لبنان وقبرص ضحيّتا الهجرة غير الشرعية
لبنان وقبرص ضحيّتا الهجرة غير الشرعية
لا تنفصل زيارة الرئيس القبرصي نيكولاس خريستو دوليدس المرتقبة للبنان اليوم وليوم واحد يلتقي خلاله رئيسي المجلس نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عن الملف الشائك الذي يقض مضجع السلطات القبرصية ويشكل أولوية في المحادثات الرسمية، في ظل عجز السلطات اللبنانية عن وضع حدّ له، مقابل الارتباك الذي يثيره على الشواطئ القبرصية العاجزة عن رفض استقبال المهاجرين السوريين غير الشرعيين، والطالبين اللجوء على أراضيها، الوضع الذي خلق فتوراً في العلاقات بين البلدين الجارين على المتوسط. ذلك أن لبنان، في إطار الإجراءات التي اتخذتها سلطاته، يرفض استعادة أي نازحين بلغوا حدود دول أخرى، ومنها قبرص، على قاعدة أن الدولة لا تستعيد إلا حاملي الجنسية اللبنانية، وأن الهاربين من الجنسية السورية تتحمّل مسؤولية استردادهم الدولة السورية وليس لبنان.
قبل أيام، كان خريستودوليدس قد عبّر أمام رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا عن قلقه البالغ من تزايد وصول النازحين السوريين إلى بلاده في الأسابيع القليلة الماضية، وذلك مع عودة النشاط إلى حركة التهريب الحاصلة عبر شواطئ لبنان الشمالية وعجز السلطات اللبنانية عن ضبطها. وهو يرفض أن يكون تصدير النازحين إلى بلاده الحل لمواجهة التحديات التي يواجهها لبنان، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى درس إعلان أجزاء من سوريا مناطق آمنة، الأمر الذي يسمح بإعادة طالبي اللجوء القادمين من دول مجاورة إلى بلادهم.
ترافق هذا الموقف مع حملة شنّها الإعلام القبرصي ضد لبنان، ما أدى إلى اتصال ميقاتي بالرئيس القبرصي والتوافق على الزيارة، مستبقاً ذلك بإعلان موقف رسمي عن الحكومة يحذر من احتمال أزمة ديبلوماسية مع قبرص.
هذا الأمر كان قد بحثه ميقاتي أيضاً مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي زارت لبنان قبل أسبوع، وكان تفاهم على أن تعرض الأخيرة هذا الاقتراح أمام الدول المشاركة في مؤتمر دعم النزوح المقرر عقده في بروكسيل في السابع والعشرين من الشهر الجاري.
تكتسب زيارة الرئيس القبرصي اليوم أهمية مشتركة للبنان كما لقبرص، نظراً إلى ما ستتناوله من ملفات شائكة وعالقة تهدد العلاقات بين البلدين، وقد نبّه إلى أهميّتها ميقاتي في كلمته أمام الوزراء في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عندما قال إن أزمة المهاجرين غير الشرعيين تنذر بملامح أزمة ديبلوماسية مع الجزيرة الصغيرة. لكن الأمر لا يتوقف عند هذه المشكلة، إذ هناك ملف آخر لا يقل أهمية ويحتاج إلى المعالجة ويتصل بملف ترسيم الحدود البحرية الذي أتمّه لبنان مع إسرائيل في تشرين الاول ٢٠٢٢، فيما لا تزال هناك نقاط أو ثغرات تحتاج إلى إعادة النظر فيها في ما يتعلق باتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة الموقعة مع قبرص عام ٢٠٠٧. وكان هذا الأمر على جدول زيارة ميقاتي في آذار ٢٠٢٣ لنيقوسيا، حيث أبلغ السلطات القبرصية موقف لبنان الرسمي الداعي إلى إعادة النظر في الاتفاقية، ولكن من دون الوصول إلى نتائج، ولا سيما أن الموضوع مرتبط كذلك بالاتفاق مع سوريا على تحديد النقاط.
وكان ميقاتي قد شكّل قبيل إنجاز اتفاقية الترسيم مع إسرائيل لجنة برئاسة وزارة الأشغال العامة والنقل وعضوية ممثلين عن وزارتي الخارجية والطاقة وهيئة إدارة البترول، مهمتها إعادة قراءة اتفاقية تحديد المنطقة الخالصة مع قبرص ووضع تقرير في شأنها. وقد خلصت تلك اللجنة إلى اعتبار ذلك الاتفاق مجحفاً في حق لبنان واضعة توصية تطلب من الجيش اعتماد آلية ترسيم جديدة.
وهكذا، بدأت مرحلة جديدة من التفاوض، وزار وفد قبرصي لهذه الغاية بيروت وبدأت سلسلة محادثات خلصت إلى إعلان رئيس الجمهورية السابق ميشال عون عن التوصّل إلى صيغة تم الاتفاق على تنفيذها وفق الإجراءات القانونية المتبعة والمتعلقة بتعديل الحدود البحرية وفق الخط ٢٣.
وتأتي زيارة المسؤول القبرصي الاول لبيروت غداة زيارة قام بها وزير خارجيته كوستانتينوس كومبوس لبيروت قبل نحو ثلاثة أسابيع خصصت للبحث في موضوع #الهجرة غير الشرعية وسبل التعاون في هذا المجال فضلاً عن مسألة الممر البحري الذي أنشأته قبرص إلى غزة. وهو الموضوع الذي لن يغيب عن محادثات خريستودوليد أيضاً نظراً إلى المخاوف لديه من مخاطر توسع الحرب في لبنان ومدى انعكاساتها أيضاً على الجزيرة.
المصدر – النهار