بطرس حرب: ستبقى ذكراك يا أبا يوسف خالدة
بطرس حرب: ستبقى ذكراك يا أبا يوسف خالدة
كتب الوزير السابق بطرس حرب: “أفقد اليوم بوفاة النائب والوزير السابق محمد يوسف بيضون صديقاً وزميلاً عزيزاً أحببت واحترمت، جمعتني به المبادئ الوطنيّة والسياسيّة الواحدة، ولم تفرّقنا الممارسة التي لا تخلو من نظراتنا المختلفة لبعض القضايا التي قُدّر لنا أن نناقشها.
تعرّفت إليه يوم دخلنا معاً إلى مجلس النوّاب عام 1972، وربطتني به علاقة احترام، وتوْق مشترك لأداء دورنا كنوّاب جدد نحمل أمانة شعبنا.
لم تخلُ علاقتنا من مواجهات قانونيّة واقتصاديّة لاختلاف نظرتنا إلى بعض القضايا التي كنّا نناقشها، إلاّ أنّ ذلك لم يبعدنا عن بعضنا، بل على العكس ذلك قرّبنا من بعضنا، ووطّد علاقتنا التي انتقلت إلى زوجاتنا فنشأت بينهنّ صداقة متينة استمرت الى آخر يوم من حياة الست نجلا رحمها الله. صداقة قرّبت العائلتين فأصبحنا نتشارك الأفراح والأتراح، نلتقي دوماً نسافر معاً ونمضي أطيب الأوقات. الذكريات الحلوة لمستوى اليوم، مع رحيله، تعود ذكرى العلاقات النوعيّة التي جمعتنا لتؤلمني بعد أن انحدر مستوى العلاقات الاجتماعية والسياسية إلى درك غاب معه النبل والشرف والأصالة والترفّع والتسابق على المصالح الشخصيّة وجني الثروات غير المشروعة، ما أودى بالبلاد، إلى الخراب وبالعباد إلى الكفر والهجرة.
كان يحلو له أن أناديه ” أبو جوزف ” بدل ” أبو يوسف “، للتأكيد على أنّه الشيعي، ابن الأشرفيه وجامع بيضون، وللتدليل على انفتاحه على كلّ مكوّنات الوطن بعيداً عن التعصّب المقيت، ولترجمة صدق إيمانه بالعيش المشترك وتعلّقه بتنوّع المجتمع اللبناني ووحدته.
لم يعرف التعصّب الديني طريقه إلى عقله وقلبه ومواقفه، ولم يحل انتماؤه الديني دون انتمائه الوطني الذي كان يفاخر فيه، ويقدّمه على أيّ اعتبار.
عاش لبنانيّته مواطناً صالحاً، ورئيساً محافظاً على مؤسسّة العامليّة التربويّة التي أنشأها سلفاؤه مدرسة وطنيّة علّمت وخرّجت الأجيال المتلاحقة.
مارس وطنيّته الصافية كنائب وكوزير، فحمل هموم شعبه بأمانة وصدق والتزام، فلم يكن من السياسييّن عابري السبيل، بل كان صاحب المواقف الوطنيّة المترفّعة، الذي يتعاطى بجديّة ومسؤوليّة الأمور التي تطرح عليه، فلم يعتَل ِمنبراً إلاّ ليعلن رأياً مدروساً مبنيّاً على العلم والموضوعيّة، أو ليتّخذ موقفاً واضحاً جريئاً، فكان مثال السياسي المسؤول المثقّف المحاور المنفتح، الذي يجيد تأدية واجبه بإخلاص ووطنيّة.
لم يتهرّب يوماً من أداء واجب، ولا من مواجهة من يخالفه الرأي، رئيساً كان أم زميلاً أم ناقداً، وقد سمحت لي ظروف زمالتي له ،كنائب ووزير ، أن أشهد جديّته وإخلاصه في عمله ونضاله من أجل إحقاق الحقّ وتطوير المجتمع، وتعاليه عن المصالح الشخصيّة لخدمة المصلحة العامة.
لم يكن ممّن يستسلمون للقدر، وممّن تحبطهم الظروف القاسية التي كنّا نمرّ بها، بل مواجهاً رافعاً التحدّيات، ولاسيّما في الزمن الذي ساد فيه الفساد في الدولة، واستشرى، فانضمّ إلى اللقاء النيابي الوطني إلى جانب فرسان المعارضة الستّة آنذاك ،حسين الحسيني وسليم الحصّ وعمر كرامي ونسيب لحّود ونايلا معوّض ،وإليّ، لمواجهة الفساد ومساءلة الحكومات وكشف ممارساتها في نشر الفساد وحمايته وفي مخالفة القوانين.
إنّ من يغيّبه الموت اليوم ليس رجلاً عادياً، بل إنساناً استثنائيّاً ونموذجاً للقادة الحقيقييّن في مجتمعهم وللمواطنين الصالحين الذين أدّوا واجبهم، والذين لهم الحق في أن يستريحوا بأمان متمتّعين باحترام الناس، كل الناس، لأنّه ترك بصمة مميّزة في تاريخ لبنان السياسي.
فرحمة الله عليك يا صديقي العزيز، لأنّ أمثالك، ولو بلغوا العقد التاسع من عمرهم، يُحزن عليهم، مع صلاتي أن يتغمّدك الله فسيح جنانه، وأن يلهم ابنك وبناتك نعمة الصبر والسلوان.