كتب زياد ناصرالدين مقال بعنوان:
المصدر : صحيفة الجمهورية اللبنانية

الموازنة التي يجب الرهان عليها في لبنان، هي تلك التي تكون أولويتها العمل على الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وتصحيح الاقتصاد، والانطلاق برؤية تعرّف الاقتصاد اللبناني بشكل واضح وتتضمّن مخططاً لتكبيره وإخراجه من أمراضه المترتكمة على مدى 30 عاماً، انطلاقاً من معايير وقواعد علميّة قانونيّة لا سياسيّة تحاصصيّة واستعماريّة.

لقد انتهت مرحلة التجارب التي عاشها لبنان منذ العام 1993 بنتائج أثبتت فشل السياسة النقديّة التي وضعت الاقتصاد بخدمة المال، وغيّبت الرؤية الاقتصاديّة، وكانت نتاجها على الشكل التالي:
انفاق 273 مليار دولار من دون مردود اقتصادي:
40 مليار دولار على ملف الكهرباء منها 24.5 تغطية عجز شراء فيول.
78 مليار دولار نفقات القطاع العام.
93 مليار دولار فوائد على الدين العام
40 مليار دولار على مشاريع التنمية والاستثمار.
ارتفاع نسبة الدين العام إلى 170% من الناتج المحلي الإجمالي.
تخصيص 35% من موازنة الدولة لخدمة الدين العام.
توظيف 60% من موجودات البنوك في مصرف لبنان كسندات خزينة.
اعتماد سعر صرف ثابت مضخّم بكلفة مرتفعة تراوحت بين 25 و30 مليار دولار.
تشجيع على التهرّب الجمركي في ظل غياب أي حماية للمنتج المحلي.
تدمير ممنهج للقطاعات الانتاجيّة.
إجراء هندسات ماليّة دُفعت بموجبها فوائد فاحشة شلّت الاقتصاد، دون أن تحصل الدولة حتى على أيّ ضريبة جراء هذه الهندسات.
إقرار سلسلة الرتب والرواتب على الرغم من عجز الموازنة.
إعطاء حصّة وازنة للمصارف وصلت إلى 4% من الناتج المحلي، حتى وصلت أرباحها إلى 24 مليار دولار.

وبناء عليه، كان لا بدّ من الوصول في نهاية المطاف إلى انهيار حتمي، إذ كان لا بد من التعاطي بشكل مختلف في الأسلوب والتقييم من قبل فريق عمل الموازنات.

إنّ المادة 5 من قانون الموازنة تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الاعتمادات اللازمة للانفاق. وبناء عليه، تقتضي العدالة في الموازنة التالي:
استعادة القرار الاقتصادي من قبل الدولة ووضع مقوماتها في خدمة الاقتصاد والمجتمع من خلال خطة اقتصاديّة انقاذيّة، لا التحاصص والتقاسم السياسي والبعد الاستعماري على حساب المواطنين.
إجراء تغييرات في الفريق المولج باقتراح الضرائب، وتعزيزه بفريق اقتصادي، وآخر من نقابة المحاسبة للتأكّد من قدرة الاقتصاد والمكلّفين على التجاوب مع الضرائب.
اعتماد العدالة الضريبية التي تأخذ بالاعتبار:
قدرة الاقتصاد على التجاوب.
الدخل الفردي والقدرة على الدفع، حتى لا تتحوّل الضريبة إلى نوع من التشليح بل أن تكون إيرادات قانونيّة واضحة.
معالجة معدلات التضخم بتشجيع وتحفيز الاستثمار في ما يحتاجه سوق العمل لزيادة فرص العمل.
أن تكون المادة الضريبيّة واضحة للمكلّف لوقف ابتزاز الموظفين وسيطرتهم المباشرة وغير المباشرة.
استعادة حقوق الدولة في:
الجمارك: فرض الدفع المسبق على الاستيراد بعد تأكّد الرقابة من شهادة المنشأ، ما يرفع الإيرادات الضريبية على البضائع المستوردة إلى حوالي 1.7 مليار دولار مقسمة بين الضريبة على القيمة المضافة (tva) والرسوم الجمركية.
الضريبة التصاعديّة على الشركات: وهي تعتبر الأكثر عدالة على المستوى الضريبي والاجتماعي بحيث تؤمّن على أقلّ التقديرات 1.2 مليار دولار في الناتج المحلي.
الأملاك البحرية والنهرية: فرض بعقود آنيّة لا تشريعيّة قادرة على اسعادة الحقوق وتأمين مليار دولار بالحد الأدنى.
الضريبة على الثروة: ويمكن من خلالها تغطية نفقات وزارة الصحة ومعالجة الواقع الصحي.
توحيد سعر الصرف على كل التعاملات الضريبية، الرسوم والودائع والقروض، وبالتالي عدم السماح باستخدام أسعار متعددة تؤدي إلى خلل كبير في الإدارة العامة والعلاقات التجاريّة بين الشركات والأفراد، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد.
الشفافيّة في الموازنة خارج الوعود الوهميّة، ومثال على ذلك الحديث عن مشروع تمويل العجز في موازنة 2024 عبر إصدار سندات دين جديدة قبل استرجاع لبنان لمكانته الدولية واستعادة الثقة، وهو أمر يستحيل تحقيقه.
التوقّف التام عن الاعتماد على الاقتراض من مصرف لبنان، وقيام الدولة بتمويل نفسها والحد من سطوة وسيطرة المحظيين من رجال الأعمال.
دولرة الرسوم والضرائب على الجمارك والأملاك البحريّة والثروة، والابتعاد عن دولرة ما يمس مباشرة بحياة المواطنين.
زيادة التحفيزات للشركات الاستثماريّة التي تؤمّن فرص عمل للبنانيين، وتفعيل أكبر لمؤسسة “إيدال” الاستثماريّة بما يخدم تكبير الاقتصاد لا التحاصص.
فك الشراكة بين القطاع العام والخاص والعمل على تكبيره.

ختاماً، لا يجب أن تتحوّل الموازنة إلى عقاب للمواطنين في ظل وضع استثنائي، بل أن تشكّل حافزاً لاستعادة دور القطاع العام، ومن ثمّ البدء بالإجراءات المطلوبة من قوانين أساسيّة لاستعادة حقوق المودعين، وفي مقدمتها فرض كابيتال كونترول حقيقي لا استنسابي، وإقرار قانون إعادة هيكلة وإنشاء قطاع مصرفي حقيقي يخضع لقانون النقد والتسليف لا لتعاميم السياسة النقديّة السابقة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف التهريب، والتطبيق الصحيح لالغاء الوكالات الحصريّة.

*كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية

Share.

Comments are closed.

Exit mobile version