متفرقات

“يا مروح بلادك”

“يا مروح بلادك”
هند خليفات
****************
في العيش بين مدينتين، بين منزلين، بين وسادتين، بين ساعة أو حتى إثنين، وبين جو وحتى موسمين، في فن التنقل بين مكانين وأن تقسم حجرات قلبك على قسمين.. هي حياتي منذ 14 شهرا وأسبوعين
هنا بيتي الصغير في منيرة أبوظبي.. وهناك أيضا بيتي في دير غبار في عمان، هنا ذكريات العطر الذي يؤرخ كل ركن في منزلي، وهناك عتب من بيتي البارد حالياً في #عمان، وما بينهما أقف حائرةً على عتبات عامٍ جديد يقلب صفحات الزمن وما يحمله من مفاجآت
حين أصل بيتي في عمان، وان لم اسمع كلماته.. لكنني أشعر بعتبه تجاهي.. كيف لا وأنا التي أوسعته اهتماماً وتفصيلاً وفناً وساعات في اختيار الأقمشة.. وأثخنته تنظيماً وترتيباً.. وبعدها استقلّيت طائرتي وحزمت حقائبي وكأن قلباً لم يكن، وكأن سرداً لم يحدث، وكأن موسيقى لم تصدح بين جدرانه، وكأن ليلاً لم يضاء به شموع، وعبرت به لحظات من بكاء ودموع، يعاتبني بيت عمان ويشعرني كل مرة أني تركته وحيدا يقاسي الصمت المستمر والليل الطويل وذلك الشتاء الأردني الصريح.. وذهبت نحو دفء المنيرة..
في شقتي الصغيرة في أبوظبي، التي أستطيع قطعها كاملة في أقل من 100 متر كّيفت كل ركن فيها أن يراعي روحي، هنا مسندي وهنا مهجعي وهنا متحفي وهناك ركن قهوتي وطبعا هناك حقائب تودع وحقائب تستقبل.. واتخذتُ مكانا قصيا يطل على البحر ملعبا رياضيا ..
#أبوظبي تعرف زهدي وتعرف كيف تراعي “مودي” وتعاملني بكل ألفة.. وحين تّهبُ علّي مواسم الحنين تطفئ حرائقي بمطر الدهشة والاستكشاف لتجارب جديدة…
يوما ما قلت لصديقتي “عليك أن تجربي العيش بين وسادتين وعليك أن تختبري آلام العنق الذي ليس له ذاكرة ويعاقبك كل مرة حين تغيرين وسادتك ويُمطرك بآلام وأنين، عليك أن تجربي نوبات الحنين في المساءات وكيف تتواطأ عليكِ الأغاني مرة واحدة.. حينها لابد أن تبتعدي عن مرجك العامر وتزرعي نفسك مجددا في أرض ذات زرع وتختبري نموا جيدا.. بعيدا..عنيدا حتى تقولي أنك عشتي يوما أو بعض يوم.
أكتب هذه السطور على ارتفاع 38 ألف متر من الأرض متجهة نحو وطن تولستوي وتشيكوف وماريا ستيبانوفا، حيث البلاد الباردة التي نقلت دفء الأدب الروسي العبقري نحو العالم، هؤلاء الذي عاشوا اغترابا داخليا في أرواحهم فصنعوا منه وقودا للإنسانية حتى تشتعل أدباً وفكرا..
أنا اليوم كنبتٍ صحراوي عنيد تعود أن يقاوم التغيير، وأن يسعى إليه بكل ما أوتي من رباطة قلب وقدرة على حزم الحقائب والتنقل بين الأماكن.. طوبى لكل فصائل الصحاري وسلالات الطيور البرية التي تعرف كل اليقين أن الأرض عليها ضيقة وأن موئلها الطبيعي.. كبد السماء

كاتبة مهاجرة دوما

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce