خناجر مسمومة في جسد فلسطين العربية

قبل أن يدخل السوس الصفوي إلى فلسطين ويقسّم ما تبقى من الأرض المحتلة منذ حرب العام 1967 إلى فلسطينين اثنتين متنازعتين، كان الكفاح المسلح يتنافس للتحرير عبر ثلاث مسارات رئيسية: مسار وطني ممثلاً بـ “حركة التحرير الوطني الفلسطيني” (فتح) بقيادة ياسر عرفات، ومسار عروبي ممثلاً بـ “جبهة التحرير العربية” التابعة للبعث العراقي بقيادة زيد حيدر، ومسار وطني-أممي (ماركسي-لينيني) ممثلاً بـ “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” بقيادة جورج حبش، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة.
الجبهتان الشعبيتان كانتا محسوبتين على الإتحاد السوفياتي وأحزابه الشيوعية، جبهة التحرير العربية كانت بمثابة الفرع الفلسطيني لحزب البعث العراقي، وفتح كانت محسوبة على دول الخليج ومصر بشكل عام، وكان جزء منها التابع للقائد العسكري خليل الوزير (أبو جهاد) بمثابة الخط الملتزم دينياً الذي يؤدي واجباته الإيمانية من دون اجتهادات وبدع بما يميزه عن التنظيمات الإسلاموية.
أما البعث الأسدي، بقيادة مؤسسه حافظ الأسد فلم يتمثل بفصيل انتماؤه فلسطيني أو أممي بل بـ “طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة” وكان الخصم الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورفض الإعتراف بوجود فلسطين عندما قال لعرفات “لا يوجد شيء اسمه فلسطين، بل غربي سوريا، ورد عرفات على الأسد بقوله: “لا توجد سوريا بل شرقي فلسطين”.
وعلى الرغم من عدم اعترافه بوجود فلسطين، ضُمّت صاعقة حافظ الأسد إلى منظمة التحرير الفلسطينية ونُصّب قائدها زهير محسن لرئاسة الدائرة العسكرية للمنظمة، “حفاظاً على الشعب الفلسطيني في سوريا ولحفظ الترابط البري بين تجمّعنا في لبنان وبقية العالم”، وفق ما كان عرفات يوضحه في محاضراته لعناصر أجهزة الأمن الفلسطينية.
قتل زهير محسن في 25 تموز العام 1979 أثناء مغادرته لكازينو في مدينة كان الفرنسية حيث كان يمضي إجازة.
وكان محسن قد ذكر في مقابلة مع صحيفة تروى (Trouw)الهولندية في شهر آذار من العام 1977 أنّ “الشعب الفلسطيني لا جود له. لا يوجد فارق بين الأردنيين والفلسطينيين والسوريين واللبنانيين. جميعنا جزء من شعب واحد هو الأمة العربية”.
“The Palestinian people does not exist … there is no difference between Jordanians, Palestinians, Syrians, and Lebanese… We are all part of one people, the Arab nation.”
نظام الأسد تولى مهمة الإطاحة بالمفهوم الوطني للنضال الفلسطيني، وتلحف بما يسمى الأمة العربية لإخفاء دوره الحقيقي حليفاً حقيقياً لحلف الأقليات وضارب أول خنجر مسموم في الجسد الفلسطيني وجسد الأمة العربية بتحالفه مع إيران التي اشترت الأخوان المسلمين وحماسهم بعد تصفية حركة فتح في غزة.
محمود الزهار، وزير خارجية حكومة حماس الأولى، نقلت عنه فضائية العربية قوله لقناة العالم الإيرانية في مقابلة معها أنه بعد تعيينه وزيراً لخارجية حماس الحاكمة في غزة زار إيران والتقى الرئيس محمود أحمدي نجاد في طهران وقدم له لائحة بمطالب الحركة كي تتمكن من حكم غزة، فأحال طلبه إلى قاسم سليماني.
ونقل عن الزهار قوله: “ذكرنا في اللقاء أنّ المشكلة الأساسية عندنا هي في رواتب الموظفين والحالات الاجتماعية والمساعدات التي يجب أن تقدم للجمهور، والإستجابة كانت فورية”.
وأضاف: “كنت على موعد في اليوم التالي للسفر في الطائرة، فوجدت 22 مليون دولار في حقائب موجودة في المطار… كان الاتفاق على مبلغ أكثر من ذلك، ولكن كنا 9 أشخاص لا نستطيع أن نحمل أكثر من ذلك، حيث كانت كل شنطة 40 كلغ”.
إيران اشترت حماس وغزة بدفعة أولى من 22 مليون دولار، وإسرائيل، عدوة فلسطين، سمحت بدخول المبلغ لأنّ تقوية حماس تضعف السلطة الفلسطينية.
قبل مهزلة إسقاط فلسطين الوطنية وفلسطين العربية لصالح أممية إسلاموية مزعومة كان عرفات ينسق مع مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين مهام السلطة الوطنية في فلسطين.
إتفاقية أوسلو، الموقعة في 13 أيلول 1993 وبموجبها عاد عرفات إلى أرض فلسطين واستقر في رام الله، كانت تحظر الكفاح المسلح ووقف بناء المستوطنات، وهو ما التزمت به السلطة من دون إعلان.
لكن كان عرفات قد ضمّن الإتفاقية بنداً يفوّض السلطة الفلسطينية تطبيق وقف الكفاح المسلح على أن تتولى الجهة التي توقف متورطين في عمل عسكري، سواء أكانت إسرائيل أم السلطة الفلسطينية، إحتجازهم في سجونها.
وفقاً لهذا البند طلب عرفات يوماً من أحد مساعديه ترتيب لقاء مع مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين بعيداً عن عيون إسرائيل، فتم الإتفاق على أن يلتقيا أثناء تقديم واجب عزاء.
عرفات، الذي أراد أن يرد على إستمرار إسرائيل بإقامة مستوطنات بما يخالف إتفاقية أوسلو، قال للشيخ ياسين وفق ما نقله أحد كبار المسؤولين الأمنيين “بدي عملية يا شيخ”.
وتم الإتفاق على عملية تنفذها حماس في موعد محدد وموقع محدد على أن تلاقيها دورية شرطة السلطة وتسلّم نفسها لها بعد التنفيذ، وتعلن السلطة أنها إعتقلت “مخربين يعترضون على بناء مستوطنات، وأوقفتهم في أحد سجونها وستتولى محاكمتهم.”
كان عناصر المجموعة، ومجموعات مشابهة، يمضون نهارهم في ضيافة سجن السلطة ولياليهم في ضيافة زوجاتهم، والعازب منهم تزوج، على أن يلتزم الجميع بعدم الإنجاب كي لا تلاحظ سلطات الإحتلال التزايد في أحجام عائلات “المخربين”.
بقي عناصر مجموعات حماس التابعين للشيخ ياسين في سجن السلطة حتى بعد وفاة عرفات، فتولت السلطة إطلاقهم وإخراجهم من الأراضي الفلسطينية كي لا تقتلهم إسرائيل أو حماس-طهران.
طرفان طعنا في جسد النضال الفلسطيني بخناجر مسمومة، طرف زعم أنه قومي-عروبي فيما هو من مؤسسي حلف الأقليات مع إسرائيل، وطرف زعم أنه إسلامي الهوى فيما هو صفوي الولاء.
أما إسرائيل فهي البلاء الأكبر الذي يقتل ضحاياه علناً ويزعم أنه ضحية.

محمد سلام – هنا لبنان

Share.
Exit mobile version