حكومة الشرع على مفترق طرق… 5 اختبارات مصيرية!
حكومة الشرع على مفترق طرق… 5 اختبارات مصيرية!
أدّى وزراء الحكومة الانتقالية السورية القسَم في قصر الشعب بدمشق في 29 آذار الفائت، بعد مرور نحو أربعة أشهر على إسقاط نظام بشار الأسد. وأظهرت السير الذاتية للوزراء تمتع معظمهم بخبرات وكفاءات تتناسب مع الحقائب التي أوكلت إليهم، فيما حمل الإعلان عن الحكومة التكنوقراطية الجديدة دلالات سياسية عميقة، إذ عكس من جهة استقرار السلطة المركزية في العاصمة، ومن جهة أخرى، عبّر عن تنوّع ديني وقومي وسياسي سوري، وإن لم يكن مثاليًا.
لكن الأهم أنّ التشكيلة الحكومية عبّرت عن توجّهات الرئيس السوري أحمد الشرع، وسعيه إلى الاستجابة لمتطلبات المرحلة المقبلة والتحديات التي تواجه البلاد.
في 7 نيسان الجاري، عقدت الحكومة أول اجتماع لها، حدّد خلاله الرئيس الخطوط العريضة لعملها، مركّزًا على ثلاث أولويات: التعافي الاقتصادي، إصلاح مؤسسات الدولة، إعادة الإعمار والسلم الأهلي. وهي ملفات تُظهر أن سوريا تقف على مفترق طرق حاسم، وسيُحدد ما تسلكه الحكومة منها شكل نظام الحكم الجديد في السنوات الخمس المقبلة، أي شكل “سوريا الجديدة”.
ورغم أن صياغة الملفات كانت داخلية الطابع، إلا أن تحديات إستراتيجية خارجية تفرض نفسها، وإن لم تُذكر في بيان الاجتماع الرسمي، إلا أنّها مفهومة ضمنًا.
في 9 كانون الأول، أي في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمرًا بعمليات عسكرية شاملة داخل سوريا، هدفها ضمان ألا يشكّل انتصار المعارضة تهديدًا لأمن إسرائيل. وتضمنت هذه العمليات قصفًا مكثفًا لمنظومات الأسلحة الثقيلة في مختلف أنحاء البلاد، إضافة إلى تحركات برية داخل الأراضي السورية، بما في ذلك قصف شبكات الدفاع الجوي، أنظمة الصواريخ، ومنشآت الساحل الدفاعية.
الأهداف الإسرائيلية اتّضحت لاحقًا: منع إعادة بناء جيش سوري موحّد، إضعاف السلطة المركزية، دعم الأقليات، إقامة تواصل مع مجتمعاتها، وتعزيز الحكم الذاتي المحلي، خصوصًا في مناطق الجنوب.
إسرائيل سعت أيضًا إلى خلق أمر واقع على الأرض، عبر محاولة السيطرة على قمة جبل الشيخ والمناطق الإستراتيجية المحيطة، وصولًا إلى مناطق عازلة. ورغم الاستفزازات المتكررة، اختار الرئيس الشرع ضبط النفس، واعتمد على القنوات الدبلوماسية العربية للجم التصعيد الإسرائيلي.
2. النفوذ التركي: القواعد مقابل الاستقرار
تسعى تركيا إلى تأسيس قواعد عسكرية واسعة النطاق في سوريا، تخدم أهدافًا عدّة: منع عودة تنظيم الدولة، التصدي للنفوذ الإيراني، تنفيذ تفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية، وإنهاء تجربة الإدارة الذاتية.
وفي هذا السياق، يُعدّ مطار “ألتياس” العسكري في نقطة T4 وسط سوريا موقعًا مثاليًا لإنشاء قاعدة تركية أو منظومات دفاع جوّي، ما سيجبر إسرائيل على التنسيق الميداني مع تركيا، ويحدّ من هامش مناورتها في العمق السوري.
ورغم معارضة نتنياهو للوجود التركي، فإن رفض الإدارة الأميركية تقديم دعم سياسي له دفعه للجوء إلى مفاوضات بوساطة أميركية، من أجل تفادي صدام مباشر. هذه التطورات تعني أمرين: تصاعد الحضور التركي في سوريا، وتراجع قدرة إسرائيل على فرض وقائع عسكرية دائمة على الأرض.
في 3 نيسان، شهدت بلدة كويا في جنوب درعا أول مواجهة شعبية مسلّحة ضد توغل إسرائيلي، في مؤشر إلى بدء تشكّل مقاومة محلية غير منظمة بعد. ومع الوقت، يُتوقّع أن تتطوّر هذه المواجهات إلى مقاومة منظّمة، تذكّر إسرائيل بتجربة جنوب لبنان، وهو سيناريو لا ترغب به.
مع سقوط النظام، تفكك جيش الأسد تمامًا، فاختفى الجنود وهرب القادة، وتولت فصائل المعارضة مهمة ضبط الوضع الميداني. هذه الفصائل، التي تجاوز عددها 80، توحّدت في إطار “قوات ردع العدوان”، وتمكّنت من ملء الفراغ، وهي تُشكّل اليوم ركيزة للجيش السوري الجديد الذي يعمل الرئيس الشرع على بنائه.
الجيش الجديد يُفترض أن يكون احترافيًا، بلا تجنيد إجباري، وعابرًا للولاءات السابقة، وهو ما يتطلب وقتًا، ودعمًا خارجيًا. لكن أحداث آذار الدامية في الساحل، نتيجة تمرد فلول النظام السابق، أظهرت حاجة ملحّة إلى تسريع خطوات إدماج الفصائل، وضبط السلاح المنتشر عشوائيًا.
ويُعدّ بناء هذا الجيش مسؤولية مشتركة بين دمشق وشركائها الدوليين، وفي مقدمتهم تركيا، إضافة إلى دول الخليج، وكندا، وبعض الدول الأوروبية. وتُشكّل تركيا، بطبيعة الحال، شريكًا محوريًا في تدريب وتأهيل القوات، وهي عملية لن تكتمل قبل إصدار قانون خاص بالجيش، ينتظر تشكيل مجلس تشريعي جديد.
يبقى السلاح المنتشر بين المدنيين والمجموعات المسلحة أحد أخطر التحديات أمام الحكومة الجديدة. ولا يكفي إدماج الفصائل في الجيش، بل يتطلب الأمر استراتيجية شاملة لنزع السلاح، وضبطه تحت إشراف الدولة، في ظل هشاشة أمنية واضحة، وتكرار حوادث التمرّد والعنف في الساحل وبعض المناطق الشمالية.