رسائلٌ مزدوجة لزيارة ترامب!
رسائلٌ مزدوجة لزيارة ترامب!
جاء في “جريدة الانباء الالكترونية”:
حطت طائرة رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، لتتصدر هذه الزيارة التي وصفها بـ”التاريخية” المشهد العالمي، وتضع الشرق الأوسط في مشهد جديد. ولعلّ باكورة نتائج الزيارة إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا، قائلاً: “سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سوريا من أجل توفير فرصة لها للنمو”، وكذلك توقيع وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية مع المملكة.
أما حول لبنان، فأعلن ترامب خلال منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الاستعداد “لمساعدة لبنان في بناء مستقبل من التنمية الاقتصادية والسلام مع جيرانه”.
ولا شك أن زيارة ترامب بأبعادها وأهدافها السياسية والاقتصادية كرّست الرياض البوابة الرئيسية للشرق الأوسط وصمام أمان المنطقة، وشريكة في القرار العالمي، فالمملكة التي تملك إرثاً سياسياً يمتد الى عقود، شكلت، ولا تزال، محرّكاً أساسياً في السياسة العالمية والمساهمة في إدارة ملفات إقليمية أقل ما يقال بأنها ملفات شائكة وساخنة، وأيضاً قاطرة اقتصادية هامة للاقتصاد العالمي، لا سيما أنها من دول مجموعة العشرين.
وتكتسب زيارة الرئيس الأميركي أهمية بالغة في الشكل والمضمون. وفي هذا الصدد ترى مصادر مراقبة لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن للزيارة أبعاد جيوسياسية، خصوصاً أن “المملكة تقود مرحلة تحول المنطقة الى السلام والاستقرار، من خلال مبدأ “صفر مشاكل”، وهذا ما لُمس في انفتاحها على طهران، مشيرة الى أنه بات محالاً تجاوز السعودية في أي ملف أو قضية أو تسوية إقليمية فقط، لا بل دولياً، من خلال قوة حضورها وتأثيرها والوَقع الدبلوماسي لسياستها الخارجية، لا سيما أن اعتماد السلة المتكاملة بالجمع بين السياسة والاقتصاد جعلها صاحبة الكفة المرّجحة.
وفي المقلب الأميركي، دخلت إعادة التموضع الأميركية في الشرق الأوسط مرحلة “التنفيذ”، إذ بدأت تفكيك العقد على عدة جبهات ساخنة من طهران والملف النووي الإيراني والتوترات الإيرانية الإسرائيلية الى حرب غزة الى اليمن الى الهند وباكستان. كل ذلك الذي أتى بعد ما شهدته المنطقة من متغيرات سياسية وعلى رأسها سقوط النظام السوري السابق وما رافقه من تحولات طالت سوريا وواقع الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان.
وتعتبر المصادر أن الولايات المتحدة الأميركية لديها مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، السياسية والاقتصادية والاستثمارية، وتعوّل على قيادة المنطقة مع الدول الفاعلة والمؤثرة والتي تملك رؤية تنموية وعلى رأسها الرياض”، لافتةً الى أن وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية، التي وقعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وترامب والتي هدفت الى تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات الحيوية تصب في هذا الإطار.
وتجدر الإشارة الى أنه تم توقيع حزمة من مذكرات التفاهم في قطاعات مختلفة من بينها الفضاء، الطاقة، النقل الجوي ومذكرات تفاهم أمنية واقتصادية وتكنولوجية لتعزيز الشراكات الاستراتيجية في مجالات الدفاع، الأمن السيبراني، والابتكار، التعدين والموارد المعدنية، ودعم الاستثمارات ونقل المعرفة، وتطوير وتحديث القوات المسلحة السعودية، الصحة والبحوث الطبية.
رسائل ترامب المزدوجة
هذا وستحتضن العاصمة السعودية أعمال القمة الخليجية – الأميركية، اليوم الأربعاء، والتي ستعقد ضمن زيارة ترامب للسعودية وفيما بعد الى قطر والإمارات العربية المتحدة. ومن المتوقع أن تشهد القمة حضور عدد من رؤساء دول عربية وعلى رأسها ما يعرف بدول الطوق، حيث سيتخللها اجتماعات ثنائية مع ترامب أو أكثر تتناول القضايا المشتركة، ومن أبرزها مع الرئيس السوري أحمد الشرع الذي وصل الى الرياض مساء أمس.
ويضع أستاذ العلاقات الدولية الدكتور خالد العزي في حديث الى “الأنباء” الالكترونية اختيار ترامب “الخليج العربي في أول زيارة له رسائل كثيرة للداخل الأميركي والإقليم”، نظراً لحيثية هذه الدول على شتى الصُعد والاستقرار الذي تعيشه والتأثير المالي والاقتصادي، مشيراً الى أن ترامب يرى في المعارك والأحلاف القادمة اقتصادية وليست عسكرية.
ومن ناحية أخرى، يلفت العزي الى أن الرئيس الأميركي يحاول جلب استثمارات من هذه الدول، وليس ابتزاز الاستثمارات، إذ أن هذا الاستثمار ليس لخدمة ترامب، إنما لخدمة تطوير العلاقات الاقتصادية ولتقوية الدور السعودي، والأمر نفسه بالنسبة للإمارات وقطر.
أما على خط الداخل الأميركي، فيشكل قدوم ترامب الى المنطقة لإحياء وضعه الاقتصادي في الوقت التي يعيش فيه الاقتصاد الأميركي الركود والجمود، وفق العزي.
وعلى الضفة الأخرى، يوضح العزي أن ترامب يريد البحث في ملفات داخل الشرق الأوسط التي تتطابق مع رؤيته بإنهاء الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه يعمل بجدية في مفهوم إحياء السلام، ومن ناحية لتحقيق حلمه بالحصول على جائزة نوبل للسلام بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، كي يسجل لنفسه أنه استطاع إنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، بالإضافة الى استتباب الأمن، ما يؤكد نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط دون منازع ويقطع الطريق على الصين وروسيا والهند والجميع.
هذا بالإضافة الى أنه يحاول إنهاء الملفات الساخنة وآخرها التوترات بين الهند وباكستان، من ضمن توجهات اقتصادية للذهاب في التنافس في الحرب الاقتصادية بينه وبين الصين الذي لا يمكن إبعادها حتى لو تأخرت، وفق العزي.
أما الموقف السعودي، فيقول العزي انه يتلاقى مع رؤية ترامب في الاستقرار الاقتصادي نتيجة رؤية 2030، استجلاب الاستثمارات العالمية الى الرياض والخليج العربي، مشيراً الى أن الموقف السعودي من الأزمات الحاصلة في الشرق الأوسط واضح وثابت وسبق وعبر عنه ولي العهد في مقابلة مع Fox News قبيل طوفان الأقصى وحدد فيها 3 نقاط أساسية، الاعتراف بالدولة الفلسطينية وأن لا سلام ولا تطبيع دون قيام دولة فلسطين، وأن حل الملف النووي يعيد الاستقرار الى المنطقة، وعلى العالم أن ينظر لنا كقوة اقتصادية صاعدة.
وحدة سوريا وموقف طريف
إعلان ترامب رفع العقوبات، لاقى ترحيباً من المملكة وسوريا ولبنان ودول عربية وغربية، ويشدد العزي في هذا الصدد على أن “الاستقرار في سوريا ورفع العقوبات هو ما يهم المملكة، وقطر والإمارات العربية المتحدة”، لافتاً الى أنه “لطالما تم التأكيد على ضرورة وحدة سوريا”، مشدداً على أن “استقرار المنطقة العربية من استقرارك سوريا”.
وفي سياق متصل، الدعم الدولي الذي لاقاه الشرع مؤخراً، والإصرار العربي والدولي على شعار وحدة سوريا وحماية الأقليات، والتي تزامنت مع إعلان ترامب قبيل زيارته الى الرياض حول إمكانية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، تضعه مصادر سبباً رئيسياً في تحول موقف الشيخ موفق طريف، الذي أعلن عن وقف التدخل في “القرارات الاستراتيجية” للطائفة الدرزية في سوريا، مشدداً على ضرورة تمسكهم بالهوية السورية.
وتثني مصادر مواكبة لجريدة “الانباء” على الخطوات والمواقف التي اتخذها الرئيس وليد جنبلاط، أولاً بالعودة الى الحاضنة العربية والدولية لتأكيد وحدة سوريا، والدفع نحو التوصل الى اتفاق داخلي يضمن موقع ودور الدروز في نسيج الدولة السورية.