انتخابات بيروت البلدية في مأزق بعد قرار الحريري
انتخابات بيروت البلدية في مأزق بعد قرار الحريري
كتب زياد سامي عيتاني في “اللواء”:
تعيش مدينة بيروت بما تمثّل من عاصمة مركزية للقرار السياسي وللوحدة الوطنية وللعيش المشترك مأزقاً حقيقياً غير مسبوق فيما خصّ الانتخابات البلدية، خصوصاً بعد قرار الرئيس سعد الحريري القاضي بالإنسحاب من السباق الإنتخابي، حيث يسود الإرباك والتشويش، بفعل حالة التشتت والتشرذم، مما بات يخشى من جرائهما أن تشكّل خطراً جديّاً على صحة تمثيل المجتمع البيروتي وتوازناته، وبالتالي إضعاف مكانة العاصمة الريادية والمتقدمة، مما سيفقدها دورها الميثاقي الجامع وطنياً.
لا شك أن قرار الحريري أحدث إضطراباً وقلقاً إنتخابياً، ليس على الساحة السنّية فحسب، بل على الساحة الوطنية بأسرها، وما زاد من ضبابية المشهد الإنتخابي لدى حلفاء الحريري وخصومه على حدّ سواء، الخشية الحقيقة من الإطاحة بالمعادلة الوطنية التماثلية أو الإخلال بها، بسبب غياب القدرة التأثيرية الجامعة للتوجهات التوافقية المتوازنة والوازنة، التي تبعد شبح مخاطر العزل لبعض مكوّنات المجتمع ودوائره على قاعدة التعدّد والتنوّع للطوائف والمناطق المحلية، وذلك لما يحظى به الحريري من ثقل شعبي حاسم لنتائج أي إنتخابات تخوضها بيروت، لا سيما أنه لم يعطِ توجيهاً واضحاً وحاسماً لجمهوره وللناخبين الذين يدورون في فلكه، حول كيفية تعاطيهم مع الاستحقاق الإنتخابي، مكتفياً بكلام عام اعتبر فيه أن «الانتخابات البلدية هي انتخابات أهلية إنمائية غير سياسية»، موجّهاً تيار المستقبل بأن «لا يتدخّل في هذه الانتخابات في كل البلدات والمدن اللبنانية، حفاظاً على الطابع العائلي والإنمائي»، متوجّهاً للناخبين قائلاً: «انني على ثقة كاملة بقدرة الناخبين على اختيار الأفضل في كل البلدات والمدن في لبنان، وعلى رأسها العاصمة بيروت، وأؤكد احترامي لقرارهم الديمقراطي مهما كان، كما انني على ثقة أيضا بحسّ الناخبين الوطني للحفاظ على المناصفة في بيروت».
حالة الإرباك جرّاء قرار الحريري انسحبت على كل القوى والأحزاب المعنية والعائلات والهيئات التمثيلية بانتخابات المجلس البلدي لمدينة بيروت، ما دفعها إلى التريّث وإعادة حساباتها وتحالفاتها وتسمية مرشحيها، وتوقيف «ماكيناتها» الإنتخابية، خاصة وأنها عاجزة و«قاصرة» عن «تعويض» (ولو بالحد الأدنى) الدور المرجعي الذي يتمتع به الحريري، ما ترجم خلافات وصراعات فيما بينها، والتي يخشى بسببها أن تطيح بالمناصفة التي كرّسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فضلاً عن مخاوف من أن تكون المشاركة هزيلة، خصوصاً وأن المزاج السنّي العام يميل إلى المقاطعة في ظل الصراعات على المكاسب والمصالح، بعيداً عن أي مشروع تنموي إنمائي جديّ، من شأنه أن يشكّل خارطة طريق لإعادة استنهاض بيروت وازدهارها، مما يزيد من حالة «الإحباط» على مستوى الطائفة السنية، في ظل عدم توافر مرجعية بيروتية بديلة قادرة على لملمة وتوحيد الصف «السنّي» البيروتي، وتوجيهه إنتخابياً للإتيان بمجلس بلدي يعبّر عن طموحات وتطلّعات الناخبين «السنّة» في بيروت ذات الأغلبية الساحقة، خاصة وأن أهل السنّة والجماعة في لبنان وبيروت تحديداً (أبرز المكونات الوطنية للدولة اللبنانية) ينتابهم شعوراً محقاً بالخيبة بما يتعرضون له من استهداف ممنهج ومبرمج، هدفه تهميش وتحجيم دورهم التاريخي والتأسيسي في المعادلة السياسية اللبنانية، ضمن مخطط تنفذ فصوله تباعاً لتغيير هوية بيروت وتاريخها وتقسيمها مناطقياً على أسس طائفية ومذهبية، دخيلة وطارئة على نهجها الوطني الوحدوي.
وحالة الإرباك والضياع لا تقتصر على الوسط السنّي في العاصمة، بل تنسحب على الأحزاب «المسيحية» والثنائي «الشيعي»، الذين يعيشون هاجساً حقيقياً بعد قرار الحريري مع إنعدام القدرة (الى حين) على تشكيل لائحة تحفظ المناصفة، من خلال إنتاج لائحة إئتلافية تضمن المناصفة وتمثّل كلّ أطياف العاصمة، بهدف وصول مجلس بلدي متجانس يعمل من أجل الإنماء عبر مرشّحين لديهم الكفاءة والخبرة والنزاهة.
إزاء هذا الواقع، فإنه من الخطأ الفاضح اعتبار أن المأزق المتعلق بالاستحقاق الانتخابي محصور بالطائفة السنّية، لأنّ المأزق الفعلي والحقيقي هو مأزق وطني بإمتياز، وليس مأزقاً طائفياً محدوداً، خصوصاً وأن التخبط مخيّماً على مختلف الطوائف وأحزابها، وداخلها وبينها، التي تعيش هاجس عدالة التمثيل، في ظل التعبئة الفئوية والصراع على الهيمنة السياسة على المجلس البلدي، بعيداً عن مصالح الناس والإنمائية والحياتية اليومية.
ولكن هذا الحرص المعلن على توافق على لائحة موحّدة تؤمّن عدالة التمثيل البيروتي، فإن فكرة تقسيم بيروت بلدياً الى دائرتين بين «شرقية وغربية» ما تزال ضمناً حاضرة في أذهان البعض في الشارع المسيحي، ظناً أنها تعتبر «الضمانة» للمناصفة ولعدم إستئثار المسلمين بغالبية المقاعد البادية.
هذا المأزق الإنتخابي العام يجعل من انتخابات العاصمة أمام تحدّ حقيقي بفعل تخبط مختلف القوى السياسية والإجتماعية على الساحة البيروتية بعد «خلط الأوراق» الذي أحدثه قرار الحريري، مما سيضع الانتخابات برمّتها أمام مصير مجهول، الأمر الذي سيرفع من حرارة المشهد السّياسي، وهو ما تعيشه كواليس العاصمة من اتصالات، لضمان استمرار لعبة التوازنات، حيث أن المرحلة القادمة، هي مرحلة ترقّب وإنتظار، حتى تحسم القوى المأزومة إنتخابياً خياراتها لكيفية الخروج من مآزقها.