ميشال عون يبتعد عن “الحزب”: ترميم العلاقة بالعرب والسنّة
صحيح أن ذكرى توقيع ورقة التفاهم بين الحزب والتيار الوطني الحرّ مرّت من دون أي ذكر سياسي أو إعلامي لها، من قبل الطرفين، وأنه لم يسجل أي لقاء أو تواصل بين الطرفين. لكن التفاهم أصبح آيلاً الى السقوط بفعل تداعيات الخلاف حول الانتخابات الرئاسية، وإصرار حزب الله على ترشيح سليمان فرنجية، في مقابل رفض عون وباسيل لهذا المعيار.
في إطلالة تلفزيونية مرر عون مواقف سياسية متعددة، بعضها حمل رسائل تقارب مع الدول العربية، خصوصاً لدى تشديده على دور جامعة الدول العربية إزاء ما يحصل في غزة، وأن الجامعة العربية هي المسؤولة عن ربط الجبهات.
كلام يناقض فيه عون كل مواقفه التي التزم بها منذ شباط 2006 أي لحظة التفاهم مع الحزب.
من سوريا إلى غزة
ولا شك أن التفاهم مع الحزب قد مرّ بمطبات كثيرة، كان أبرزها حرب تموز 2006، والتي وقف فيها عون إلى جانب حزب الله أكان ظالماً أو مظلوماً، وصولاً إلى أحداث 7 ايار 2008، التي وقف فيها عون وتياره إلى جانب حزب الله أيضاً، مروراً بالانقلاب على حكومة سعد الحريري في العام 2011، والتي كان عون رأس حربة فيه. أما المطب الأهم فقد كان مشاركة حزب الله في الحرب ضد الثورة السورية. في حينها اتخذ عون موقفاً متوائماً مع حزب الله على قاعدة “الذهاب للقتال في سوريا درءاً للمخاطر عن لبنان”، وفق نظرية الحزب في تلك الفترة عن “مواجهة التكفيريين لتجنب اجتياحهم للبنان”. اليوم يكرر الحزب النظرية نفسها تجاه اسرائيل، لكن لا يبدو أن عون يوافق عليها. إذ قال: “القول إن الاشتراك بالحرب استباق لاعتداء إسرائيلي على لبنان هو مجرد رأي والدخول في المواجهة قد لا يبعد الخطر بل يزيده”.
صحيح أن المعادلة حول سوريا مختلفة بالنسبة إلى عون، ففي حينها كان التحالف في أوجّه مع حزب الله، وكانت سائدة نظرية مواجهة التكفيريين أو الإرهابيين في تلك الفترة. فحصل التقاء موضوعي بين “أقليات” في مواجهة أكثرية ثارت على النظام السوري. كان للموقف أيضاً ارتباط بمسار سياسي ورئاسي يعمل عون على حياكته بالتحالف مع حزب الله وصولاً إلى لحظة التسوية الرئاسية في العام 2016، والتي جاءت بنتيجة الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، فيما ترجمت محلياً بمعادلة كسر “السنّة” وتطويعهم للسير في تلك التسوية. هذه المعادلة لاقت أيضاً نقداً وانتقاداً من عون، وإن كان متأخراً. إذ قال: “ترجمة تطورات غزة والجنوب بصفقة رئاسية أمر غير جائز سيادياً، وإلا تكون تضحيات الشهداء ذهبت سدى وتكون أكبر خسارة للبنان”. بهذا الكلام أقر عون بأن معادلة الجبهة في الجنوب ستكون مرتبطة بتطورات الاستحقاقات السياسية والرئاسية في لبنان. وبالتالي، ما يسري اليوم كان قد سرى بالأمس.
مراجعة سياسية
بالتأكيد أن مثل هذه المواقف ليست وليدة لحظتها، ولا بد من العودة إلى لحظة خروج عون من القصر الجمهوري لدى انتهاء ولايته. في حينها مرر أكثر من موقف بأن من تحالف معه لوصوله إلى الرئاسة لم يسانده في الملفات الأخرى، فوجد البلاد تنفجر بين يديه أو تسقط فوق كتفيه، وكان ذلك لوم دائم ومرير لحزب الله، الذي لم يغلّب كفة عون كما يريدها الرجل بل وازنها الحزب وفق مقتضياته، سواء كانت داخل الطائفة الشيعية أو خارجها.
يأتي الموقف في لحظة مراجعة سياسية جدية يجريها التيار الوطني الحرّ، مراجعة يخرج في التيار من يعبّر عن أخطاء اقترفت بحق السنّة داخل لبنان وخارجه، على قاعدة أنه لا يمكن الاستمرار بمواجهة الدول العربية ولا الانفصال عنها أو الانعزال عنها، وانطلاقاً من قناعة أن نظريات التحالفات الأقلوية أو المشرقية لم تكن مجدية ولا ناجعة.
ولدى سؤال عون عن استمرار الخلاف مع حزب الله وتدهور العلاقة معه، وانعكاس ذلك على الانتخابات النيابية المقبلة وعدم التحالف أجاب: “مش رح ننتحر”. وهي رسالة أخرى موجهة للحزب على طريق الافتراق، الذي يمكن أن يكون قصيراً ولا رجعة عنه، ويمكن أن يكون طويلاً بلا حسم وجهته، ربطاً بنتائج الانتخابات الرئاسية وما يليها. لكن الأكيد أن العلاقة غدت على حدّ السيف، فيما مراجعة التيار الوطني الحر مستمرة على طريق البحث عن تعزيز العلاقات مع الدول العربية والخليجية خصوصاً، وإعادة ربطها ونسجها وفق قاعدة تاريخية لدى الموارنة في لبنان، الذين لطالما كانت علاقاتهم بالخليج مميزة، وخصوصاً بالسعودية.
هي طريق جديدة يسلكها ميشال عون الذي جاب طرقات وعواصم كثيرة، وهو الذي افتتح عهده بزيارة أولى إلى السعودية. فهل يسلك طريق العودة إليها وإلى ما جرى فيها من مباحثات واتفاقات؟