بيروت “تختنق”.. تكلفة المولّدات أكبر ممّا تحسبون!
هواء بيروت لا يبقيكم على قيد الحياة، بل العكس، هو قاتل صامت يتغلغل يومياً باجسادكم، يُنهكها ويفتك بها بلا رحمة! فهذا الهواء الخانق يقطع انفاسكم بجزئياته الملوّثة من انبعاثات عوادم موّلدات تعطيكم الضوء في مقابل كلفة باهظة للغاية.. حياتكم! تحت ذريعة تأمين الطاقة الكهربائية البديلة عن طاقة “كهرباء لبنان”، زرعت هذه الماكينات المسرطنة بطريقة عشوائية بين المجمّعات السكنية والمنازل حتى في الأبنية.. الآف منها دسّ في أحياء العاصمة ليبثّ يومياً لحوالى الـ15 ساعة سمّه في الهواء ويخنق “ببطء” بيروت وسكّانها.
لا مراعاة للبيئة والصحة
أكثر من 9 الاف مولّد كهربائي يعمل في بيروت الادارية بطرق عشوائية ومن دون مراعاة للسلامة البيئية، هذا ما يؤكده رئيس “حزب البيئة العالمي”، الخبير البيئي الدكتور ضومط كامل في حديثه لـ”لبنان 24″، مشيراً الى أننا نعيش كارثة بيئية كبيرة تدخل العديد من اللبنانيين الى المستشفيات وتصيبهم بالأمراض من دون أي معالجة.
لا يتنشّق اللبنانيون الهواء النظيف، كما يخيّل لهم، إنما هم يتنفّسون مواداً ملوّثة بالغة الضرر. ووفقاً لكامل، ينتج كلّ مولّد كهربائي كتلة هوائية شديدة التلوّث، تؤثّر بشكل مباشر على صحة الأفراد الذين يستنشقون هذا الهواء، فهي تدخل الرئتين وتعبر الى الغدد عبر الدم، متسببة بأمراض خطيرة.
ما سرّ الخطّ الأسود عند الفجر؟
الكتلة الصفراء أو السوداء التي تطغى منذ مدة على مشهد الساحل، فوق العاصمة بيروت تحديداً، ما هي الّا صورة لمدى التلوث الحاصل في المنطقة. ويقول الخبير البيئي: “تغلّف العاصمة كتلة هوائية خطيرة، وفي حال ثباتها أي عدم وجود أي تيار هوائي، يستنشق السكان كميات هائلة من الغازات المضرة. لكن عند مرور أي تيار هوائي، تتأرجح هذه الكتلة السوداء بين الشرق والغرب فتُمتص كميات ضخمة منها، ما يقلل من نسبة التلوّث في هواء بيروت.
وذاك الخط الاسود فوق البحر الذي نراه بوضوح صباحاً أو في أوقات معينة من النهار، هو أيضاً نتيجة للتلوّث الحاصل. ويفسّر كامل أن الغازات السامة عندما تصبح ثقيلة لا يعد بإمكانها الارتفاع اكثر في الجو، فنرى حينئذ هذا الخط الأسود.
في خضمّ حديثه لـ”لبنان 24″، يشير كامل الى أن “هذه الكتل الداكنة هي دليل على التلوّث البيئي الصادر عن المولدات الكهربائية التي لا تستوفي الشروط البيئية. أمّا الأخطر من هذا المشهد فهو مكوّناته الضارة، إذ يلفت كامل الى أننا “لا ندري كمية الديوكسين والكاربون الأسود والغازات الخطيرة الأخرى المنبعثة في الهواء من عوادم المولدات”.
ويوضح أنّ الهواء النظيف يتألّف من 21% الأوكسيجين و78% الآزوت و1% الغازات النادرة أي الأرغون، ثنائي أكسيد الكربون، بخار الماء، الهيدروجين، الهيليوم، النيون والزينون. لكننا نضيف عناصر غازية خطيرة جداً الى الجو وهذا ما يؤدي الى تدمير الحياة.
كذلك، يشير كامل الى ظاهرة تتزامن مع غيمة العاصمة، وهي الاسوداد المحيط باماكن وضع المولدات الكهربائية، لافتاً الى اننا “بدأنا نرى أن جدران الابنية بالقرب من المولدات قد اسودت، كما ان الاشجار تبدل لونها وبات شاحباً حتى أنها تعاني من اليباس لانها لم تعد تستطيع “تنشق” المواد الخطيرة”.
الضرّر وقع.. كيف يمكن المعالجة؟
نسبة التلوث في لبنان كانت صفر بالمئة في ستينيات القرن الماضي، لكنّ المشهد تبدّل وانقلب رأساً على عقب لتصبح العاصمة مثقلة بالأمراض الرئوية والصدرية والسرطانية، نظراً لارتفاع نسب التلوّث في أجوائها.
ووفقاً للخبير كامل، البلد بحاجة الى استراتيجية جديدة للعبور من الكارثة البيئية والصحية التي يمرّ بها. ويقول: “بالوضع الحالي من المستحيل ان يحصل تصحيح”، ويكمل: “نحن متجهون للأسوأ فهناك تغيّر مناخي عالمي وحتى الآن لم نحصل على كمية المتساقطات والثلوج المطلوبة فالأمطار التي هطلت في الأيام الماضية وبالغزارة التي شهدناها لا تنظف الجو الّا في آنيتها”.
أمّا الحلّ لما تخلّفه المولدات الكهربائية الخاصة من انبعاثات سامّة فهو وحيد، بالنسبة لكامل الذي يؤكّد أن تأمين الطاقة الكهربائية من شركة “كهرباء لبنان” بانتاج طاقة نظيفة يبقى الحلّ الأوحد لهذه الأزمة، لافتاً الى أن “هناك أكثر من 200 الف سيارة تسير في شوارع الى العاصمة وبمعظمها مركبات غير مستوفية الشروط البيئية وتنشر كميات كبيرة من الملوّثات من عوادمها، كما هناك اكثر من 5000 مصنع ومؤسسة تستخدم الوقود الأحفوري وهي بدورها تلوّث الجو”. ويتابع: “الخوف الاكبر في البلدان التي تعاني من تلوث كبير مثل لبنان هو من جزيئيات البلاستيك التي تتطاير في الأجواء ويستنشقها الانسان متحدثة أمراض عديدة”.
وعن المبادرات الخضراء التي نشهدها من فترة لأخرى، يعتبر كامل أن الحلّ الشامل بوضع استراتيجية وطنية بيئية هو الأنسب وما تبقى من مبادرات لن يحلّ كارثة بحجم التي نتحدّث عنها”.
تعميم “البيئة”.. خطوة على طريق الاصلاح
للحدّ من الانبعاثات السامة الناتجة عن المولّدات، حددّت وزارة البيئة مواصفات ملزمة حول كيفية تشغيل هذه المولدات واستثمارها، مجبرة لاوّل مرة أصحاب المولّدات على استخدام “فلتر” سُخام لجُسيمات الديزل للمولّدات ذات الطّاقة الحراريّة الّتي تفوق 200 كيلوواط.
أيضاً، ألزمت “البيئة” أصحاب المولدات معالجة دخّان العوادم بشكل فوري، عبر تزويد عادم المولّد الكهربائي بنظام فعّال وأكثر كفاءة يمكنه إزالة حتّى الجُزئيّات الدّقيقة، إضافةً إلى تحديد شروط الحدّ الأدنى لارتفاع العادم، مع فرض الصّيانة الدّوريّة.