لبنان وسوريا في سباق مصيري: تشكيل السلطة وإعادة الإعمار
على الإيقاع السوري، يُسارع اللبنانيون إلى إنجاز الاستحقاقات السياسية والدستورية، بما يتلاءم مع شروط دولية، بهدف التمكّن من وضع خطة لإعادة الإعمار والحصول على المساعدات اللازمة من الجهات المانحة.
ثمة قناعة أن هناك تسابقاً بين إرساء الاستقرار في لبنان وتثبيته، وإرسائه في سوريا، التي تشهد اندفاعة دولية للعودة إليها، وهي الساحة الواسعة التي تحتاج أيضاً إلى مشاريع كبيرة في إعادة الإعمار والاستثمارات. وفي حال لم ينجح لبنان في إرساء قواعد إعادة تشكيل السلطة وحفظ الاستقرار، فإن جلّ الاهتمام سيتركز على الدولة الجارة. وعندها سيخسر لبنان الكثير من الاهتمام. في المقابل، هناك قناعة أخرى ترى أن البلدين سيكونان مرتبطين ببعضهما البعض وما يسري على الأولى سينسحب على الثانية، في إطار متجدد لـ”وحدة المسار والمصير”.
الضربات الإسرائيلية
سبق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، تطورات الأحداث في سوريا، ودخول القيادة العسكرية في معركة تحرير المدن الكبرى وصولاً إلى دمشق وإسقاط النظام. كان لبنان قد خرج لتوّه من الحرب مع إسرائيل، بناء على اتفاق لوقف النار، وجدول زمني لانسحاب الإسرائيليين من الجنوب خلال مدة ستين يوماً، يتم خلالها العمل على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة والشروع في وضع برنامج إعادة الإعمار.
لا تزال إسرائيل تتسمّر في الجنوب، تواصل اعتداءاتها وخروقاتها للاتفاق، وتعمل على تسريب أجواء للموفدين الدوليين أو للجنة المراقبة، بأنه لا تلمس جدية لدى الحكومة اللبنانية في التجاوب مع تطبيق الاتفاق، وخصوصاً بما يتعلق بمسألة انسحاب حزب الله من الجنوب. أوصل الإسرائيليون رسائل دولية تفيد بأن حزب الله يحاول الالتفاف على الاتفاق ومضمونه، ويبحث عن صيغ تبقيه على قوته ويعيد من خلالها تكرار تجربة العام 2006. لذلك يقول الإسرائيليون إنهم مصممون على توجيه الضربات ومواصلة الخروقات، إلى أن تتمكن اللجنة من تطبيق بند انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني.
الجيش والحزب
في المقابل، يطالب لبنان لجنة المراقبة بالعمل على تثبيت الاتفاق، ومنع إسرائيل من مواصلة خرقه وتنفيذ الغارات والاعتداءات. يقدّم لبنان رؤية واضحة أنه كلما تأخر الإسرائيليون في الانسحاب من الجنوب فإنهم يعرقلون مسار دخول الجيش اللبناني ليتسلم المواقع ويعمل على تفكيك بنية حزب الله العسكرية.
على الصعيد التقني واللوجستي، التواصل والتنسيق قائم بين حزب الله والجيش. وفي زيارتين أجراهما رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا إلى قائد الجيش جوزيف عون، ومدير المخابرات طوني قهوجي، جرى التفاهم ووضع برنامج واضح لآلية دخول الجيش إلى كل مراكز الحزب وتسلمّها وإبعاد الأسلحة فيها إلى جنوب نهر الليطاني. لكن ذلك كله يرتبط بانسحاب الإسرائيليين. بينما تحاول تل أبيب فرض المزيد من القيود على آلية إخراج أسلحة الحزب، وعدم تسليمها له في شمال نهر الليطاني، وهذه مسألة تنتظر تدخلاً أميركياً وفرنسياً لمعالجتها.
الرئاسة والسلطة الجديدة
وفق القراءة السياسية الداخلية والخارجية، فإن عمل لجنة المراقبة سيتفعل أكثر مع انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل السلطة. وعندها سيكون هناك مسار جديد قد فتح، وسط شروط دولية واضحة تبلغها المسؤولون اللبنانيون، بأن المعيار هو في شخصية الرئيس أن يكون جامعاً ويأخذ ثقة المجتمع الدولي، ويكون منسجماً مع حكومة ببرنامج واضح لإنجاز الاصلاحات السياسية، الإدارية، الاقتصادية والمالية. إذ يجمع القرار الدولي بأنه لا إمكانية للحصول على مساعدات لإعادة الإعمار أو استثمارات إلا بانتخاب رئيس وضمان برنامج الإصلاحات وتطبيقه. إلى جانب الإصلاحات، هناك أطراف داخلية وخارجية تعمل على وضع شروط سياسية تتصل بتطبيق القرار 1701 وغيره من القرارات الدولية، والوصول إلى استراتيجية دفاعية. بمعنى تخلي حزب الله عن مسألة السلاح وقرار الحرب والسلم.
ما بين هذه الحدود، تُخاض الانتخابات الرئاسية بين عدد واسع من المرشحين. وهم ينقسمون إلى “جنرالات حاليين وسابقين” كقائد الجيش جوزيف عون، مدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري، مدير المخابرات طوني قهوجي، ومدير المخابرات السابق جورج خوري. ووزراء سابقين كزياد بارود وناصيف حتي. ونواب حاليين كنعمت افرام وفريد هيكل الخازن. وتكنوقراط كجهاد أزعور وسمير عساف.
حتى الآن لا توافق على أي مرشح من هؤلاء المرشحين بين القوى المتعارضة. وكل طرف سياسي يفضل مرشحاً أو أكثر. وسط تركيز على ترشيح قائد الجيش جوزيف عون، والذي سيكون أمام اختبار حقيقي يتعلق بآلية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، وكيفية التعاطي مع حزب الله. وذلك لتجاوز أي عقبة أمام ترشيحه. علماً أنه حتى الآن لم يحظ بدعم الثنائي ولا بدعم التيار الوطني الحرّ. في المقابل، اسم البيسري يحظى بتقاطعات داخلية وخارجية أيضاً. على الضفة الأخرى، هناك اتجاه لدى قوى سياسية وكتل نيابية للميل نحو خيار مشابه لجهاد أزعور، وإعادة إطلاق ترشيحه مجدداً كشخصية مالية واقتصادية مسيّسة ولديها علاقاتها الداخلية والخارجية. فرنسا تعيد إحياء ترشيح سمير عساف. وجرى بحث باسمه خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى السعودية، كما طرحت اسمي بارود وحتّي.
اليوم التالي في سوريا ولبنان
عملياً، مهمة الرئيس المقبل، وحكومته ستتركز على شقين أمني عسكري، ومالي اقتصادي، إلا أن آلية الانتخاب والعمل ما بعد إنجازه، ستكون مرتبطة بكل التطورات الإقليمية والدولية، والتي لا يمكن فصلها عن ما يجري في سوريا، التي تواجه أيضاً تحديات سياسية تتصل بإعادة تشكيل السلطة ووضع دستور جديد وتحديد موعد لإجراء الانتخابات. وإذا كان لبنان أمام مهلة ستين يوماً، فإن القيادة السورية الجديدة وضعت مهلة تسعين يوماً أمام إنجاز المهمة الأولى، لتنتقل إلى مهمة ثانية وهي إعادة بناء الأجهزة الأمنية وتشكيل الجيش. وهو له ما يشابهه في لبنان من خلال التركيز على دعم الجيش وتعزيزه إلى جانب المؤسسات الأمنية الأخرى.
في المرحلة الثالثة، فإن سوريا ستكون أمام تحدي إعادة الإعمار وإطلاق المجال أمام الاستثمارات.
يبقى هناك التحدّي الإسرائيلي المشترك. فلبنان يفترض أنه يدخل إلى تسوية سياسية شاملة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية وتثبيت اتفاق وقف النار. أما سوريا فهي تواجه تحدياً استراتيجياً من خلال الاعتداءات الإسرائيلية وعمليات التوغل والتوسع، في محاولة لفرض واقع احتلالي جديد. تبدو سوريا غير قادرة على الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، بسبب ظروفها وأوضاعها، وهو ما سيضاعف تحدياتها، وسيدفعها إلى التركيز أكثر على الجانب التفاوضي بمساعدة بعض الدول العربية والإقليمية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية. وهذا، من دون إغفال أن الهدف الإسرائيلي في سوريا ولبنان مشترك، أي تغيير الوقائع العسكرية لصالح التفوق الإسرائيلي وضمان الأمن، وعدم جعل أراضي الدولتين منطلقاً لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل، والوصول إلى فرض شروط سياسية تشبه إلى حدّ ما التفاوض للوصول إلى اتفاق سياسي أو اتفاق هدنة. من دون إغفال التحديات السورية الداخلية كمثل شكل النظام السياسي ودور الأكراد والأقليات فيه، وموازين القوى السياسية والإقليمية. وهو أيضاً ما سيتحدد في لبنان بناء على المزج ما بين موازين القوى الإقليمية والداخلية.