البطاقات المصرفية “الفريش” الى الواجهة مجدداً واللبنانيون يعودون اليها تدريجاً

لحظ المتابعون لحركة الاقتصاد والأسواق في الآونة الأخيرة، عودة الكثير من اللبنانيين بقوة إلى استخدام البطاقات المصرفية عند تسديد مدفوعاتهم والمترتبات النقدية عليهم في مختلف نقاط البيع والأنشطة التجارية.

توازياً، تُلاحظ اندفاعة مصرفية في إصدار البطاقات والتسويق لها عبر مختلف وسائل الإعلام، وتطبيقات التواصل الاجتماعي. هذه الاندفاعة مردّها إلى أمرين أساسيين:

الأول، حاجة المصارف إلى استعادة جزء من دورها الطبيعي ووظيفتها المصرفية، اللذين فقدتهما بشكل شبه كلي منذ بدء الانهيار وسقوط الليرة وفقدان السيولة، بالإضافة إلى حاجة المؤسسات المصرفية الملحة لإعادة تفعيل وتنشيط منتجات ذات قدرة على تحقيق أرباح وعائدات يعوزها القطاع لإعانته في عملية النهوض من كبوته.

الأمر الثاني، حاجة عملاء المصارف وأصحاب الحسابات “الفريش” خصوصاً رجال الأعمال والتجار والمسافرين إلى بطاقات دفع موثوقة، للتخفف من مسؤولية حمل ونقل كميات كبيرة من السيولة في المحافظ والجيوب، وتالياً تفادي الارتباكات القانونية والامنية أحياناً في المطارات ونقاط العبور.

لا يغيب دور مصرف لبنان عن هذا النشاط والاندفاعة المستجدة للمصارف والمؤسسات المالية في إعادة إطلاق خدمة الدفع الإلكتروني، فهو موجود من خلال التعميم الذي أصدره منتصف عام 2022، الذي سعى من خلاله الى تشجيع استعمال بطاقات الدفع بالدولار الفريش (Fresh) الصادرة محلياً، بحيث ستصبح بطاقات الفريش دولار كافة مقبولة لدى كل التجار في لبنان (نقاط البيع -Point of Sale)، من دون أي تعديل في العمولات عند استعمال هذه البطاقات لدى التجار. كذلك سعى من خلاله إلى تفعيل واحدة من أهم آليات تقليص حجم السيولة بالليرة في السوق، وباب من أبواب تحجيم التضخم ومحاصرته، للسيطرة على سعر الصرف وفرض تثبيته عند الحدود التي تخدم أهداف “المركزي”.

سماح مصرف لبنان من خلال التعميم المذكور، بـ”أن تتم التسوية للمدفوعات الخاصة ببطاقات الدولار “الفريش” من خلال حسابات المصارف خارجاً عبر شركتي “فيزا” و”ماستركارد”، يمنح المصارف والشركات المالية فرصة تحقيق أرباح بـ”الفريش” دولار، بما يعزز إيراداتها وأرباحها ويسهم في دعم وتسهيل عودتها إلى السوقين المحلية والعالمية.
يبقى أن العودة الميمونة لبطاقات الدفع إلى السوق تبقى للأسف منقوصة، إذ إن البطاقات المصدرة حديثاً، جميعها بـ”الفريش” دولار، وهي حصراً بطاقات ائتمان وليست بطاقات اعتماد، نظراً الى توقف المصارف عن التسليف منذ سنوات في انتظار جلاء الأزمة، وصدور التشريعات ذات الصلة التي تسمح للمصارف والشركات المالية باستيفاء تسليفاتها بالعملة التي استلفت بها.

مصادر عاملة في القطاع تؤكد أن حجم التعامل بالبطاقات المصرفية في لبنان وصل في عام 2019 الى أكثر من 4 مليارات دولار (المشتريات أون لاين وفي نقاط البيع -Point of Sale)، من دون احتساب السحب النقدي من الـATM). 70% من هذا المبلغ تقتصر على المشتريات المحلية، فيما 30% منها خارج لبنان. أما حالياً فيقدّر حجم التعامل بنحو مليار دولار بمعدل وسطي يقدر بـ700مليون دولار، أكثر من 80% خارج لبنان أي نحو 500 مليون دولار و200 مليون داخل لبنان. ولكن المصادر عينها تلفت الى أن العودة الى استخدام البطاقات المصرفية تنشط تدريجاً ولكن طبعاً لن تصل الى المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة في عام 2019.

وبحسب “الدولية للمعلومات” فقد تراجع عدد البطاقات المصرفية في لبنان منذ بداية الأزمة المالية عام 2019 حتى اليوم، بنحو 28.6%، وذلك مع تحوّل الاقتصاد اللبناني تدريجاً إلى اقتصاد نقدي.

ووصل عدد البطاقات المصرفية في عام 2010، إلى 1591598 بطاقة بمختلف أنواعها. وخلال السنوات اللاحقة استمر الارتفاع ووصل إلى 2763712 بطاقة في عام 2016، وصولاً إلى القمة في عام 2019 حيث وصل إلى 3036756 بطاقة، أي إنه ارتفع خلال عشر سنوات بنسبة 91%.

وبدأ العدد بعدها بالتراجع السريع، إلى أن وصل في نهاية عام 2022 إلى 2379207 بطاقات، ثم إلى 2168582 بطاقة في نهاية شهر نيسان 2023، أي بتراجع عن عام 2019 بمقدار 868174 بطاقة بنسبة 28.6%.

ونتيجة التراجع في عدد البطاقات، واتخاذ المصارف إجراءات للحد من النفقات التشغيلية ولأسباب أمنية، بعد تعرض العديد من أجهزة الصرافات الآلية للتحطيم، تقلص عدد الصرافات الآلية من 2003 أجهزة في عام 2019 إلى 1411 جهازاً في نيسان 2023، أي بتراجع 592 جهازاً بنسة 29.6%.

كذلك أدّى عدم قبول بعض أصحاب المحال والسوبرماركت أسلوب الدفع بالبطاقات المصرفيّة إلى تراجع في عدد نقاط البيع من 37931 نقطة في عام 2019 إلى 25246 نقطة في شهر نيسان 2023، أي بتراجع مقداره 12685 نقطة بنسبة 33.5%.

شهد لبنان زيادة كبيرة في استخدام البطاقات المحلية الصادرة بالدولار الأميركي خلال سنة 2023، ويمكن أن تعزى هذه الزيادة إلى عوامل عدة، منها بدء المصارف بإصدار بطاقات بالفريش الدولار، بالاضافة الى حاجة المستهلك اللبناني للدفع عبر البطاقة كبديل موثوق ومريح في المعاملات غير النقدية خصوصاً خلال السفر والتسوّق الإلكتروني.

فلقد بدأت معظم المصارف اللبنانية التعامل بالبطاقة المصرفية الفريش منذ أواخر سنة 2022 تماشياً مع التعميم الذي أصدره مصرف لبنان في تموز 2022. وبناءً على ذلك، أصبحت كل بطاقات “الفريش” دولار مقبولة لدى كل التجار في لبنان، علماً بأن مصرف لبنان سمح من خلال هذا التعميم بأن تتم التسوية للمدفوعات الخاصة ببطاقات الدولار “الفريش” من خلال حسابات المصارف خارجاً عبر شركتي “فيزا” و”ماستركارد”. وتالياً يتقاضى التجار كلّ ما قبضوه عبر بطاقات الدفع بالدولار “الفريش” الصادرة محلياً بشكل كامل وكـ”فريش” دولار، بما يسهم في تحريك العجلة الاقتصادية.

يؤكد رئيس مجلس إدارة شركة “أريبا” areeba ماهر ميقاتي لـ”النهار” أن مفهوم “الدفع الإلكتروني” أصبح من ضروريات الحياة اليومية للناس والمؤسسات في مختلف القطاعات. فالدفع الإلكتروني بتقنياته وأدواته المتنوّعة بات جزءاً أساسياً للقيام بعمليات الشراء والدفع، وليس ترفاً تقنياً أو نوعاً من الكماليات. من هذا المنطلق، يدرك المواطن، وصاحب أي مؤسسة تجارية، فوائد استخدام البطاقات، فهي تتميز بالسرعة والسهولة من حيث عمليات الدفع، كما أنها تقلل من مشاكل التداول بـ”الكاش” مثل السرقة أو التزوير. ولكن ممّا لا شك فيه أن الأزمة الاقتصادية في لبنان والوضع الراهن في المنطقة لا يزالان يشكلان عائقاً كبيراً أمام الوصول الى حجم التعاملات نفسه الذي كانت عليه قبل الأزمة في 2019″.

ويؤكد ميقاتي أن حجم الإنفاق على البطاقات ازداد بعد 2019، ولكن الأرقام لا تزال بعيدة جداً عن المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة، عازياً السبب الى “الوضع المالي والأزمات الامنية التي تؤثر مباشراً على القوة الشرائية للأفراد”.
ووفق الأرقام التي أوردتها “أريبا” فإن حجم الإنفاق على البطاقات المحلية بالدولار خلال سنة 2023 كان منخفضاً للغاية مقارنة بأرقام سنة 2019 ولم تتعدّ نسبة 10% من حجم الإنفاق في سنة 2019. ولكن مقارنة بعام 2022، فقد تجاوز حجم الإنفاق على البطاقات المحلية بالدولار خلال سنة 2023 التوقعات حيث ازداد حجم الإنفاق بنسبة كبيرة جداً تتجاوز 200%.

ماذا عن العمليات بالليرة اللبنانية؟ يؤكد ميقاتي أن تقلبات العملة وتضخم الأسعار أثّرا سلباً على عدد العمليات الذي انخفض على نحو كبير مقارنة مع العام الماضي، بيد أن حجم الإنفاق بالليرة اللبنانية شهد ارتفاعاً ملحوظاً، وذلك بسبب تضخم الأسعار.

وإذ كشف أن موسم الصيف كان جيداً حيال زيادة نمط استخدام البطاقات، مع استمرار نمط الإنفاق عينه خلال موسم الأعياد ونهاية السنة، قال “على رغم من كل الصعوبات والأزمات التي مرت بالبلد خلال هذه الفترة، تجاوز حجم الإنفاق على البطاقات المحلية والأجنبية بالدولار الأميركي خلال شهر كانون الأول 2023 كل الأرقام المتوقعة”.

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version