#الجنة_ليست_حكرًا_على_ديانة_والترحّم_على_المختلف_دينيًا_قمّةُ_الإنسانية
#الجنة_ليست_حكرًا_على_ديانة_والترحّم_على_المختلف_دينيًا_قمّةُ_الإنسانية
كتب محمد ترحيني .. قراءات في الجنة والرحمة
ما الجنة؟ أهي مكانٌ ماديّ مرصوفٌ بالذهب، أم هي تجلٍّ للسكينة المطلقة، للطمأنينة التي تفيض من ذات الإله على الأرواح التي عرفت كيف تحبّ، كيف تَعدل، وكيف تعبر هذا الوجود بثقلٍ من المعنى؟ وإن كانت الجنة رحمة، أفليست الرحمة أوسع من أن تُضيقها طائفة أو يحتكرها مذهب؟ أيمكن لمطلق الرحمة أن يُقزَّم ليُحشر في قالب هويّة دينية ضيقة؟
الجنة في جوهرها ليست شهادة تُمنح بناءً على انتماء عَقَديّ، بل هي انعكاسٌ للصدق الوجودي، للنية التي لم تخن إنسانيتها، للسعي الذي لم يتاجر بالبِرّ، وللقلب الذي لم يُقصِ الآخر لأنه وُلِد على ضفاف عقيدةٍ مغايرة.
ليس الله وكيلًا حَصريًا لدين، ولا الجنة ناديًا مغلقًا بحراسة فقهاء التكفير.
أن تترحم على من خالفك في الدين، هو أن تنتصر لإنسانك قبل أن تنتصر لدينك. هو أن تقول: “أنا أؤمن أن الرحمة ليست امتيازًا طائفيًا، بل سلوك كوني، لا تُفهم إلَّا حين نُخرج الدين من قاموس الامتلاك إلى فضاء الشراكة الوجودية”.
التراحم فعلٌ إنسانيّ قبل أن يكون دينيًّا.
هو بقايا نورٍ في الكائن، صدى من المحبة الإلهية التي لا تسأل عن بطاقة الهويّة الدينية، بل تنظر إلى القلب: هل أحب؟ هل عطف؟ هل سامح؟ هل عرف أن الله في الآخر كما هو في الذات؟
في الترحم على المختلف دينيًا، تمرّدٌ نبيل على هندسة الفرز الديني التي صمّمها الفقه السلطوي ليصنع من الآخر خصمًا أبديًا، وعدوًا وجوديًا.
كأنما الدين الذي جاء رحمة للعالمين، تحوّل بفعل التوظيف الأيديولوجي إلى معولٍ لنبش المقابر ورفض الترحم على موتى لم يرتدوا زيّ العقيدة الرسمية.
ومَن يملك مفاتيح الرحمة حتى يمنعها؟ هل هي بيد عالمٍ فقيه، أم بيد قلبٍ يعرف أنَّ الإنسان أكبر من صيغة معتقد؟ الرحمة، في جوهرها، لغةٌ لا تُكتب بل تُحسّ، وهي الصراط الذي يجتازه من رأى الله في وجه فقير، وابتسامة طفل، ودمعةِ أمٍ ثكلت ابنها، لا في سرديات النجاة الحصرية.
الذين يعارضون الترحم على المختلف دينيًا، لا يخشون على الدين بل يخشون من ضياع امتيازاتهم الهوياتية. يخافون أن تتحول الأخوة الإنسانية إلى بديلٍ عن الجماعة المغلقة التي بنت عظمتها على نفي الآخر.
أليس من المفارقة أن نطلب من الله أن يرحمنا، ونحن نضنّ بالرحمة على مَن خالفنا في الإيمان؟ ألسنا بذلك نُطالب الإله أن يفعل ما لا نرضاه نحن لأنفسنا؟
الجنة لا تُدرك بالحرف، بل بالحب. لا تُنال بالانتماء، بل بالانفتاح. فكما أنَّ الله ليس محصورًا في مسجد أو معبد أو كنيسة، كذلك رحمته ليست سِجلًا تُحرّره مؤسسات الكهنوت. إنما هي كالمطر، يسقي من آمن ومن لم يؤمن، من صلّى ومن لم يعرف القبلة.
وفي النهاية، الترحم ليس اعترافًا بعقيدة الآخر، بل اعتراف بإنسانيته. ومن لم يرَ في الآخر إنسانًا، فكيف يزعم أنه يعرف الله، وهو الذي سمّى نفسه: “الرحمن الرحيم”؟