سعي أميركي لوقف النار سريعاً.. وتناقض في المواقف الإسرائيلية
يأتي الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين او لا يأتي، الأمر متوقف على نتائج محادثاته في تل أبيب، التي يُفترض أن يكون قد وصل اليها أمس، في شأن وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي 1701 في الجنوب. فاذا جاءت هذه النتائج إيجابية سينتقل من هناك إلى لبنان، وإذا كانت سلبية فقد يقفل راجعاً إلى واشنطن. في الوقت الذي واصلت إسرائيل عدوانها البري والجوي على لبنان، مدخلة مزيداً من المدن والبلدات والقرى الجنوبية والبقاعية في بنوك أهدافها، وموقعة مزيداً من الشهداء ومخلّفة مزيداً من الدمار في الممتلكات، وموجّهة إنذارات إخلاء لمجموعة جديدة من البلدات الجنوبية، في الوقت الذي واصلت المقاومة التصدّي لمحاولات التوغل البري في المنطقة الحدودية، موقعةً قتلى وجرحى بالعشرات في صفوف القوات الإسرائيلية الغازية، بالتزامن مع استمرارها في قصفها المدفعي والصاروخي والمسيّر للتجعمات العسكرية في المنطقة الشمالية من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
سادت في الساعات القليلة الماضية مناخات جنحت نحو تفاؤل في إمكانية التوصل إلى هدنة تفسح في المجال أمام بدء التفاوض حول الصفقة المتعلقة بالجنوب وبوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان … ويعود السبب إلى بعض التصريحات المتأتية من الكيان الإسرائيلي من جهة، والتي تحدثت عن مدة أسبوع لإنهاء العملية البرية، واشتداد عمليات المقاومة النوعية التي زادت من وابل صواريخها ومن استطلاعات مسيّراتها وإدخالها 25 مستوطنة إلى مرمى نيرانها، ما زاد من تهجير المستوطنين على عكس هدف بنيامين نتنياهو تأمين عودتهم.
وأكّد مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»، انّ هناك ضبابية في موضوع وقف إطلاق النار مع أرجحية ان تكون إسرائيل تعتمد أسلوب المناورة تحت النار نفسه كما فعلت وتفعل في غزة. وقال المصدر، «إنّ الأيام العشرة المقبلة حاسمة لجهة معرفة اتجاه الأمور بعد تحديد هوية الرئيس الاميركي المقبل، لكن ليس بالضرورة ان تكون بداية نهاية العدوان وتشعباته الخطيرة على لبنان، وأنّ المطلوب هو المحافظة في الداخل على وحدة الموقف والالتفاف حول المقاومة وتأجيل المحاسبة، لعدم تحسين الشروط التي يمكن ان يفرضها العدو على لبنان والتي تهدّد كيانه وصيغته. فكل واقع ميداني له ثمنه وحساباته في التفاوض».
لا يبشّر بالخير
لكن مصادر رسمية قالت لـ«الجمهورية»، انّ خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو امس «لا يبشّر بالخير بل يؤشر إلى أنّ الحرب قد تطول».
وكان نتنياهو قد اعتبر انّ كيانه في ذروة «حرب وجود طويلة وصعبة وتجني منا أثماناً كبيرة». وأضاف في كلمة له لمناسبة الذكرى السنوية الأولى وفق التقويم العبري لهجوم 7 أكتوبر: «نحن في حرب وجود على 7 جبهات ضدّ «محور الشر» بقيادة إيران».
ومن جهته، وزير الدّفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، اكّد في المناسبة نفسها أنّه «لا يمكن تحقيق جميع أهداف الحرب من خلال العمليّات العسكريّة وحدها … للقيام بواجبنا الأخلاقي بإعادة أسرانا إلى منازلهم، سيتعيّن علينا تقديم تنازلات مؤلمة». وقال: «في الجنوب، توقّفت «حماس» عن العمل كمنظّمة عسكريّة، وفي الشّمال لا يزال «حزب الله» يتكبّد ضربات، وتمّ القضاء على قيادته، كما تمّ تدميرغالبيّة ترسانته الصّاروخيّة، وتراجعت قوّاته عن خطّ الحدود».
وأشارت المصادر الرسمية نفسها إلى «انّ نتنياهو لا يزال يتمسك بأحلام مستحيلة، لم يعد يملك القدرة على تحقيقها». ولفتت إلى إنّ بعض المؤشرات الإسرائيلية التي توحي احياناً بالإيجابية إنما تندرج ضمن سياسة الخديعة ثم الخديعة، «إذ هذا ما حصل مع مشروع وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً، وهذا ما تعكسه التسريبات في شأن انتهاء العملية البرية خلال أسبوع أو اسبوعين والتصريحات المتباينة حول مصير الحرب على لبنان، بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي وآخرين».
جهد استثنائي
على انّ مصادر مواكبة قالت لـ«الجمهورية»، انّ زيارة هوكشتاين الحالية للشرق الأوسط هي آخر مهمّة له كموفد رئاسي أميركي، ذلك أنّه سينتقل إلى موقع وظيفي آخر في نهاية الشهر الجاري. وهذا يعني أنّ مهمّته الحالية التي بدأها في إسرائيل هي الطلقة الأخيرة في مسعاه إلى إيجاد تسوية توقف الحرب مع لبنان.
وأضافت هذه المصادر لـ«الجمهورية»، أن الوسيط الأميركي يحمل تكليفاً من الإدارة الأميركية ببذل جهد استثنائي لإقناع إسرائيل بالموافقة على وقف النار وفقاً لمنطوق القرار 1701، ما دام الجانب اللبناني قد أعلن التزامه به، وما دام الجيش الإسرائيلي يعلن عن «إبعاد غالبية» مقاتلي «حزب الله» عن الحدود و«تدمير غالبية مستودعات أسلحته وأنفاقه» في هذه المنطقة. وإذ يبدي الجانب الأميركي تفهمّه لضرورة التزام «الحزب» بالقرار 1559، فإنّه يرغب في تسريع التوصل إلى تفاهم بين إسرائيل ولبنان على هذه المسألة، قبل موعد الانتخابات الأميركية، إذا أمكن.
وفي خلفية المسعى الذي تقوده واشنطن حالياً حول رغبتها في تثمير الردّ الإسرائيلي الضعيف والمحدود على إيران، لخلق أجواء توقف الحرب في لبنان وتؤدي إلى بعض الانفراج في غزة. وهذا الاستقرار في الشرق الأوسط يمكن أن يرتد إيجاباً لمصلحة المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس، في الانتخابات التي باتت على مسافة 8 أيام.
أجوبة موعودة
وإلى ذلك، أعادت مراجع سياسية التذكير عبر «الجمهورية» بما كانت انتهت اليه زيارة هوكشتاين الاخيرة لبيروت الاثنين الماضي، ولقاؤه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما وعده بنقل اجوبة اسرائيلية اليه على طروحاته في مهلة اسبوع تنتهي اليوم.
وعبّرت هذه المراجع عن اعتقادها بأنّ أي حديث عن عودة هوكشتاين إلى لبنان في الساعات المقبلة تعني انّ لديه ما يمكن مناقشته إيجاباً مع المسؤولين اللبنانيين، وفي حال العكس فلن تكون هناك حاجة لمجيئه، وقد يكتفي الرجل باتصال هاتفي مع بري وربما لن يكون بحاجة إلى اجرائه، لأنّ الأجواء في عين التينة لا توحي بما يمكن أن يوافق عليه الجانب الإسرائيلي وما يمكن ان يرفضه، مع الرهان على الضغوط الأميركية التي وعد بها هوكشتاين في انتظار التثبت إن فعلت فعلها او انّها لم تغيّر شيئاً من موقف نتنياهوالمتعنت والسلبي.
لقاء الدوحة
وفي هذه الاجواء، تترقّب الأوساط الديبلوماسية والعسكرية حصيلة اللقاء الذي يستضيفه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ويجمعه بكل من رئيس جهاز المخابرات المصرية الجديد حسن رشاد، ومدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز ورئيس جهاز «الموساد» الإسرائيلي ديفيد برنياع، الذي سيكون مناسبة لتقييم النتائج التي أفضت اليها محادثات وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن مع آل ثاني في الدوحة الجمعة الماضي، ومجموعة اللقاءات التي استضافتها القاهرة وموسكو وأنقرة مع ثلاثة وفود من حركة «حماس» التي توزعت بين يومي الاربعاء والخميس الماضيين، مضافة إلى الجهود الروسية والتركية والايرانية. ومن أبرزها اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في أنقرة بـ«ثلاثي حماس» الجديد بعد السنوار، خليل الحية وموسى أبو مرزوق وخالد مشعل، قبل أن ينتقل وفدان منهم برئاسة ابو مرزوق إلى موسكو وآخر برئاسة الحية إلى القاهرة لاستكمال البحث في المقترحات العملية المطروحة، عدا عن نتائج زيارة الموفد الروسي لتل ابيب، في مبادرة هي الأولى من نوعها، حيث نقل رسالة شخصية من الرئيس الروسي فلاديمر بوتين إلى القيادة الاسرائيلية يحضّها على وقف الحرب على غزة ولبنان في اسرع وقت ممكن.
وكانت معلومات ديبلوماسية تحدثت عن لقاء جمع آل ثاني مع كل من بيرنز وبرنياع قبل وصول مدير المخابرات المصرية الى الدوحة، ولم تتوافر اي معلومات عن حصيلة هذا اللقاء الرباعي الذي قد يكون حمل جديداً يمكن ان يعكس أجواء إيجابية.
المصدر: الجمهورية