الخيار الصعب: الوحدة الوطنية أم وحدة الساحات؟
قدّمت حادثة خطف القبطان عماد أمهز من مدينة البترون الشمالية اعتداءّ نوعياً لا يمكن فصله عن مسلسل التدمير اليومي الذي يمارسه العدو الإسرائيلي في أكثر من بلدة وقرية لبنانية. القاسم المشترك بين مشهديّ التدمير والإختطاف هو استباحة لبنان وغياب الدولة المسؤولة، والإختلاف بين المشهدين هو الإقصاء المتعمد للجيش اللبناني عن دوره في الدفاع عن حدود لبنان ومواجهة العدو الإسرائيلي من جهة والمسارعة إلى اتهامه بالعجز – وربما بالتواطؤ – في مواجهة الإختراقات الأمنية التي أدت الى اختطاف القبطان أمهز، قبل أن يكشف التحقيق ملابسات الحادثة وظروفها ومنها الأدوار التي ربما قام بها أمهز لصالح أجهزة خارجية بعد أن جزم حزب لله أنه ليس من كوادره.
وتجدر الإشارة أن عملية البترون التي نفذها الكومندوس الإسرائيلي تزامنت مع تأكيد الجيش الإسرائيلي أول من أمس (3 نوفمبر ) اختطاف المواطن السوري علي سليمان العاصي خلال شهر تموز/يوليو المنصرم من منزله في الجولان داخل الأراضي السورية، حيث أظهر التحقيق تجنيده لصالح إيران وكشف طريقة عمل «البنى التحتية الإيرانية على جبهة هضبة الجولان»، وفقاً للبيان الصادر عن الجيش الإسرائيلي.
إن عملية الإختطاف سواء في البترون أو في سوريا يجب أن تدفعنا للتوقف أمام الخلل الكبير في ميزان القوى الإستخباراتي لصالح إسرائيل وفي أساليب المواجهة الممكنة التي تؤدي لحماية لبنان، وليس للذهاب بعيداً في استثمار حادثة الإختطاف للقول أن الجيش لا يمكن أن يكون على مستوى المسؤولية في الدفاع عن لبنان، وأن تطبيق القرار 1701 يجب أن يأخذ بعين الإعتبار التمسك بسلاح رديف وتشريعه مستقبلاً لتحقيق التوازن مع العدو الإسرائيلي.
الجدير بالذكر أن عملية الإختطاف إياها هي امتداد لعمليات إختراق سبقتها وأدت الى تفجير منظومة إتصال «البايجر» لدى حزب لله في 17 أيلول/سبتمبر المنصرم وإلى اغتيال أمينه العام حسن نصرلله في 27 منه، وبعده اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين في 4 أكتوبر، وقبل ذلك اغتيال رئيس أركان حزب لله فؤاد شكر وقبله صالح العاروري القيادي في حركة حماس في الضاحية الجنوبية، الى جانب تصفية عدد كبير من قياديي الصفين الثاني والثالث بعمليات نوعية.
لقد اغتيل قادة حزب لله وفي مقدمتهم أمينه العام نتيجة اختراق إسرائيلي بالرغم من أقصى تدابير الحماية والحيطة والسرية التي وضعها الحزب وأدارها بنفسه دون أن يكون هناك أي دور لأي جهاز أمني لبناني، كما أن منظومة «البيجر» التي تم استحداثها لتدارك انكشاف الأجهزة الخلوية لعمليات الإختراق قد فُجّرت بدورها بالرغم من السرية التي أحاط بها الحزب عملية تحقيق هذه الأجهزة. إن الاستنتاج البديهي الذي يقفز الى الذهن مباشرة هو أن المربعات الأمنية التي أقامها حزب لله حول مواقع قياداته كما الإجراءات المشددة التي أحاط بها بناه التحتية قد تحولت الى جدران فاصلة بينه وبين اللبنانين الذين تمايزوا عنه في مطالبتهم بالدولة الجامعة التي يتساوى أمام مؤسساتها كل اللبنانيين، ولهذا أخفقت تلك المربعات في حماية من كانوا في داخلها أمام العدو.
قد يكون في نجاح العدو الإسرائيلي دور كبير للتفوق التقني والإمكانات الهائلة التي توفرها الولايات المتحدة له، ولكن مما لا شك فيه أن الإختراق الأمني مرده إلى تعددية قاتلة في مفهوم الأمن القومي والمصلحة الوطنية وفي ارتهان الأولويات الوطنية لإصطفافات إقليمية لا تستند الى الوحدة الوطنية، وهذا ما جعل التوصل الى رؤية موحدة للاستراتيجية الدفاعية مستحيلاً. لقد أذكت حرب الإسناد الخلاف القائم بين اللبنانيين حول سلاح حزب لله، ووُضعت وحدة الساحات التي أطلقت طهران العنان لها من الجنوب في مواجهة إجماع اللبنانيين ووحدتهم حول الموقف من العدو الإسرائيلي.
لقد فشلت وحدة الساحات المعلنة بين غزة ولبنان في تأمين استدامة الحضور الذي تمتعت به طهران على امتداد أكثر من عقدين من الزمن، كما أضافت الضربات القاسية التي تعرض لها الحرس الثوري في سوريا والتي سعت طهران دائماً للتخفيف من نتائجها وضبط ردود فعلها المزيد من التهميش للدور الإيراني. اضطرت طهران مكرهة لدخول الميدان بشكل مباشر تحت وطأة المثابرة الإسرائيلية التي ما لبثت أن حوّلت الإستيعاب الإيراني الى جولات من الهجمات الصاروخية المتبادلة. هذا وقد شكّل الهجوم الجوي الإسرائيلي الأخير في 26 أكتوبر الجاري على منشآت إنتاج الصواريخ والمسيّرات ووسائط الدفاع الجوي تحدياً لطهران قد لا تستطيع تداركه بالرغم من تلويح إسرائيل بالحرب الشاملة والتهديدات الأميركية بالتدخل.
تمضي إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة في دعوة طهران الى الميدان، بما يعني انضواء طهران في وحدة الساحات وبما يجعلها الساحة الرئيسية التي يتوقف على مستقبلها مصير الساحات الأخرى في كل من لبنان وغزة والعراق. ومع انغماس طهران في المواجهة المرتقبة ستتعرض الساحة اللبنانية لمزيد من الضغوط وسيتحمل اللبنانيون تبعات تقديم وحدة الساحات على الوحدة الوطنية.
العميد الركن خالد حماده – اللواء