ندوة وتوقيع كتاب “سر لبنان بعيون كويتية” للكاتب أحمد الصراف
نظمت دار “سائر المشرق” مساء أمس في إطار “المعرض الدولي للكتاب” ندوة عن كتاب الكاتب والمفكر الكويتي أحمد الصراف بعنوان ” سر لبنان بعيون كويتية” شارك فيها الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس الكسليك الأب الدكتور جورج حبيقة، الدكتور نزار يونس، الروائي عمر سعيد وأدار الندوة وقدم المشاركين الاستاذ جوزيف بشاره، في قاعة المحاضرات في المعرض – “سي سايد ايرينا” في وسط بيروت، في حضور وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال الاستاذ زياد المكاري، مطران الطائفة الكلدانية جورج قصارجي، وعدد من الشخصيات الثقافية والفكرية والاكاديمية والاعلامية والاجتماعية.
بداية، النشيد الوطني، ثم ألقى بشاره كلمة رحب فيها بالمشاركين والحضور، وقال: “يقول كاتبنا منذ ان وطأت قدماي تراب بحمدون ، صار القمر أحلى .تخيلوا معي كاتبا عربيا ، في أصعب الظروف ، يحذر الرعايا العرب من عدم المجيء إلى لبنان ، جذبه هذا الوطن الصغير بحجمه الكبير بقيمه وتراثه وشعبه.
ومع ذلك ادمن لبنان منذ يفاعته ، سحره هذا الوطن بإرثه الثقافي ومخزونه الحضاري وتنوعه الروحي وكوزموبوليتيته ورحابة حرياته وعراقة صروحه التعليمية ومؤسساته الطبية ودور نشره ونبوغ أبنائه ودفء العلاقات الإجتماعية وحلاوةالعيش بين اهله، ناهيك عن كرم طعامه ودلع طبيعته وغنج طفسه وبياض ثلوجه وزرقة سمائه وبحره واخضرار مروجه وايضا جودة اسهاماته الفنية ، فاختاره وطنا ثانيا له وأقام فيه وصاهره حتى صح به القول : رب وطن لم تكسبك إياه بطاقة الهوية”.
وختم:” لقد سخّر قلمه للمرافعة والمدافعة عن لبنان وجالياته والإضاءة على كنوزه الفكرية والانسانية وعلى اهمية دوره ووجوده للعالم العربي فكانت هذه المقالات التي حبّرها على مر السنين وضمنّها بين دفّتي هذا الكتاب ” سر لبنان بعيون كويتية ” سبعون عاما من الولع بلبنان ، بمثابة شهادة حب لتذكرنا ان على هذه الارض ما يستحق التمسك به والدفاع عنه”.
يونس
ثم القى الدكتور نزار يونس كلمة قال فيها: “نعرف احمد الصراف رجل الأعمال والبر والمعروف ولكن القليل منا يعرف هذا الكبير، أديبًا وأميرَ حكمةٍ وفارسَ فكرٍ جريء لا يخاف. ولأننا في معرِض الكلام عن كتابه “سر لبنان في عيون كويتية” فلا بدّ أن نبحث بين صفحات هذا الكتاب عن سر ولع احمد بلبنان وسر دفاعه عن الوجود المسيحي في بلادنا. لقد تعرّف يافعًا في الستينيات على ذلك اللبنان، يوم كان وطن الثقافة والحرية ويوم كانت بيروت حاضرة العالم المشرقي وجامعته ودار نشره ومركز انبعاث نهضته في الفكر والشعر والفن والغناء كما كانت ملاذ احراره وملجأ كل مُلاحق في بلاده، تخاطب العرب بلسان عربي فصيح وتحاور الغرب بفكره ولغاته”.
أضاف:”نشأ أحمد المولود عام 1945، في الكويت التي كانت في ذلك الحين مشروع دولة حاضنة لجماعات وافدة مثقلة بميراث اجتماعي متعدد الاستلهامات خاص بكل منها. انا اعتقد ان احمد الشاب الحاذق والشجاع وجد في صيغة التآلف والتلاحم والاحتواء المتبادل في المجتمع اللبناني التعددي ما قد يصلح لاستقرار الكويت. وكانت اميرته السيدة فاطمة فواز، خير سفيرة لوطنها، فكيف له الا يحب لبنان. إنني على قناعة، أرددها في كل كتاباتي ومجالسي، بوجود الكثير من غير المسيحيين في لبنان وفي العالم العربي، أشد حرصًا على الوجود المسيحي من زعماء طوائفنا ومناصريهم. ولكن احمد يمتاز عن الكثير من هؤلاء أو عن جميعهم بأدبه وصراحته وجرأته مما عرّضه في كثير من الأحيان لمواجهات ظالمة ولأخطار محدقة. من الواضح أن العلماني أحمد لا يدافع عن المسيحيين كدين وعقيدة، ولكنه، وليس مثله احد، يناضل كإنسان من أجل الحفاظ على الوجود المسيحي الثقافي والتاريخي والتراثي، وهو يعي أن المسيحيين في المشرق ليسوا قبيلة أو طائفة ولم يكن لهم في أي زمان أو مكان دينًا قوميًا أو ذاتًا عنصرية”.
تابع:”لقد هاله هجرة المسيحيين من بلادهم وتضاؤل أعدادهم وقد أفصح عن خوفه هذا في مقدمة كتابه التي جاء فيها: المسيحية في أوطاننا ليست ديكورًا ولا امرًا ثانويًا، بل ضرورة “عضوية” تتعلق بصميم وجودنا جميعًا في منطقتنا، إضافة الى أنها ضرورة انسانية وأخلاقية واجتماعية وإبداعية قصوى، إذ أن لهم في مختلف تجمعاتهم اسبقية ارتباط بهذه الارض. كما أنهم أصحاب فضل في امور ومجالات إبداع عدّة، كالمسرح والصحافة، والرواية والغناء، والسينما، والتعليم والتاريخ، وحفظ وتطوير اللغة العربية، وآدابها. في 22 آب 2020 تساءل احمد في افتتاحية عنوانها من هو عدو لبنان الأول؟ هل هو الطائفية، المحاصصة، الطبقة الحاكمة، النواب، اسرائيل، سوريا، إيران، حزب الله، أم التركيبة السكانية بكل ما فيها من تناقضات وملايين اللاجئين؟ وكان جوابه المُعلن والمُضمر في كل كتاباته ان المحاصصة الطائفية هي أساس العلّة. عذرًا، ما فييي اخفي عنكم هذا الحدث الهام جدًا: اجتمع زعماء الطوائف في لجنة الحوار الوطني في سعي للتوافق على رئيس للجمهورية. وبعد الافتتاح وتلاوة النشيد الوطني، بدأ الحديث الجدّي، قال الماروني: لا تنسوا فرنسا الأم الحنون، ما بصحّ الًا الصحيح قال الشيعي : طالما ايران بخير نحن بخير, وقال السني: السعودية ما بتتخلى عنا، وقال الأرثوذكسي : الله يديم بوتين، رجعّلنا روسيا، وقال الدرزي: لا تنسوا الصين، قرابتنا من ايام الرفيق ماو، أما ابراهيم العلماني، فقد حنى رأسه وقال، ما بقي لنا إلًا الله”.
سعيد
ثم ألقى الروائي عمر سعيد كلمة قال فيها: “إنّ أعظم تكريم للكاتب هو رفع نصّه من مستوى الكتابة إلى مستوى القراءة، لأنّ القراءة مستوى أعلى وجداّ من الكتابة”؛ كنت أشعر إثر قراءة كلّ نصّ من نصوص الصّراف بالامتنان له؛ لما حمّل ذاكرته من مشقات ومتاعب، ليشاركنا الامتنان الّذي كان له الفضل الأكبر في جعل هذا الكتاب بين أكفنا كقراء”.
أضاف: “لم تكن شخصيّة الصّراف في طفولته مجرّد وعاء يمكن أن يملأه الكبار والمجتمع ورجال الدّين بما يريدون، ليقولبوه بالشّكل الّذي يعجبهم. بل كان حسّاساً إلى درجة البحث والملاحظة والسّعي والاستكشاف. لذا شيّد عمارته الإنسانية بمواقف وأراء وأفكار جمعها عن طريق المشاهدة والبحث والخبرة والتّعامل. وقد أدرك ومبكّراً الفرق بين الإيمان والتّديّن. لقد علّمني الصّراف بكتابه سرّ لبنان بعيون كويتيّة أن لا شيء كالنّص والإبداع يمكنه أن يوسّع الجغرافيا، وييجعلها على اتساع هذا الكوكب. لا بل إنّ الكتابة الجمالية وكافة أنواع الإبداع ترتقي بالجغرافيا إلى مناطق قريبة جدّاً من السماء”.
ختم: “أود أن أقول لأستاذنا أحمد الصّراف إنّ مساحة لبنان 10452 كم2 وفيروز وجبران خليل جبران والرّحابنة ووديع الصّافي وصباح وزكي ناصيف وماجدة الرّومي وزياد الرّحباني وغسان التّويني وسعيد عقل وميخائيل نعيمة وأمين الرّيحاني والأخطل الصّغير ومارون عبّود وتوفيق يوسف عواد، وأمين معلوف وكافّة المعالفة، وإيلي صعب وأحمد الصّراف وغيرهم وغيرهم. ممّن أضافوا إلى المتذوّق مساحات من لبنان الحرّيّة والإبداع الّذي يغطّي مساحة أكبر بكثير من حجمه الجغرافي على خارطة الجمال الّتي توحّد سكّان هذا الكوكب”.
حبيقة
ثم القى الاب حبيقة، كلمة قال فيها: “إن التراثَ الفكري الغني والمتشعبَ الذي تركه عشاقُ العقلِ والمنطقِ لن يُمحَ ولن يندثر. لقد تمكن المسحورون بنور العقل والمنطق الإنساني من إدامة إرثِ الشعوب العاشقةِ للحوار والمشاركة والتبادل العميق في الحياة اليومية والترحيب بالآخر المختلف كشريك في البحث عن حقائقَ هاربة، بعيدا من الدوغمائية الخانقة للإبداع وللفرادة والأصولية العمياء والمعمية. إن أُخوَّة الحياةِ تستوطنُ قلوبَ العديدِ من المسلمين الذين تقاسموا، على مدى خمسةَ عشرَ قرنا، تقاليدَ العيش المشترك مع المسيحيين في الشرق الأوسط. انطلاقا مما تقدم، نود أن نسلط الضوءَ على شخصية عزَّ نظيرُها، منتفضة ومتمردة على المتحجّرات الدينية والمجتمعية، عنيتُ به المفكّرَ الألمعي والليبرالي ورجلَ الأعمال الكويتي الدكتور أحمد الصراف، الذي يحجزُ لنفسه مكانة مرموقة في المشهدية العربية والإسلامية الحالية. يتفرَّدُ بحيثية نقدية خاصة، لا تخضعُ لموروثات الماضي، تنطلقُ وتتوسَّعُ وتتمدَّدُ على متن مفاهيمَ ومصطلحاتٍ تجمعُ المقداميّةَ الجريئة إلى عمق التحليل والالتصاقَ الحميمَ بمأسوية الواقع”.
أضاف:”فعندما يصل إلى لبنان، يُظهِّر الصرّاف تفردَه الجغرافي، مسلطًا الضوء على الجبال الشامخة والوديان السحيقة والوعرة التي كانت بمثابة حِصنٍ منيع للمسيحيين الهاربين من اضطهادات هذا الشرق التاعس، والحريصين بعناد لا ينكسر على الحرية والكرامة والاستقلال. وكذلك، يذهبُ تفكير الصراف إلى البقيّة الباقية من مسيحيي فلسطين حيث ولد المسيح. إن التآكلَ الرهيب الذي تعرض له مسيحيو فلسطين على مر القرون، والاضطهادات المتوالية والمخطط لها التي وقعت عليهم بدون رحمة، دفعت أحمد الصراف إلى ذكر الشواطئ والأراضي التي انطلق منها تلاميذ المسيح، حاملين الخبر السار إلى جميع أصقاع العالم. إن المساهماتِ البارزةَ للمسيحيين في جميع المجالات، من خلال مواهبهم ومهاراتهم ومعرفتهم وخبراتهم، حقيقةٌ بيِّنة لا لُبس فيها. ويعود ويشدُّد عليها الصراف في مقالته الصادرة في صحيفة القبس في التاسع والعشرين من أكتوبر الفائت، تحت عنوان: “مشكلة النصارى في الأمة العربية”، مستشهدا بالكاتب الفلسطيني عبد الغني سلامة الذي يستعرض في نص جميل للغاية أسماء عدد كبير من مبدعي الأمة وثوارها ومناضليها وعباقرتها من المسحيين. بالنسبة للصراف، لا ينبغي أن يتمَّ مدحُ هذه المساهمات العظيمة وتمجيدُها عبر سلوكٍ إجرامي تجاههم، يتجسَّدُ في الاضطهاد المخطَّط له مسبقًا والمعاملة الظالمة والكراهية والقسوة. ويتابعُ الصراف قائلا: في المحصِّلة، إن الدكتور أحمد الصراف كان دائم التفكر في الباحثين والأدباء والعلماء المسيحيين البارزين الذين منحوا الشرقَ العربي الإسلامي ثقافةً واسعة وأطلقوا ما يسمى بــ”النهضة العربية”. ولولا مساهماتُهم القيمةُ في جميع المجالات، لكان الشرق في نظر الصراف قد خيّم في ثقافة الموت، وازدهر في تدمير الذات وإفنائها. بالنسبة له، إن إنقاذَ الوجودِ المسيحي في الشرق يعني إنقاذَ النار المقدسة في هذه المنطقة من العالم، وإنقاذَ الإنسانِ بكل اتساع أبعاده المتعددة، وإنقاذَ التعدُّديةِ التي هي أساسُ الوجود وإطارُه الطبيعي لديمومة الحياة وازدهارها وإخصاب الفكر والإبداع. خارج التنوّع الخلاق، موكبُ جنازة الحياة. بوجيز الكلام، إن الدكتور أحمد الصراف يمثل الغدَ العربي والإسلامي المشرق، المنفتحَ والمتفاعلَ والمتثاقف، الغدَ الذي يعشقُ الحياةَ السلاميَّة والهانئة والمطمئنة في مساحات الفرح المتوالدِ أبدا من ذاته في حُضن المحبّة والتعاضد والتكامل. إنه رسولُ السلام والحداثة والتطور الدائم والتأنسن المستدام. والفكرُ الديني الصحيح والهادف إنما هو، في نظر الصراف، الرافعةُ الأساسية لقيم الإنسانية والتآخي والتحاب. وخارج هذا الإطار، يكون اللهُ بريئا من معتقداتنا الدينية ومن ممارساتنا التقوية”.
ختم:”في الخاتمة، لم أجد أبلغ من هذه التصريح لمواطن عربي مسيحي، أرسله إليَّ الدكتور أحمد الصراف: ” بكفرنا لم نؤذِ أحدا منكم، ولكن بإيمانكم قتلتمونا”.
الصراف
بدوره، قال الصراف:”هذا التجاوب في الحضور والمشاركة بهذه الندوة يبعث فينا الفرح. ما هو سر لبنان؟، سر لبنان أن يتواجد أناس بأعماركم ومستوياتكم بهذا الحضور الغني الأنيق والراقي والمتنوع، ومن خلال خبرتي لا أعتقد حين أكتب عن أي دولة أخرى أجد هذا الحضور اللافت، سر لبنان حين أزور أي عائلة لبنانية في أي منطقة من لبنان أجد كل الحرية في التعبير والكلام بكل حرية، لا يواجهني الخوف والقلق عند الكلام. عندما تتحدث في لبنان تشعر وكأنك تتحدث مع روحك مع شخصك مع أشخاص يقدرونك ويحترمون رأيك حتى لو كان رأيك مخالفا لأرائهم”.
ختم:”كمواطن كويتي لا أشعر بالحرية التي أشعر بها في لبنان في أي وطن عربي، فهذا هو سر لبنان الموجود في هذه القاعة، الحضور الغني والمتنوع الذي يبتسم مفتخرا بلبنانيته”.
ثم تمّ توقيع الكتاب في جناح دار “سائر المشرق” في المعرض.