مقالات

هل يطلّ “المستقبل” مجدداً من نافذة التعيينات السنيّة؟

هل يطلّ “المستقبل” مجدداً من نافذة التعيينات السنيّة؟

المؤسسات المالية الرسمية في لبنان على بُعد شهر من التعيينات المنتظرة. في 10 حزيران المقبل تنتهي ولاية نواب حاكم مصرف لبنان، وكذلك ولاية أعضاء لجنة الرقابة على المصارف. المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي يوليان تلك التعيينات أهمية قصوى، ويعتبران أنّ تلك التعيينات بمنزلة “مؤشر” إلى مدى جدّية الحكومة في مسألة السير عميقاً بالإصلاحات.

يصوّّب الغرب “مجهره” على تحركات وزير المالية ياسين جابر، باعتباره وزير الوصاية الذي يفترض به أن يرفع الأسماء المرشحة لتولي هذه المناصب إلى مجلس الوزراء (3 أسماء لكلّ منصب) للتوافق على واحد منها لكل منصب، أو التصويت في حال الفشل على التوافق، مثلما حصل في جلسة تعيين الحاكم كريم سعيد.

المراقب لحركة جابر، وكذلك الذين يُحيطون به، يكتشف سريعاً أنّ ملائكة “تيار المستقبل” (والرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة) حاضرة دوماً لدى وزير المالية، إذ تشير المعلومات إلى أنّ “جابر يحيط نفسه دوماً بشخصيتين، بينما الشخصية الثالثة لا تغيب سيرتها عن النقاشات الخاصة بالتعيينات، وللمفارقة فإن الشخصيات الثلاث سنّية:

1. رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود (مستشاره للشؤون المصرفية).

2. رئيسة لجنة الرقابة على المصارف الحالية مايا دباغ.

3. رئيس المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار (إيدال) مازن سويد.

المفارقة الثانية، أنّ الشخصيات الثلاث تدور في فلك “تيار المستقبل” الذي يصر رئيسه سعد الحريري على تعليق عمل تياره السياسي، كما إنّه غير ممثل بالحكومة ولا في البرلمان. ومن هذا المنطلق لا يُفهم لماذا يصرّ وزير المالية على إحاطة نفسه بشخصيات تتبع تياراً يحيّد نفسه عن الحياة السياسية.

أضف إلى هذا، فإنّ كل واحد من الشخصيات الثلاث المذكورة كان يتبوأ منصباً، وفي فترات متنوعة، في إدارة مصرف آل الحريري (بنك البحر المتوسط)، وهذا يطرح علامات استفهام حول حقيقة الجهة التي تدفع بتلك الشخصيات للتقرّب من الوزير جابر، أو إن كان الوزير نفسه مقتنعاً بالفعل بقدرات هؤلاء.

أغلب المراقبين الاقتصاديين والماليين، يطرحون الكثير من الأسئلة حول سلوك تلك الشخصيات قبل وخلال وحتى بعد الأزمة. يقول أحد الخبراء المصرفيين الذي يفضّل عدم ذكر اسمه نظراً إلى حساسية الموقف، إنّ سمير حمود يوم كان يتبوأ رئاسة لجنة الرقابة على المصارف (2015 – 2020)،”كان يدافع عن سياسات مصرف لبنان ويجاهر بأحقية الدولة في الاستدانة منه” (استدانة أموال المودعين) باعتبار أنّ حصول الدولة على قروض هو “واجب على مصرف لبنان وعليه أن يقوم به”، خصوصاً أنّ المصارف بنظره في حينه “كانت مليئة والتقارير تظهر أنّها في وضع جيد يسمح لها بإقراض الدولة عبر المصرف المركزي”.وهذا يعني بطبيعة الحال أنّ حمود كان يوافق على سياسات الدولة والمصرف المركزي خلال ولاية رياض سلامة، أو في أضعف الإيمان كان يلتزم الصمت على غرار خليفته مايا دباغ التي كانت غائبة عن المشهد منذ تعيينها بالمنصب نفسه في العام 2020.

بل يذهب البعض الآخر من الخبراء، إلى حدّ اتهام دباغ بالغرق في أروقة مصرف “الاعتماد الوطني” الذي يملكه نادر الحريري، في السنتين الأوليين من ولايتها، مهملةً مهامها في لجنة الرقابة في حمأة الأزمة (2020 -2022)، وهو المصرف نفسه الذي تولى إدارته سمير حمود موقتاً إبان الأزمة (لم يحقق أي اختراق في أزمة المصرف المذكور).

اليوم، يعود اسم مايا دباغ إلى الواجهة مجدداً من بوابة وزارة المالية وليس مصرف لبنان (حيث تنتمي وظيفياً)، تارة بالترويج بأنّها قد حصلت على “عرض” لتوليها منصباً في صندوق النقد، من دون أن تُعرف حقيقة العرض من عدمه، لكن يبدو أنّ هذا الكلام من باب تلميع صورتها، وطوراً عبر تسويق اسمها مجدداً (ولو بخجل) لتولي رئاسة لجنة الرقابة على المصارف مجدداً. أيّ حيث أخفقت على مدى السنوات الخمس الفائتة، خصوصاً أنّها كانت الغائب الأبرز عن جميع اجتماعات المصرف المركزي مع الجهات الدولية والمحلية (في عهد رياض سلامة ووسيم منصوري واليوم كريم سعيد) واليوم عادت لتكون “الضيف الدائم” على مائدة اجتماعات وزير المالية ياسين جابر على المستويات كافة، إن كان في اجتماعات اللجان النيابية، أو في اجتماعات صندوق النقد، حيث يضطرون للتعريف عنها في كل اجتماع لأنّ كل الجهات الغربية لا تعرفها.

أمّا مازن سويد، فيشغل اليوم منصب رئيس مؤسسة “إيدال”، وكان قبل ذلك رئيسَ قسم الأبحاث في مصرف آل الحريري، وقد حاول رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، أكثر من مرة ممارسة الضغوط على رؤساء الحكومات من أجل تعيينه في منصب نائب الحاكم الثالث، لكنّه لم يفلح. هو الآخر يُطرح اسمه في أروقة وزارة المالية من دون معرفة المنصب الذي يرشحه إليه جابر.

وفق هذه المعطيات كلّها، تبرز مجموعة من الأسئلة التي لا يجد لها المراقب أيّ جواب حتى اللحظة: أين رئيس الحكومة نواف سلام، وهل يوافق على تعويم شخصيات كانت تملك صلاحيات “محورية” لتفادي الأزمة أو تلافي تبعاتها ولم تستخدمها؟ وإلى هذا الحدّ باتت الطوائف كافة (خصوصاً الطائفة السنيّة) خالية من الشخصيات الجديدة ليصار إلى تثبيت الأسلاف في المناصب نفسها في “زمن الإصلاحات”؟

الأكيد أنّ هذه الشخصيات هي مقربة جداً من وزير المالية، لكن ما ليس أكيداً حتى اللحظة ماذا سيقوم به وزير المالية حينما “يدق” جَرَس الاستحقاقات: هل سيطرح جابر الأسماء الثلاثة ضمن سلة تعيين واحد لتعويم واحد منها على الإثنين الآخرين؟ أم أنّه ينوي توزيع “البيض” في سلال التعيينات ليحصل كل واحد من هؤلاء على منصب مختلف؟ (نائب الحاكم الثالث، رئيس لجنة الرقابة على المصارف).

العاشر من حزيران ليس بعيداً، والحريص على الإصلاح ما هكذا يُورِد الإبل.

“نداء الوطن”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce