بين حماس ونتنياهو… تاريخٌ طويلٌ من المواجهة
بين حماس ونتنياهو… تاريخٌ طويلٌ من المواجهة
من المفارقات في مسيرة وتطور العمل العسكري لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تزامنها مع صعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سدة رئاسة الوزراء.
وخلال تلك العلاقة الممتدة لأكثر من ربع قرن استمرت مسيرة الحركة ومسيرة نتنياهو بصعود الحركة وتطورها وصعود نتنياهو وبروز نجمه، وتحول إلى أطول رئيس وزراء حكم في إسرائيل إلا أن رحلته تلك لم تخلُ من انتكاسات وإخفاقات تسببت في بعض منها حماس.
صعد نتنياهو سلم السلطة عام 1996 وتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية كأصغر رئيس للوزراء في تاريخ إسرائيل.
تزامن صعوده مع عمليات الثأر لاستشهاد يحيى عياش التي بدأت في عهد سلفة شمعون بيريز وكانت سببا في خسارته في الانتخابات أمام نتنياهو.
فقد وقع في عهده 5 علميات لتفجير باصات في عدة مدن إسرائيلية بين 1997 و1998، أسفرت عن مقتل وجرح أكثر من 200 إسرائيلي.
وفي محاولة منه لتعزيز صورته لدى الشارع الإسرائيلي التي اهتزت بسبب عمليات التفجير؛ عمد نتنياهو في العام 1997 للموافقة على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.
رغب نتنياهو في البداية باغتيال الرئيس السابق للمكتب السياسي موسى أبو مرزوق، لكن مسؤولي الموساد حذروه من أن إيذاء مواطن أميركي رفضت السلطات تسليمه سيضر بالعلاقات مع الولايات المتحدة، فتقرر أن يكون مشعل الهدف.
ففشلت العملية وشكلت لجنة تحقيق إسرائيلية، كما تسببت بتوتر العلاقة مع الأردن التي وقعت العملية على أراضيها.
وأسفر فشل العملية عن إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين أبرز مؤسسي الحركة وإطلاق سراح 70 أسيرا فلسطينيا من المعتقلات الإسرائيلية.
تنحى نتنياهو عن زعامة حزب الليكود واعتزل العمل السياسي منتصف عام 1999 بعد حجب الثقة على حكومته من قبل الكنيست.
وعاد بعدها بسنتين للعمل السياسي واسلتم عدة مناصب قبل أن يفوز بانتخابات الكنيست ويعود لرئاسة الوزراء عام 2009.
بعد 14 عاما عادت المواجهة مجددا بين حماس ونتنياهو الذي قاده حظه السيئ ليكون رئيس الحكومة التي توافق على صفقة شاليط مع حماس.
فقد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006 ولم تستطع حرب 2008 على قطاع غزة من تحريره من الأسر، وعارض نتنياهو وقف إطلاق النار في حينه، معربا عن مخاوفه بشأن إعادة تسليح حماس قائلا: “هذا ليس استرخاء، إنه اتفاق إسرائيلي على إعادة تسليح حماس. ما الذي سنحصل عليه مقابل ذلك؟”
في عام 2011 أُرغم نتنياهو على اتخاذ “قرار صعب” حسب وصفه للموافقة على صفقة شاليط التي أطلقت عليها المقاومة اسم وفاء الأحرار.
وكسرت تلك الصفقة لاءات إسرائيل التي تصر على عدم الإفراج عن أسرى تصفهم بأن ” أيديهم ملطخة بالدماء”، وأسرى عرب وأسرى من داخل الخط الأخضر.
فقد تم الإفراج عن أسرى من ذوي الأحكام العالية وأسرى من الخط الأخضر وأسرى عرب.
ووصف نتنياهو قرار الإفراج عن أسرى فلسطينيين من أجل إعادة شاليط بأنه “من أصعب القرارات التي اتخذها”.
في العام التالي 2012 سعى نتنياهو لترميم صورته أمام جمهوره بأنه “أبو الأمن الإسرائيلي”؛ فقرر اغتيال القائد العسكري في كتائب القسام أحمد الجعبري الذي قاد مفاوضات شاليط.
لتبدأ جولة جديدة من الصراع بين حماس والجيش وهدفت إسرائيل من الحرب وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
لتتفاجأ إسرائيل بقصف مدينة تل أبيب والقدس وأن صواريخ المقاومة زاد مداها وفعاليتها وأسهمت في تقوية مكانة حماس والمقاومة الفلسطينية، فكان لتلك الحرب التي استمرت 8 أيام فقط أثر إيجابي في إبراز القوة العسكرية للمقاومة وقوة سلاح الأنفاق، وفرض نوع من معادلة الردع والرعب.
فكانت بمثابة الفشل الأمني والعسكري والمعنوي لنتنياهو حيث لم يحقق أيا من أهدافه فيها.
لم يرغب نتنياهو بإبقاء الوضع على ما أسفرت عنه المواجهة الأخيرة فقرر في السابع من تموز 2014 شن عدوان على غزة سماه “الجرف الصامد”، وردت عليه المقاومة بمعركة “العصف المأكول”.
وتمكنت خلالها المقاومة من قصف حيفا لأول مرة وتوقفت الرحلات الجوية في مطار بن غوريون. كما كشفت خلالها المقاومة عن طائرتها المسيّرة التي لم تتمكن منظومات دفاع جيش الاحتلال من اكتشافها إلا بعد أن اخترقت العمق الإسرائيلي بأكثر من 30 كيلومترا.
وتمكنت المقاومة من قتل 68 عسكريا بين ضابط وجندي وأسرت الجندي شاؤول آرون، الذي لا يزال يقبع في الأسر.
في عام 2015 نفذت كتائب القسام في الضفة الغربية عملية أسفرت عن مقتل مستوطنين في مستوطنة إيتمار لتندلع بعدها انتفاضة السكاكين في تشرين الأول، واستمرت حتى عام 2016، وتميزت بقيام فلسطينيين بعمليات طعن متكررة لعسكريين ومستوطنين إسرائيليين.
وفي حين كانت المقاومة الفلسطينية تعمل على تطوير نفسها والاستعداد للحرب القادمة كان نتنياهو يسعى لاكتشاف ما تملكه المقاومة في ظل مساره السياسي الذي كانت أعمال المقاومة تؤثر فيه.
أفاقت إسرائيل على انتكاسة كبرى عام 2018 عندما اكتشفت كتائب عز الدين القسام وحدة التجسس “سيريت متكال”؛ حيث منيت قيادة الاحتلال الأمنية والاستخباراتية بفشل ذريع في خان يونس، إذ قُتل وأصيب عدد كبير من أفرادها بمن فيهم قائدها والسيطرة على معداتها وملفاتها والتي باتت تعرف بكنز المعلومات لدى حماس.
فقد سعت قوة خاصة ومختارة من وحدة “سيرت متكال” التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية إلى زرع أجهزة تجسس متطورة على شبكة اتصالات القسام في 11 تشرين الثاني 2018.
قبل خروجه من رئاسة الحكومة بشهر؛ خاض نتنياهو حربا جديدة مع حماس عام 2021 حين قررت الحركة أول مرة توقيت بدء المعركة واستهداف عدة مدن إسرائيلية إثر اقتحام آلاف من قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى واعتدائهم على المصلين فيه، معلنة انطلاق معركة سيف القدس.
فقد أمهلت المقاومة الاحتلال لسحب جنوده من المسجد الأقصى وكف الاعتداء عن حي الشيخ جراح حتى مساء 10 أيار، قبل أن ترد بإطلاق نحو 150 صاروخا.
وكان أكبر ميزات تلك المعركة أنها المرة الأولى في تاريخ الصراع بين الطرفين تقرر المقاومة بدء المعركة واعتماد سياسة الهجوم بدل الدفاع، كما كان من ميزاتها اشتعال أكثر من جبهة أثناء المعركة، فقد اشتعلت الضفة والقدس وداخل الخط الأخضر، وهذا اعتبرته أوساط أمنية إسرائيلية الصفعة الأكبر والتي أسست لمرحلة جديدة بجغرافيا المواجهة، وانتهت بدخول عشرات آلاف الفلسطينيين للأقصى بالتكبيرات وابتعاد الجنود عن طريقهم. واعتبر العديد من الخبراء العسكريين أن ما جرى يعد “هزيمة إستراتيجية لإسرائيل”.
استيقظت إسرائيل والعالم في السابع من تشرين الأول 2023 على حدث لا تزال تفاعلاته لم تظهر بشكل كامل. فقد قررت المقاومة وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام البدء بمعركة طوفان الأقصى واقتحام مقرات جيش الاحتلال حول قطاع غزة ودخول المستوطنات هناك.
وأسرت المقاومة المئات وقتلت العشرات من الجنود الإسرائيليين كما أسرت عددا من المدنيين. ولا تزال المعركة مستمرة ولكنها وضعت نتنياهو في مأزق كبير؛ فقد أظهرت ضعف جيش الاحتلال وأدخلت المجتمع الإسرائيلي في حالة من التجاذب بين مكوناته المختلفة وتصاعد الاحتجاجات على نتنياهو وسياسته التي أوصلت إسرائيل إلى ما وصلت إليه من ضعف وخسارة.
وخسرت إسرائيل العديد من الجنود؛ حيث فاق عدد القتلى من الجنود 700 قتيل، كما خسرت العديد من المعدات والآليات واظهرت المقاومة أنها أقوى مما توقع إسرائيل ونتنياهو.
وتستمر المعركة ليدخل العام 2024 وإسرائيل بقيادة نتنياهو في شبه عزلة دولية وحصار بحري وهجمات جوية من لبنان واليمن والعراق وإيران وفقدت إسرائيل سلاحها الأهم وهو الردع.
وبات نتنياهو رئيس الوزراء الأطول حكما في تاريخ إسرائيل ينتظر صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحقه وحق وزير دفاعه يوآف غالانت.
وفي إسرائيل في حال انتهاء الحرب فإنه يواجه تهم الفساد التي ستفضي إلى سجنه وقد تنهي حياته السياسية.
فهل تكون طوفان الأقصى هي ساحة المواجه الأخيرة بين حركة حماس ونتنياهو، ويسدل الستار على واحدة من أطول قصص المواجهة بين المقاومة وإسرائيل؟