توحيد الامتحانات “مجزرة” بحقّ طلاب الجنوب!
جريدة الأخبار
| زينب حمود |
بعد ضغوطات سياسية لعدم سلخ الجنوب عن الخريطة التربوية، تخلّت وزارة التربية عن «الإجراء الخاص» الذي يطاول طلاب الشهادة الثانوية الرسمية في الجنوب، وقرّرت إخضاع كلّ طلاب الفروع الأربعة لامتحانات موحّدة على مبدأ المواد الاختيارية، متجاهلة عدم تكافؤ الفرص، نفسياً واجتماعياً وتربوياً، بين الطلاب اللبنانيين وأقرانهم في نحو 24 ثانوية خاصة ورسمية في القرى الحدودية أقفلت أبوابها وانتقلت إلى التعليم عن بعد، من دون استقصاء مديري هذه المدارس وأساتذتها وطلابها عمّا إذا كانون يرغبون أساساً بهذه «المساواة»، إذ «كيف يمكن عدم تمييزنا عن غيرنا والتعامل معنا وكأننا حصّلنا الكفايات بالطريقة نفسها التي حصّلها من درس حضورياً»، تتساءل زينب قطيش، الطالبة في ثانوية عيترون الرسمية، مشيرة إلى «أننا هُجّرنا من بلدتنا حولا إلى بلدة خربة سلم، وانقطعنا عن التعليم عن بعد بسبب فقدان الإنترنت وانقطاع الكهرباء، لأيام أحياناً، وكنا نتسلّم الدروس عبر واتساب. لذلك، فيما نعاني اليوم لإنهاء المنهاج المطلوب، هناك من بدأ بالمراجعة».قرار إجراء امتحانات رسمية موحّدة جاء صادماً، ويصفه مدير ثانوية الخيام الرسمية محمد شكر بـ«المجزرة بحق حوالي 800 طالب يواجهون عدواناً من أمامهم وطعناً في ظهرهم، لأن من المستحيل أن يجتاز طالب تعلّم أونلاين الاختبار نفسه مع طالب تلقّى تعليماً حضورياً، إذ إن 10 ساعات تعليم حضوري تُقدّر بـ 25 ساعة أونلاين، في سويسرا وليس في لبنان حيث ينقطع الإنترنت». لذلك، تكتّل مديرو 12 ثانوية خاصة ورسمية حدودية مقفلة من أجل «تصحيح القرار، وحصلنا على وعود من النائب أشرف بيضون بأن يتخذ وزير التربية عباس الحلبي إجراءات أكثر إنصافاً لطلاب الجنوب، وتواصل المركز التربوي للبحوث والإنماء مع ثانويات الحافة لتحديد عجلة إنهاء المناهج».
«خوض طلاب الجنوب امتحانات رسمية بشكلها الحالي هو ضرب جنون»، بحسب أستاذ الكيمياء في ثانوية عيترون الرسمية صادق قطيش الذي يجزم بـ«أننا لن نلحق المنهاج»، وهو ما يتفق عليه أكثر من أستاذ يؤكدون أن المطلوب «العدالة لا المساواة، بين طلاب تعرّضوا لضغوط نفسية واجتماعية نتيجة القصف والتدمير وفقدان أقرباء، وآخرين لم يمروا بأيّ من هذا كله».
في المقابل، ينطلق أنصار الامتحان الرسمي الموحّد من «رفض منح طلاب الجنوب شهادة درجة ثانية منقوصة، أو إفادات تضيّق الفرص أمامهم في الحصول على منح دراسية واجتياز بعض الجامعات»، بحسب أمين سر رابطة التعليم الثانوي حيدر خليفة، لافتاً إلى أن مديري المدارس في الجنوب أكّدوا أنه «ليست هناك شريحة انقطعت نهائياً عن التعليم باستثناء عدد قليل جداً لم يلتحق إما بقرار شخصي أو قسراً، وفي الحالتين لا يمكن أن نفعل لهم شيئاً». فيما يعلّق مدير ثانوية كفرا الرسمية فؤاد إبراهيم على طرح تأجيل الامتحانات الرسمية بأنه «إذا طالت الحرب بانتظار الوقت المناسب لإجراء الامتحانات ستضيع السنة على الطلاب»، مشيراً إلى أنه «ليست هناك جهوزية تامة للاستحقاق لوجستياً ونفسياً وتربوياً في كلّ لبنان، وهل من يضمن سلامة الطلاب والأساتذة المنتقلين إلى مراكز الامتحانات في البقاع أو في الزهراني مثلاً؟».
توحيد الامتحان أُسيء فهمه، والمراد امتحانات واحدة لكلّ طلاب لبنان على قياس طلاب الجنوب، «تقف عند روزنامتهم وتتلاءم مع مستويات الطلاب التعليمية، خصوصاً في نحو 24 ثانوية خاصة ورسمية مقفلة من علما إلى كفرشوبا»، وفق بعض مديري المدارس. كيف يحصل ذلك؟ من خلال إجراءات متعددة يجري التفكير بها في وزارة التربية، في مقدّمها «تقليص إضافي للمناهج واعتماد مبدأ الأسئلة الاختيارية ضمن المواد الإلزامية، ما يفتح المجال أمام طلاب الجنوب لاختيار المحاور التي أخذوها وتجاوز أخرى لم يصلوا إليها». وبحسب خليفة، «يمكن لهذه الإجراءات أن تشمل كل طلاب لبنان أو تُخصّص لمن تعرّضوا لظروف استثنائية فقط، وهذا يحتاج إلى مناقشة سريعة».
يبقى ما سبق أفكاراً معلّقة في الهواء فيما الخطوة الأولى لإيجاد الحلّ هي الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية في صفوف طلاب الجنوب، والتفكير السريع في قرار استثنائي لظرف استثنائي، والابتعاد عن «عبثية التفكير في المرحلة الجامعية ما دام الطلاب لن يجتازوا الامتحان الرسمي أصلاً قبل اتخاذ إجراءات مناسبة وسريعة».