الرئاسة والقرار 1701 وغزة
أصبح جان إيف لودريان أحد متممات المشهد السياسي اللبناني الرتيب، بل جزءاً أساسياً منه، كما أضحت المبادرات وأوراق التسوية المبتكرة التي يحملها للإلتفاف على موقف حزب الله من إنتخابات الرئاسة أو من تطبيق القرار 1701 فصلاً فرنسياً لا يقل سماجة عن الإجابات التي يتلقاها من السياسيين في لبنان. اللبنانيون لا ينتظرون لودريان ولا ينشدون حضوره، وحدهم ساسة لبنان ومسؤولوه يحتاجونه، بل يعيشون على رزنامة زياراته لتكرار مواقفهم العقيمة وانتصاراتهم الشعبوية مع إنتهاء كل زيارة وحتى الإعلان عن أخرى. ربما يعتقد البعض أن إقفال الباب أمام لودريان هو دعوة صريحة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي طال انتظاره ولا بوادر لعودته.
هل يتناسى السياسيون في لبنان أن الوسيطين الأميركي والفرنسي هما وجهان لدبلوماسية دولية واحدة قد تختلف في المفردات ووسامة الوسيط ولكنها لا تختلف في المضمون، وإن محاولة الرؤساء المفاوضين في لبنان أو القوى المستأثرة بالقرار الرهان على المتغيرات وممارسة الهروب الى الأمام لتغيير هذه المعادلة هو استعراض قوة أمام اللبنانيين لا طائل منه؟
حضور لودريان الى بيروت هو حيثية ملزمة في أجندة دولية تنفذ في المنطقة تؤدي الى ثابتتين، الأولى، التأكيد على العجز اللبناني في التوصل الى أي إتّفاق سياسي يتعلق بالإستحقاق الدستوري الرئاسي أو بتطبيق القرار 1701 من خلال معادلة محلية وطنية. أما الثانية، فهي في تكرار دور الخارج في وضع الشروط لكل التسويات الدولية / الإقليمية التي عرفها لبنان منذ الإستقلال وحتى اليوم، والتي تزامنت فيها أزمات إقليمية مع الإنتخابات الرئاسية كما حصل في الأعوام 1952 و1958 و1982، أو تزامنت مع فراغ رئاسي في الأعوام 1988- 1989 و2007-2008 و2014-2016. الثابتة الأولى يعتد بها فريق لبناني بإعتبارها تعبيراً عن تفوْقه في ميزان القوى الداخلي، أما الثانية فهي تأكيد على غياب السيادة الوطنية واستدعاء الخارج لتثبيت معادلة القوة المشار إليها.
رتابة المشهد اللبناني لا يمكن فصلها عن رتابة المشهد الإقليمي الممتد من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان، دول ساقطة بين استقواء في الداخل واستباحة من الخارج، وعناوين مرفوعة لا تبتغي سوى التجييش على خلفية موروث ديني أو خدمة لإستئثار سياسي محلي أو إقليمي. إن ربط الإستحقاق الرئاسي وتطبيق القرار 1701 بغزة هو ربط غير مبرّر ، فهل كان القرار الدولي مطبقاً قبل إندلاع عملية طوفان الأقصى، سواء من قبل العدو الإسرائيلي أو من قبل حزب الله؟ أم أن الإستباحة التي يشهدها الجنوب اللبناني هي استثمار في العدوان على غزة حيث لا قدرة لإسرائيل ولا لحزب الله ومن خلفه طهران على تعديل الحدود الدولية!!! من جهة أخرى أليس الإستحقاق الرئاسي معطلاً منذ أكتوبر 2022 أي قبل إندلاع الحرب في غزة بعام تقريباً تحت عنوان البحث عن رئيس لا يطعن المقاومة؟
إستكمل المشهد اللبناني التحاقه بالمشهد الإقليمي المتعدد الأوجه من البحر الأحمر الى البحر المتوسط، الأعراض متطابقة في الإعتداء على الدستور والشرعية وإرادة المواطنين، وفي استباحة الأمن والإقتصاد والحدود، وفي التصويب على عدو واحد أصبح وجوده ضرورة لمصادرة الوطن والسلطة والمجتمع، ويستمد الموقف حراجته من استحالة الإقناع في الجمع بين قتال العدو والمحافظة عليه في آنٍ واحد.
إن قتامة المشهد الإقليمي المشار إليه وعبودية الإنسياق خلفه لا يقطعهما سوى المشهد البطولي المتجدّد في غزة، والذي أضحى عنواناً قيمياً على المستوى الأخلاقي والسياسي والقانوني في منتديات الغرب الثقافية والسياسية التي تخضع ديمقراطياتها لإختبار حرج. إنّ تداعيات ما يجري في غزة تستحق أن تؤسس لمعايير جديدة في تطبيق القانون الدولي وشرعية الحكم وبناء السلطة، وقد يكون في ربط الإنتخابات الرئاسية أو تطبيق القرار 1701 بغزة تحرير للاستحقاقين دون قصد من قوقعة المحاصصة السياسية وغياهب الفساد اللبناني المستشري، وإضفاء مسحة من قيْم افتقدها إلتزام الشرعية الدولية وافتقدتها الرئاسات من اليمن الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا منذ زمن بعيد.
العميد الركن خالد حماده – اللواء