قرار بإزاحة أمل شعبان
قرار بإزاحة أمل شعبان
قضي الأمر واتخذ وزير التربية عباس الحلبي قرار استبدال رئيسة دائرة الامتحانات وأمينة سر لجنة المعادلات للتعليم ما قبل الجامعي، أمل شعبان، بشخصين آخرين يحلان مكانها. صحيح أن القرار لم يصدر رسمياً بعد، لكن كل المحاولات في اليومين السابقين لعدم اتخاذ القرار باءت بالفشل.
لم يشك ببراءتها
وفق معلومات “المدن”، يوم الخميس الماضي، عندما أخلي سبيل شعبان، ذهبت إلى الوزارة، ونظم لها “زفة” وأهازيج في قاعة الاستقبال في الوزارة. وبحضور غالبية المسؤولين في الوزارة والمركز التربوي للبحوث والإنماء وموظفين، أشاد الحلبي بمناقبية شعبان وقال لها: “لم أشك ليوم واحد ببراءتك”، ودعاها لمواصلة عملها. لكن صباح الجمعة، عندما أتت إلى الوزارة سمعت أن الوزير عازم على استبدالها. وقد عقدت جلسة للجنة المعادلات لمدة قصيرة، وحددت جلسة ثانية يوم الأربعاء المقبل، كما أبلغت أعضاء اللجنة. وفيما كانت توقعت أنه تم تمزيق القرارين السابقين باستبدالها بشخصين، وأن الأمور تسير جيداً، تبين أن الحلبي يريد فعلاً إصدار القرارين مساء الجمعة، وإبلاغ وسائل الإعلام.
وقد وصل لشعبان يوم الجمعة عرضان من مدير عام التربية، طلب الوزير منه ابلاغها بهما، وقائمان على استبدالها. الخيار الأول تقديم إجازة طويلة لأسبوعين تبرر تكليف غيرها في دائرة الامتحانات والشخص الآخر بالإنابة في أمانة السر، وتعود بعد الإجازة إلى عملها. والعرض الثاني استبدالها فوراً من دون أي مبررات. وقد حصلت ضغوط من زملائها في الوزارة لقبول العرض الأول كي لا تدخل بمعركة مع الوزير. فهي بالتكليف وليس بالأصالة ويستطيع الحلبي استبدالها ساعة يشاء. علماً أن مبررات وحيثيات قرار استبدالها من خلال تقديم الإجازة كانت تنص على أن التحقيقات لم تنه بعد ولم يصدر القرار الظني بحقها بعد. وأعيد شطب هذه العبارة كي تقبل بتقديم الإجازة. لكنها رفضت وأبلغت المتصلين أنها ستذهب إلى عملها يوم الإثنين.
وقد عاشت وزارة التربية يوم الجمعة على شائعات كثيرة ومتناقضة. واستمرت المفاوضات حتى ساعات متأخرة من الليل. وقيل إن البعض انزعج من طريقة دخول شعبان إلى الوزارة بـ”الزفة” التي رافقتها، بعيد إخلاء سبيلها! واشتكى البعض أمام الوزير من هذه الطريقة المستفزة.
الوقوع في المصيدة
منذ يوم الجمعة تتفاعل هذه القضية ووصلت إلى خواتيمها مساء يوم الأحد. إذ أصرت شعبان على عدم قبول تقديم طلب إجازة لمدة أسبوعين كما طلب منها لتعيين الموظفين مكانها مؤقتاً. وربما شعرت أنها ستقع في مصيدة، لا سيما أن كل الملابسات تدل على أن قرار استبدالها متخذ بمعزل عن كل مجريات الملف القضائي.
وبعد تردد الوزير منذ يوم السبت كان الخيار النهائي أن الاستبدال قائم ولا تراجع عنه. فالموظفان اللذان قرر الحلبي وضعهما مكان شعبان هما مازن الطويل (تيار مستقبل) لدائرة الامتحانات وناهدة بو كروم (رئيسة دائرة القضايا) لأمانة السر. لكن عندما تبلغ الطويل أن شعبان لا تريد هذه الإجازة، بلغ المعنيين أنه يرفض تسلم المنصب. ثم جرى تفاوض مع مدير التعليم الثانوي ليحل مكانها ورفض الأمر أيضاً. وهذه المحاولات كان هدفها إقناع تيار المستقبل. لكن الرفض كان سيد الموقف.
المستقبل يصعّد
وصحيح أن العرض الذي وصل لشعبان يدغدغ مشاعر تيار المستقبل لأنه يتضمن تعيين مازن الطويل، في دائرة الامتحانات، فيبقى المنصب لـ”المستقبل”. لكن الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري رفض هذه المقايضة منذ يوم الجمعة. فهي من شأنها تثبيت إدانة شعبان في الملف.
استمرت مساعي ثني الحلبي عن اتخاذ القرار إلى يوم الأحد. وقد استقبل بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، شعبان. وشدد العبسي بعد اللقاء على “ضرورة عودة شعبان إلى ممارسة وظيفتها كالمعتاد، خصوصاً أن التحقيق أظهر براءتها ولم يصدر بحقها أي إدانة أو توصية”. ثم غرّد الحريري مساءً على منصة “أكس”: “كنا نظنّ أنّ معالي وزير التربية سيعمل على استعادة حق أمل شعبان ممن تآمروا عليها، ولم نتوقع للحظة أنّ من أشاد بها وبنظافة كفّها، قد يتحوّل إلى “قاضي” و”راضي” بالمزيد من التآمر عليها، خدمةً لمن يريد النيل منها”. ما يمهد إلى دخول “المستقبل” في كباش مع الوزير في حال وقع القرار الاثنين.
إشكالية طائفية وطعن
القرار لم يسجل ولم يوقع بعد، نظراً للعطلة الرسمية. لكن وصل إلى شعبان، بطريقة غير رسمية، ببدء إجازتها وعدم الحضور إلى الوزارة. ما يعني أن قرار العزل متخذ ولم يبق إلا البحث عن الشخص الذي سيحل مكانها في دائرة الامتحانات، بعد رفض الطويل والفايد. فالمنصب بالعرف اللبناني للسنّة، لكن في السنوات الأخيرة تولّاه مسيحيون.
وللتذكير، منصب شعبان في دائرة الامتحانات بالتكليف. أي أنها غير معينة وفق الأصول، كسائر موظفي الدولة، ويستطيع الوزير تكليف غيرها بقرار. لكن في لجنة المعادلات هي معينة وفق الأصول. فليس من متطلبات المنصب أن يكون الموظف إدارياً، بل مجرد أستاذ تعليم ثانوي، أي فئة ثالثة. ما يعني أن تعيينها كان وفق الأصول، وتستطيع شعبان الطعن بقرار الوزير في شورى الدولة.
حالياً، السيناريو المتوقع هو فرض الوزير الحلبي على شعبان إجازة قسرية لوضع شخص بالإنابة مكانها. لكن فرض الاجازة القسرية يجب أن يعلل لضرورة المصلحة العامة ومصلحة الإدارة. ويستطيع الموظف تقديم شكوى لشورى الدولة أيضاً رفضاً لها. أما تكليف ناهدة بو كروم مكانها فهذا يؤدي إلى إشكالية درزية-مسيحية. فأمانة السر عرفاً للمسيحيين، فيما بو كروم من الطائفة الدرزية. ما يمهد إلى حصول إشكالية طائفية. وحينها يعود الحلبي ويعين شخصاً آخر مسيحياً في هذا المنصب، وتصبح شعبان خارج المعادلة نهائياً. وتكون الإجازة الطوعية بمثابة تقديم نفسها قرباناً للطامعين بتولي المنصب، وتثبت للمشككين ببراءتها بأنها مدانة. وتكون قضيتها مخالفة للقواعد القانونية المعتمدة. فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته (قرينة البراءة تعلو على الاتهام)، بينما في حالة شعبان تصبح القاعدة أن البريء متهم حتى تثبت براءته.