اللبناني الانتماء القلق والهجرة
الدكتور حسان فلحه المدير العام لوزارة الاعلام/النهار
‎ان ازمة المواطنة في لبنان تستوفي
‎عناصرها الغالبة على أحوال اللبنانيين من فرط محنة الانتماء القلق عند هؤلاء الذين يتبادلون مآثر العصبيات الطائفية والمذهبية بشكل تستباح فيه حدود الوقوف على المحرمات كلها ، ويؤثرون التلطي بأركان الدين على الدين ذاته ، وينزعون صوب المذهب من الاستجارة بالمذهب عينه .
‎ و يبالغون في استحداث إشكاليات الغلبة والنزعة داخل التضخم في الانتماء العصبي على مدارك الولاء الوطني ، و الا لماذا يعيدون دائما ترتيب أولياتهم من الطوائف نحو الطوائف ، قد يركن البعض منهم الى اسباب معللة في تبرير الزعم الظاهري لما يدعي لا لما يضمر .
‎فالباطنية والتقية و التأويل واعتماد بواطن الامور من دون تسطيح الهوة بين اعتقادهم و افعالهم و اللوذ عن الانظار ، هي سمات عريقة في الاحاطة بعروة مللهم و نحَلِهم ويسابقون في خطاباتهم السرديات الواشحة عن ما يضمرون .
‎الخطب عند هؤلاء ترفع الدين جانبا ، والعظات لديهم تواري مكامن القصد بمقاصد لا تشبهها الا من حيث القائلون بها . “وجعلوا ارزاقهم في رماحهم ” كما تنبأ ابن خلدون .
‎لماذا يمعن اللبنانيون في استنباط الإشكاليات الفرعية على انها ازمات وجودية يترنحون تحت كاهل حملها ، و ينقبون عن حلول خارجية لداخلهم العاري من كل سر ، في استقواء خارجي مريب على ذواتهم المتشابهة في حدة الاختلاف . ان الامة العريقة اذا اتصفت بذلك تراود عن حالها بعدم بلوغ سن الرشد و هي تعيش سن اليأس ، لخلافهم الطويل والعميق على ادنى التفاصيل وكأنه عناهم فولتير Voltaire في قوله كل الاطراف ” على خطأ “.
‎ان “الحرية” عند اللبنانيين هي غيرها في المعهود ، كما “ديموقراطيتهم” التى يرونها ذات امتيازات تكوينية مذهبية وطائفية و مناطقيه خاصة بهم ، متشحة بداء الخوف من الاخر الشريك ، يغلبون التربص والريبة وزرع تربية النميمة في سلم العلاقة والروابط بين اركان مكوناتهم . لاضير ان اختلافاتهم شمولية وعامة من المفهوم الملتبس للادارة والسياسة ومقاربة الرياسة ومن توطئة تعريف الذات وصولا الى تعريف الاخر .
‎ان معظم اللبنانيين يسكتون لمزا و غمزا عن دوائر المراتب الطبقية للمجتمعات وتفاوتها لصالح هواجسهم الغائرة في المكامن العصبية المدفوعة عند البعض من القلق المزمن الناتج عن سطوة التاثير الخارجي والمتزامن مع الريبة المستقيمة على الشك والحذر في تركيبة الداخل .
‎ان الجيوالمذهبية الداخلية متحركة وفق الحوادث المفصلية التى حدثت بين اللبنانيين انفسهم وبين الاخرين على ارضهم ، ما انتج قلقا عميقا مزمنا في إستقرار أحوالهم و اوجد تمردا مستديمًا في وجه كل شيء ، حتى اذا خلا الواحد منهم مع نفسه ، ما ترك عذرًا لعتاب الذات ، الحروب اوهنت الضوابط الناظمة لتعاقب الاشياء وتنظيمها وترتيبها ، وحال الفرد فيهم ليست بعيدة عن حال الجماعة . فاللبناني ،المتصف بنجاحه الفردي وفشله الجماعي ، استباح القيم والأخلاقيات ولجأ الى جلد الذات والاخر و توسل الانتقام حتى من بديهيات “نظام سيره ” في شوارعه المكتظة بكل موبقات الانتقام و التمرد والغليان ، عجيب امر هذا الانيق الفاتن في ملبسه ، الرديء في سيرورة حياته ، رائعة تلك العابرة فوق حقوق العابرين تتزين بمظهرها وتدلق زينتها من مزامير عبورها و تردي تلك اللواتي تصادفهن على طرقات الخروج والدخول من بيت بين منازل كثيرة في وطن يعجز بنوه عن احترام انظمة المرور وهم يبتسمون او يقرون بفضيلة تشاطرهم على مبدأ اللاتعاون في الاقسام المشتركة لاحيائهم المصابة معظمها بالتوحد البيئي في الدين والمذهب واحيانا بكثرة العدد بالمنشا المكاني . و ما اوجد هذان العاملان ، سكينة البتة ، ولا انتظاما في سلوكيات اللبنانيين من سدنة بيوت الطوائف المسكونين بهوس الهجرة من وطن الى وطن ….

Share.
Exit mobile version