كتب مبارك بيضون في “اللواء”:
في خضم المعارك التي تجري قبيل الحرب الكبرى على صعيد خارطة سياسية جديدة، يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسم حدود بين دولها قائمة على التطويع السياسي بدلا من التطبيع، بهدف التفرغ لرسومه الجمركية التي باتت الشغل الشاغل للعالم، مع انطلاق معركة عض الأصابع بين واشنطن واقتصادها المنهك، وبكين التي استعدّت ليوم مثل هذا اليوم.
ومع انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، تستخدم واشنطن ورقة غزة لشراء وقت في سبيل منع فتيل الحرب من الاشتعال، مع سياسة ترامب النفعية تجاه دول المنطقة، وفي إطار خططه لتهجير سكان غزة، في سبيل استخدامهم كورقة ضغط في هذه المفاوضات التي تجري على قدم وساق، بهدف تطبيق ما هو مطبق وتكريس ترامب كتاجر يجني الأموال للولايات المتحدة على حساب الأعداء والأصدقاء، ويرسم خريطة نفوذ جديدة تناسب الصراع الجديد القائم مع بكين.
وفي قلب الصراع يحاول ترامب تصفير المشاكل إن كان في الشرق الأوسط أو أوكرانيا أو السودان ليتفرغ للصين، خاصة مع خروج لبنان وسوريا والعراق من دائرة الإسناد ليبقى اليمن الملف الذي يؤرق الغرب، لذلك ستكون واشنطن على موجة جديدة من التنازلات بهدف تطويع المنطقة.
هذه المفاوضات تُعيد دول الخليج إلى الواجهة، مع غياب المشروع العربي أمام المشاريع الدخيلة إلى المنطقة، وبهدف حفظ المصالح والالتحاق بالركب الرابح، فصمت العرب عن كل ما يدور على أرضهم، فانتهجوا سياسة الحياد ليتبلور أي من الأقطاب سيكون له اليد العليا، أمام أمة اعتبرت الخضوع والتبعية شكلًا من أشكال الدبلوماسية.
الحياد العربي جعل من الكيان الإسرائيلي يستذئب على دول المنطقة، من فلسطين مروراً بلبنان وسوريا واليمن والعراق وصولاً لوضع الخطوط الحمر أمام التمدد التركي في المنطقة فانتقل التفاوض الدبلوماسي بين أنقرة وتل أبيب إلى أذربيجان. وما إقامة المناطق العازلة في سوريا ولبنان إلّا لحماية الأراضي المحتلة من بذرة المقاومة التي لم تمت مع كل ما أصاب قيادة المحور. خاصة مع بدء الدبلوماسية الغربية حجز مقاعد لها في خارطة النفوذ الجديدة.
هذا الحياد العربي يعود بجزء منه إلى الفشل في إدارة ملفات المنطقة، خاصة ملف غزة وإدارة قطر ومصر لمفاوضات وقف إطلاق النار، بحيث لم يستطع العرب من وقف التغوّل الإسرائيلي على شعب فلسطين، ومما ينتج عنه من إعادة العرب إلى ما قبل قمة 2002، وإزاحة مشروع حل الدولتين من الواجهة السياسية لأي مفاوضات مقبلة، مع سريان مشروعي الإبادة والتهجير لشعب فلسطين برعاية دبلوماسية غربية.
الدبلوماسية الغربية بدأت تصول وتجول في سبيل الحصول على توافقات في الجولة الأولى للمفاوضات الأميركية – الإيرانية، التي يقودها كل من ويتكوف وعراقجي، التي قد تصبح مباشرة، خاصة مع تسجيل طهران الهدف الأول في مرمى واشنطن من حيث بدأت المفاوضات على الطريقة الإيرانية، وتتجلّى رغبة كل الأطراف بمنع أي نزاع أكبر سيشعل المنطقة برمّتها، فالقواعد الأميركية المنتشرة على حدود إيران ستكون عرضة للصواريخ، إضافة إلى خسارة الرياض لأي استثمارات تدعم خطة الأمير محمد بن سلمان لعام 2030، وتراجع النفوذ التركي أمام العربدة الإسرائيلية خاصة في محاولات حكومة نتنياهو لإضعاف حكومة الشرع.
في المحصلة يبدو أن أي صراعا في المنطقة لن يكون في صالح أي من المشاريع التي تتصارع على الأراضي العربية، والتي تحاول امتصاص ضربات ترامب وسياساته التوسعية أمام التنين الصيني الذي يرفض الإذعان أمام إمبراطورية القطب الواحد.