تاريخ النزوح السوري في لبنان
بين “أهلاً” و “كفى”
وفاء فواز
٢٠١١ تاريخٌ محزن بداية شرارة اندلاع الثورة السورية حيث خرج المواطنون السوريين إلى ساحة الحرية للتعبير عن آرائهم بصدق، وما ان تطورت الاحداث حتّى ضاقت بهم الأرض فاتخذوا من لبنان ملجأً يفرّون اليه وهنا بدأت موجات النزوح السوري تتوالى على لبنان، وقد اعتمد لبنان منذ اندلاع الأزمة السورية سياسة الحدود المفتوحة والسماح للنازحين بالاستقرار المؤقت بحرية في كافة أنحاء البلاد من المنطلق الإنساني الذي يتّسم به الشعب اللبناني، ولم يكن بالحسبان يوماً ان يتحوّل العبء الديموغرافي إلى عائق
سلبي كبير ومتنامٍ من جراء هذه الأزمة لاسيما في الفترة الممتدة بين 2012- 2014″ حين قدّر البنك الدولي خسائر لبنان من تدّفق النازحين بما يقارب 7.5 مليار دولار.
لبنان، بالإضافة إلى تاريخه المعقد والتوترات الداخلية، يعتبر دولة صغيرة بالمقارنة مع سوريا، ولكنها استضافت عددًا كبيرًا من النازحين السوريين. يبلغ عدد النازحين السوريين في لبنان المسجلين رسميًا حوالي مليون ونصف المليون شخص، ومن المحتمل أن يكون العدد الفعلي أكبر بكثير.
لكن السؤال البارز من له مصلحة في بقاء النازحين السوريين في لبنان؟
يمكن تحديد عدة أطراف أولها الحكومة اللبنانية التي تستفيد من وجود النازحين السوريين عبر استقبال المساعدات الدولية لدعمهم، كما أنهم يشكلون قاعدة ناخبة بالنسبة لبعض الأطراف السياسية. ومن الناحية الثانية تتحمل المنظمات الإنسانية والدولية المسؤولية بحيث تعمل على تقديم المساعدة الإنسانية والإغاثية للنازحين، وبالتالي تكون لها مصلحة في بقاءهم لتقديم الدعم والخدمات. ثالثاً القطاع التجاري الذي يستفيد من الاقتصاد السائل الذي يتم إحداثه من خلال استهلاك النازحين واحتياجاتهم اليومية. وأخيراً الأطراف السياسية التي تستخدم بعض النازحين السوريين كأداة لتحقيق أهدافها السياسية، سواء كان ذلك من خلال تأثير التوازنات الديموغرافية أو تعبئة أنصار جدد.
من جهة أخرى، يُعتَبَر هدف تحجيم المسيحيين في لبنان جزءًا من توترات سياسية ودينية داخلية في البلاد. تتنافس الأطراف المختلفة في لبنان على السلطة والتمثيل السياسي، وتستخدم التغييرات الديموغرافية كوسيلة لتحقيق أهدافها. يُشير بعض السياسيين والمحللين إلى أن بعض الأطراف تروج للنزوح السوري إلى لبنان كوسيلة لتغيير التوازنات الديموغرافية والسياسية في البلاد، مما يؤثر على الحضور والتمثيل المسيحيين في الحياة السياسية والاجتماعية.
تعتبر فكرة تحجيم المسيحيين في لبنان بهدف إبقاء السوريين في البلاد موضوعًا حساسًا ومثيرًا للجدل. فبالإضافة إلى أنها تتعارض مع قيم العدالة وحقوق الإنسان، فإنها قد تزيد من التوترات الدينية والاجتماعية في البلاد.
تاريخياً، يعتبر التوازن الديموغرافي بين المسلمين والمسيحيين في لبنان أمرًا هامًا لاستقرار البلاد. وبالتالي، فإن أي محاولة لتحجيم أو تغيير هذا التوازن قد تؤدي إلى اضطرابات وصراعات داخلية.
إضافة إلى ذلك، فإن تحجيم المسيحيين بهدف إبقاء السوريين في لبنان قد يؤدي إلى تفاقم الاحتقان السياسي والاجتماعي، وربما يؤثر على العلاقات الدولية للبنان وسمعته كدولة تقبل للاجئين وتحترم حقوق الإنسان.
بدلاً من ذلك، ينبغي على الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي السعي إلى إيجاد حلول شاملة لأزمة النازحين السوريين في لبنان، بما في ذلك تقديم الدعم الإنساني والاقتصادي للنازحين وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا لتمكينهم من العودة بأمان إلى بلادهم. كما ينبغي أن تعمل الحكومة اللبنانية على تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية لجميع المواطنين بغض النظر عن أصولهم الدينية أو القومية.
بشكل عام، فإن بقاء النازحين السوريين في لبنان يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة والمجتمع اللبناني، حيث يزيد الضغط على الموارد ويثير التوترات الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، فإن الحلول الشاملة والمستدامة لهذه المشكلة تتطلب التعاون الدولي والجهود المشتركة بين الحكومة اللبنانية والمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي.