنا متأكد من أن شخصاً ما سيحلّ محل محمد الضيف، أو أن هناك من أخذ مكانه الآن، وإذا قتل السنوار فسيحلّ شخص آخر، ولا يمكنك التعويل على فنتازيا، لن ينهي ذلك الحرب”