قانون إصلاح المصارف ينصف صغار المودعين ويقلق كبارهم.. خبير يقرأ في إيجابياته وسلبياته
قانون إصلاح المصارف ينصف صغار المودعين ويقلق كبارهم.. خبير يقرأ في إيجابياته وسلبياته
سارعت الحكومة لإقرار تعديل قانون السريّة المصرفيّة، و”مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها”، قبل موعد الاجتماعات التي سيعقدها الوفد اللبناني مع صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن التداء من يوم غد الاثنين 21 نيسان الحالي. وربطت دخول القانون المتعلق بالمصارف حيّز التنفيذ بإقرار قانون معالجة الفجوة الماليّة، أو توزيع الخسائر.
لا إقرار للقوانين قبل اجتماعات واشنطن
من الناحية العمليّة، يتعذر إقرار القانونَين في مجلس النواب قبل الموعد المرتقب في واشنطن، ولكن إحالة المشروعين من الحكومة إلى البرلمان، يسلّح الوفد اللبناني بمؤشّر لا بأس به، حيال جديّة لبنان في السير بالإصلاحات التي طلبها وفد صندوق النقد، خلال لقاءاته في بيروت. إلّا أنّ اهتمامات المودعين لا تكمن في مدى تفاعل المسؤولين في صندوق النقد مع الأداء الحكومي أو المجلسي، بل بمصير الودائع، وكيفية حمايتها وصولًا إلى استردادها. فهل يشكّل إقرار قانون معالجة أوضاع المصارف مدخلًا لمعالجة الأزمة المصرفيّة،وضمانةً لإعادة الودائع؟ وهل يعيد الثقة بقطاع خذل المودعين وغامر بأموالهم بمخاطر عالية؟ والأهم هل يبدو القانون قابلًا للتطبيق؟
يعكس القانون ارتياحًا وقلقًا في آن معًا، كونه يشتمل على العديد من نقاط القوّة والضعف، يفنّدها خبير المخاطر المصرفية الباحث في كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور محمد فحيلي في حديث لـ “لبنان 24” فيرى في إيجابياته أنّه يجسّد اعتراف الدولة بوجود أزمة مصرفيّة،وبوجوب سنّ قانون لإدارتها “وهذا بحد ذاته تطوّر مهم بعد سنوات من الغموض القانوني والتعسّف المصرفي. كما أنّه إطارٌ تنظيمي جيد لمعالجة الأزمة المصرفية بعد طول فراغ”. في قراءة مواد القانون، يلفت فحيلي الى أنّه يحدّد بوضوح معايير تعثّر المصارف، ويشتمل على آليات إصلاح فعّالة لمعالجة التعثّر دون الاعتماد الكلي على المال العام، مثل الإنقاذ الداخلي وإعادة الرسملة. ومن ضمن نقاط القوّة أيضًا، يمنح القانون الهيئة المصرفيّة العليا صلاحيات واضحة ومحدّدة “الأمر الذي قد يُسرّع عمليّة اتخاذ القرارات، ويحدّ من التدخّل السياسي أو المصالح الخاصّة. ومن إيجابيات المشروع أيضًا تأكيده على حماية صغار المودعين، بحيث تنصّ المادة 14 منه على ترتيب واضح في تحمّل الخسائر، يبدأ بالمساهمين ثم الدائنين”.
الودائع الكبيرة في خطر
إلى جانب إيجابياته، يعتري المشروع نقاط ضعف، ويحمل مخاطر لاسيّما في الباب الرابع منه، لجهة تحديد تعثّر المصرف، وأدوات إصلاح وضعه، وهنا تكمن الخطورة وفق فحيلي، حيث أنّ استخدام هذه الأدوات بطريقة غير شفّافة يعمّق أزمة الثقة في القطاع المصرفي. من الأدوات التي ينصّ عليها القانون، آلية الإنقاذ الداخلي (Bail-in) “وهي أخطر أداة على المودع، كونها تتيح للهيئة تحويل جزء من الودائع إلى أسهم، أو تخفيض قيمتها لامتصاص خسائر المصرف، فيتحوّل المودع الكبير من “دائن” إلى “مساهم إجباري”ويتحمّل مخاطر لا تعكس مسؤوليته، مما قد يؤدّي إلى خسائر كبيرة في الودائع الضخمة”.
لا إمكانية للطعن
يفتقد مشروع القانون إلى ضمان واضح لكلّ الودائع، إذ أنّ حماية الودائع المضمونة فقط تترك معظم المودعين عرضة للخسارة دون آلية استرداد واضحة،لاسيّما أنّ المؤسسة الوطنيّة لضمان الودائع عاجزة عن تغطية الخسائر في حال انهيار مصرف كبير، يلفت فحيلي. ومن ثغرات المشروع عدم امكانيّة الطعن في قرارات الهيئة المصرفيّة العليا، وعدم ضمان الموضوعيّة والشفافيّة في عملية التقييم، خصوصاً إذا كان هناك تضارب مصالح. كما أنّ اعتماد الهيئة كليًّا على مصرف لبنان في التمويل قد يزيد الضغوط على المصرف المركزي.
العبرة في كيفية تطبيقه
نجاح المشروع في تحقيق أهدافه لجهة استقرار النظام المالي، وضمان استمرارية عمل المصارف، وحماية الودائع، رهن الاحترافيّة والدقّة والشفافيّة في تطبيقه يقول فحيلي “التحدّي الحقيقي يكمن في التطبيق، وضمان الشفافيّة التامة، وإثبات أنّ عمليات الهيكلة أو الإنقاذ الداخلي ستجري بشكل عادل ودون تمييز أو تعسّف. كما يتطلب تطبيقه تأمين دعم سياسي واجتماعي لتفادي العراقيل، فضلًا عن وجوب تزامن تطبيقه مع توفير خطط اقتصاديّة وماليّة لاستعادة الثقة ومعالجة التداعيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة. في حال تمّ تجاوز هذه المخاطر، فقد يساهم المشروع في إخراج القطاع المصرفي من أزمته”.
المصارف ترفض القانون
على جبهة المصارف، كان التحرّك سريعًا لرفض القانون، وبالتزامن مع بدء دراسته على طاولة مجلس الوزراء، كان المكتب القانوني لجمعية المصارف ينكبّ على تشريح مواده، ليخلص إلى جملة من الملاحظات طالت معظم بنوده، مطالبًا بوجوب “أن يشير المشروع صراحة الى أنّ أزمة المصارف الحاليّة هي أزمة نظاميّةّ، وأن يستثني القيّمين على إدارتها من أيّ مسؤوليّة غير ناتجة عن الأخطاء التي ارتكبوها في حال ثبوتها”. كما طالب بإلغاء المادة التي أشارت إلى “الحدّ من استخدام الأموال العامة في عمليّة إصلاح وضع المصارف”. إلى جانب ذلك، اعترضت جمعية المصارف على عدم تمثيلها في الهيئة المصرفيّة العليا المختصّة بإصلاح وضع المصارف، والتي تتألف من ستةأشخاص هم حاكم مصرف لبنان وأحد نواب
الحاكم ورئيس لجنة الرقابة على المصارف وخبير قانوني وخبير مصرفي ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية لضمان الودائع.
بالمحصلة، أزمة القطاع المصرفي لا تعني شريحة المودعين فقط، بل الإقتصاد اللبناني برمته، فمن دون مصارف لا ينمو أيّ اقتصاد سوى الأسود منه الذي قادنا إلى اللائحة الرمادية، ومفتاح التعافي يبدأ من إصلاح المصارف وإعادة إحياء وظيفتها في تمويل الإقتصاد، وإعادة الثقة المفقودة بها، فهل يبصر قانون إصلاح القطاع المصرفي النور قريبًا، والأهم هل يجد طريقه إلى التطبيق في العام السادس على الأزمة؟