لبنان

هذه قصّة خفراء الجمارك الـ9.. مشاريع إقصاء تُستكمل بعد الفراغ الرئاسي الفاضح

هذه قصّة خفراء الجمارك الـ9.. مشاريع إقصاء تُستكمل بعد الفراغ الرئاسي الفاضح

مرة جديدة، سُلطت الأضواء على الخفراء في الجمارك. قصة هؤلاء طويلة. أما الجديد، فهو أن مجلس الوزراء يتجه، في جلسته المقبلة، الى تعيين خفراء جمارك. وما إن وُزع الخبر حتى علت الأصوات الرافضة للتعيين، ولا سيما أصوات مسيحية، وفي مقدمها “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”.

“التيار” نبّه من خطورة تمرير تعيين نحو 200 خفير من طائفة واحدة، رابطاً بين “التعيين والفراغ الرئاسي والخوف من تفريغ الإدارات والمرافق من المسيحيين”، فيما ” القوات” تحدثت عن “تعيين خفراء في إدارة الجمارك من دون مراعاة التوازن الطائفي والعيش المشترك”.

فما قصة هذه التعيينات، وهؤلاء الخفراء؟ ولم الدعوات الى المناصفة وتعليق التعيينات؟

احترام شورى الدولة

في هذا الملف، روايتان. أولى تدافع عن التعيين، وتستند إلى قرار قضائي صادر في عام 2023 يعطي لهؤلاء الخفراء الحق في التعيين.

العنصر الأول في هذه الرواية، مجلس الوزراء أو الحكومة التي تتجه قريباً الى التعيين، فكيف تقرأ هذه المسألة؟

أوساط حكومية معنية رفضت التعليق، وتستغرب كل هذه الضجة. تقول لـ”النهار”: “لا نريد الدخول في أي سجال إعلامي حول هذه المسألة”.

بالنسبة إليها الأمر أكثر من واضح، وترفض تسجيل أي سجالات سياسية أو تجاذبات إعلامية.

أما العنصر الثاني في هذه الرواية فهو قرار شورى الدولة الذي أصدر قراره في 3 حزيران 2023، أعلن خلاله إبطال القرار الرقم 9 الصادر عن مجلس الوزراء في 14 تموز 2020، وأكد الموافقة على تعيين الخفراء الناجحين في المباراة التي جرت لتطويع خفراء لمصلحة الضابطة الجمركية بحسب ترتيب نجاحهم في المباراة، إضافة الى إبطال القرارين الصادرين في 24 آب 2020 عن المجلس الأعلى للجمارك، واللذين تضمّنا تعيين خفراء جمركيين في جهازي المكافحة في البر والمكافحة في البحر في ملاك الضابطة الجمركية، لوجوب التقيّد بتسلسل الناجحين في المباراة عند التعيين.

عامها، استند شورى الدولة في قراره إلى نتائج المباراة التي جرت عام 2018 وأعلنت نجاح هؤلاء الخفراء.

العنصر الثالث في الرواية التي تدافع عن التعيين، الوكيل القانوني لتسعة من هؤلاء الخفراء المحامي حلمي محمد الحجار.

“النهار” حصلت على نسخة من البيان الذي أصدره الحجار فور صدور التعليقات الرافضة، وفيه يشرح أنه “نجح الخفراء المستدعون السبعة الأول لمصلحة جهاز المكافحة في البر، والمستدعيان الثامن والتاسع لمصلحة جهاز المكافحة في البحر”.

ويلفت الى أن ” تأخير التعيين كان بسبب خلاف حصل داخل الإدارة حول تعيينهم، مناصفة بين الطوائف الإسلامية والمسيحية أو على أساس الكفاءة، طبقاً لتسلسل معدلات الفائزين في المباراة دون أخذ الطائفة في الاعتبار. فكان أن عمد المجلس الأعلى للجمارك الى إصدار قرارين لم ينصف هؤلاء الخفراء الناجحين، الذين سارعوا الى الطعن بالقرار أمام شورى الدولة، ولا سيما أن عدداً كبيراً من المعيّنين يومها كانت معدلات علاماتهم أقل من معدل معدلات المستدعين”.

هكذا، كان الطعن سبيلاً لهؤلاء الذي أقر بحقهم في التعيين، مستنداً إلى “اعتماد الكفاءة لا المناصفة”، ولا سيما أن موظفي الفئة الثالثة لا تنطبق عليهم معايير المناصفة كما موظفو الفئة الأولى.

وأكد الحجار أن “البيانات الرافضة للتعيين تغفل ذكر قرار شورى الدولة الذي يتمتع بالصيغة التنفيذية، بحيث إن الامتناع عن تنفيذه يشكل جرم الامتناع عن تنفيذ قرار قضائي”.

ويتابع الحجار، بصفته وكيلاً عن تسعة من المستفيدين من قرار شورى الدولة، مستنداً الى المباراة التي جرت عام 2018، “كيف عمد المجلس الأعلى للجمارك في عام 2020 الى تعيين عدد كبير من الخفراء الجمركيين، رغم تعيين عدد كبير من غير طائفتهم جاء ترتيبهم في نتائج المباريات بعد ترتيب الموكلين، تحت تبرير مراعاة التوازن الطائفي؟”، مشدّداً على أن “مقتضيات الوفاق الوطني هي التي أملت إلغاء طائفية الوظيفة واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة”.

موقف الرافضين

على المقلب الآخر، علت أصوات مسيحية ترفض التعيين الذي قد يقرّه مجلس الوزراء قريباً. مصلحة القطاع العام في حزب “القوات اللبنانية” رفضت “ضرب التوازن الوطني”، ودعت الى احترام المناصفة.

أما اللجنة المركزية – القطاع العام في “التيار الوطني” فلم تغفل قضية الفراغ الرئاسي، وقالت: “مرة جديدة يمعن الممسكون بالسلطة على استغلال الفراغ الرئاسي لضرب مرتكزات الميثاقية والعيش الواحد”، ضاربة عرض الحائط بقرار مجلس الوزراء السابق الذي صدر عام 2020.

وحدها مؤسسة “لابورا” ذهبت الى صلب الموضوع، ولم تتجاهل قرار شورى دولة الذي يستند إليه المدافعون عن التعيين، وقالت صراحة: ” ألم يعد لدى المسيحيين كفاءات وطاقات لكي يُستبدل أي موقع مسيحي في الإدارة العامة بشخص غير مسيحي؟ ثم هل الموافقة على طعن من 9 أو 10 أشخاص من المتقدمين الى الجمارك، يستوجب إدخال العشرات غيرهم معهم، وهم من طائفة واحدة؟!”.

من هنا، إن كان “الإنصاف” من حق موظفين تسعة، فكيف يمكن تبرير العدد 200 الذين قد يُعيّنون؟

أوسط حكومية لا تؤكد هذا العدد في اتصال بـ”النهار”، لكنها لا تنفيه أيضاً، فيما كان رئيس “لابورا” الأب طوني خضرا قد أكد لـ”النهار” أن “نسبة المسيحيين في إدارة الجمارك هي بحدود 18 في المئة فقط”.

والأهم من كل هذا الجدل، ثمة حل بديل أمام الحكومة. يشرح خضرا: “لم لا تذهب حكومة تصريف الأعمال الى تطويع 750 خفيراً متمرناً، ولا سيما أن إدارة الجمارك هي التي تطلب تطويع هذا العدد، فلمَ لا توافق الحكومة على هذا الأمر، بدل تعيين 200 عنصر آخرين؟”.

ويتابع: “بعد عام 2018، بقيت الجمارك الجهاز الوحيد الذي يحصد نسبة متدنية من مشاركة المسيحيين، إذ يومها بلغت النسبة في معظم المؤسسات نحو 30 في المئة، فيما كانت في الجمارك لا تصل الى حدود 22 في المئة”.

اليوم، تعود الأزمة الى الواجهة. والسؤال: لم الحديث عن 200 عنصر آخرين من المسلمين، ولا سيما أن مجلس الوزراء وافق على طلب تأجيل تسريح 500 عنصر لمدة 4 سنوات، ونسبتهم 80 من المئة من المسلمين أيضاً. هكذا، تكون الجمارك قد فرغت تدريجاً من المسيحيين.

من الآخر، إن القصة أبعد من قرار شورى دولة بحق 9 موظفين، وكأن تمرير مشاريع الإقصاء ضد المسيحيين يستكمل بعد الفراغ الرئاسي الفاضح… وعندها، لا يعود الأمر استهدافاً لطائفة بل للبنان بدوره وهويته!

المصدر – النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce