جعجع يناشد إثبات جدية الدولة: لا دعم من دون سيادة!
جعجع يناشد إثبات جدية الدولة: لا دعم من دون سيادة!
أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع، أن هناك حديثاً في الآونة الأخيرة “عن إصلاحات في المجالات كافة: إصلاحات في المجال القضائي، إصلاحات في المجال الاقتصادي، إصلاحات في قطاع المصارف، إصلاحات في ما يتعلّق بمحاربة الفساد، وغير ذلك، لكن هذه الإصلاحات كلها لا يمكن أن تنجح، ولا يمكن أن تُعطي أي نتيجة قبل حصول الإصلاح الأوّل، ألا وهو استعادة الدولة سلطتها وسيادتها، باعتبار أنه ما لم تكن هناك دولة فعليّة، فلا إصلاح يمكن أن يُعطي أيّ نتيجة”.
كلام جعجع، جاء في كلمة له عقب قداس شهداء زحلة، الذي أحيته منسقيّة “القوّات اللبنانيّة” في زحلة في مقام سيدة زحلة والبقاع تحت عنوان “زحلة بعيونكُن”، وترأسه راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك سيادة المطران ابراهيم ابراهيم. وشارك في القداس الذي خدمته “كشافة الحرية، فوج زحلة”، راعي أبرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض، راعي أبرشية زحلة والبقاع للسريان الأرثوذكس المطران مار يويستينوس بولس سفر ممثلًا بالأب جورج بحي، راعي أبرشية زحلة بعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت أنطونيوس الصوري ممثلًا بالأب أفرام حبتوت، لفيف من الكهنة، النائبان جورج عقيص والياس اسطفان، الوزير السابق سليم وردة، النائب السابق طوني أبو خاطر، رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف، الأمين العام لحزب “الاتحاد السرياني” ميشال ملو، رئيس التجمع الزحلي العام جوزيف مسعد، رئيس غرفة الصناعة والتجارة في زحلة نبيل التيني، رئيس جمعية تجار زحلة زياد سعادة، عضو الهيئة التنفيذيّة في حزب “القوّات اللبنانيّة” ميشال التنوري، الأمين العام لحزب “القوّات اللبنانيّة” اميل مكرزل، منسق منطقة زحلة في حزب “القوات اللبنانية” آلان منيّر، المنسقون السابقون ميشال فتوش، طوني القاصوف وشارل سعد، رئيس جهاز “الشهداء والأسرى والمصابين” في حزب “القوّات اللبنانيّة” شربل ابي عقل، المرشح لرئاسة بلدية زحلة المعلّقة في انتخابات 2025 سليم غزالة، عدد من أعضاء المجلس المركزي في حزب “القوات”، رؤساء أجهزة ومراكز “القوّات”، حشد من ممثلي الأحزاب والفاعليات النقابية، البلدية، الاختيارية، السياسيّة، الإعلامية، الإقتصادية والإجتماعية.
وقال جعجع متوجهاً إلى أهالي زحلة: “أعتقد أنّكم من ناحيتكم، ومن موقعكم، رأيتم كيف أنّه بعد عقودٍ من التأخير، انتشر الجيش اللبناني على حدود لبنان الشرقيّة مع سوريا. ولكن ينبغي ألّا يكتفي بالانتشار، بل أن يبسط سلطته بالكامل، ويطبّق القانون بالكامل على الجميع، إذ “لا فضل لِلبنانيٍّ على آخر إلا بقدر التزامه القانون”، مشدداً على أن “هذه المسيرة مسيرة طويلة حتمًا، ولكن على الأقلّ، بدأت الآن”.
وأوضح جعجع أنه لم “يصحّ الصحيح” فحسب ورحل الأسد، بل رحل الأسد، ومن بعده بقليل أو قبله بقليل، رحل معظم ودائعه، والقسم المتبقّي من ودائعه يستعدّ للرحيل، وبدأت مسيرة بناء الدولة الفعليّة في لبنان، هذه الدولة الفعليّة التي نناضل منذ عقودٍ للوصول إليها. هذه الدولة التي لا حياة لنا من دونها. هذه الدولة التي نحلم بها منذ زمنٍ طويل. والآن بدأت مسيرة الوصول إلى هذه الدولة الفعلية، اللهمّ أن يبذل المسؤولون، وخصوصًا الكبار منهم، جهدهم لتسريع هذه المسيرة، كي نصل في أقرب وقت ممكن إلى الدولة الفعلية”.
وأردف: “شعب لبنان نشيط ومنتج، ولم يكن يومًا شعبًا متسوّلًا أو خاملًا أو عاطلًا عن العمل، ولكن إلى جانب ذلك، لبنان بحاجة إلى أصدقاء خارجيين، كما هو حال دول العالم كلها، حيث لا توجد دولة في زمننا هذا قادرة بمفردها على فعل شيء”. وقال: “رأيتم كيف أنّ الولايات المتحدة نفسها، بسبب مجموعة من الرسوم، وهي الدولة العظمى ذات الاقتصاد الأكبر في العالم، واجهت ردّات فعل من الجهات كلها، ووجدت نفسها في حالة من الحصار، وإنْ كان حصارًا معنويًا في الوقت الراهن”. وتابع: “لا أحد منّا قادر على الاستمرار أو على إنجاز شيء في هذه الأيام من دون أصدقائه. ونحن لحسن الحظ لدينا أصدقاء، لدينا أصدقاء عرب، ولدينا أصدقاء في الغرب، لا ينقصنا الأصدقاء أبدًا، وهؤلاء الأصدقاء أكّدوا مرارًا وتكرارًا نيّتهم في مساعدة لبنان، لكنّ مساعداتهم كلها مشروطة بقيام الدولة الفعلية.”
وتابع جعجع: “في نهاية المطاف، وبعد هذا المسار كلّه، أعود إلى شهدائنا. المسار برمّته أثبت، وخصوصًا في وجه المتردّدين والمشكّكين، أنّه مهما طال الزمن “لن يصحّ إلّا الصحيح”. أثبت هذا المسار أنّه في لحظات الحسم، في الأوقات الحرجة، للحفاظ على كرامتك، على حريّتك، على أرضك، لا بدّ من المواجهة. وعندما يُضطرّ الإنسان إلى المواجهة، عليه أن يواجه. الانسحاب من المواجهة أو محاولة تجنّبها تعني الاستسلام الكامل، وهذا الاستسلام، لم يعرفه أهالي زحلة يومًا، بل كانوا دومًا، عند الخطر، “قوّات”.
وكان جعجع استهلّ كلمته بالقول: “سيّدنا المطران ابراهيم ابراهيم، إنّي أعتبر حضوري بينكم نعمة وبركة وشرفًا، أن أستطيع كلّ عام أن أشارك في القدّاس الذي يُقام لراحة أنفس شهداء زحلة. وفي الوقت نفسه، أودّ أن أقول لك يا سيّدنا، وأقول لجميع الحضور، إنّني دائمًا أتعلّم من زحلة، أتعلّم من زحلة ومن “الزحالنة”، وخصوصًا أتعلّم منهم وعيهم التاريخي، أتعلّم منهم تمسّكهم بالإيمان، وأتعلّم منهم استعدادهم الدائم للدفاع عن حريّتهم، للدفاع عن كرامتهم، للدفاع عن أرضهم مهما كان الثمن. لقد دفعت زحلة و”الزحالنة” ثمنًا كبيرًا، لكن من خلال هذا الثمن الذي دفعوه، ظلّوا متمسّكين بتاريخهم، حافظوا عليه، وظلّوا في أرضهم، وحافظوا عليها، كما حافظوا على زحلة في التاريخ والجغرافيا، وحفظوا لها مكانة في وجدان كلّ لبناني، سواء كان في أرض لبنان أو في بلاد الانتشار”.
وتابع: “في جبل لبنان، من يريد أن يصبح مقاومًا أو ينتمي إلى “القوّات”، يفكّر ويتّخذ القرار ثم يتعلّم كيف يكون “قوّاتيًا”. أمّا في زحلة، فالأمر لا يحتاج إلى كلّ هذه المراحل، فالشخص يولد من رحم أمّه مقاومًا و”قوّاتيًا”. كلّ إنسان من بيننا هو ابن تاريخه، ابن الجغرافيا التي يعيش فيها، وابن معاناته. ومن هذا المنطلق، في زحلة ليس على الشخص أن ينضمّ إلى “القوّات”، بل يولد فيها “قوّاتيًا”.
واعتبر جعجع أن “احتفالنا هذا العام ليس كسائر الأعوام، بصراحة، احتفالنا هذا العام له طعم خاص، له معنى خاص، لأنّه بالدليل المباشر، وإنْ بعد حين، “لم يصحّ إلا الصحيح”. فبعد خمس وأربعين سنة، رحل الأسد وبقيت زحلة”. وقال: “زحلة، في نظر الأسد الأب أو الأسد الابن، كانت دائمًا “شوكة في أعينهم”، لم يتركوا وسيلة إلا وحاولوا بها إخضاع زحلة. حاصروها، مارسوا عليها الضغوط بمختلف الأساليب ومن الجهات كلّها، اعتقلوا أبناءها، جرّوا رجالها بل وحتّى نساءها إلى أقبية التحقيق والتعذيب، لكن كما قلتُ، إنّ ذلك كلّه لم يُجدِ نفعًا. ظلّت زحلة هي زحلة، وفي نهاية المطاف رحلوا هم، وبقيت زحلة”، مشدداً على أن “أرض المقاومة لا يمكن في يوم من الأيّام أن تتحوّل إلى أرض استسلام، وهكذا بقيت زحلة أرض مقاومة بلا أي استسلام”.
واستطرد جعجع: “شهداؤنا هذا العام سيكونون مسرورين جدًا، لماذا؟ لأنّهم، من جهة، ليسوا متفاجئين باللحظة التي نعيشها الآن. شهداؤنا، منذ اللحظة التي استُشهدوا فيها، كانوا يعلمون لماذا استُشهدوا، وإلّا لما منحهم الله القوّة على الشهادة، كانوا يعلمون ما الذي سيحدث، ويعلمون الأسباب. اليوم، سيكونون من جهة ثانية مسرورين لأنّ جميع المشكّكين والمتردّدين، وجميع ذوي “الوجوه الصفر” الذين كانوا يلومونهم، كيف يواجهون وكيف يقاومون، أصبح واضحًا لديهم الآن لماذا استُشهد من استُشهد، وأصبح واضحًا للجميع أنّه، مهما طال الزمن، “لن يصحّ إلا الصحيح”. ولكن، وإنْ أدرك الكثيرون اليوم هذه الحقيقة، فلن يكون لهم أيّ طوبى، لأنّه “طوبى للذين آمنوا ولم يروا”. شهداؤنا و”قوّاتُنا” آمنوا منذ الأيام الأولى من دون أن يروا، وظلّوا مؤمنين، والآن بعدما رأوا، سيظلون مؤمنين إلى أبد الآبدين، آمين”.
ولفت جعجع إلى أن “شهداءنا سيكونون سعداء اليوم أيضا لأنّهم يعلمون كم تألّم آباؤهم وأبناؤهم وأقاربهم وأحبّاؤهم لفراقهم. وبعد الأحداث كلّها التي وقعت، فقد ساهمت هذه الأحداث، في مكان ما، في مداواة جزءٍ ولو صغير من جراح الفَقد، ألم الفَقد، الذي أصاب هذه العائلات إثر استشهاد أبنائها. ولهذا السبب، سيكون شهداؤنا اليوم مسرورين”.
وتوجّه جعجع إلى القواتيين في زحلة بالقول: “أودّ أن أقول لكم في هذه المناسبة: يعطيكم ألف عافية. إنّني أعتبر أنّ مرور خمس وأربعين سنة على غياب شهدائنا هو محطة أساسية لا بدّ من التوقّف عندها. أقول لكم: يعطيكم ألف عافية على كلّ شيء، يعطيكم ألف عافية على السنوات الخمس والأربعين التي مرّت. سيّدنا، في هذه السنوات الخمس والأربعين استُشهد شباب، ولكن هناك شبابًا وصبايا أكثر منهم، واصلوا، وواصلوا، وواصلوا، وظلّوا مؤمنين في وقتٍ عزّ فيه الإيمان، وقلّ فيه الإيمان. ظلّوا مؤمنين طوال الوقت، قبل أن يروا شيئًا، وقبل أن يتأكّدوا من أيّ شيء. ظلّوا يناضلون على الدوام، رغم الاضطهادات والظروف الصعبة كلّها التي مررنا بها، سواء في زحلة أو في لبنان عمومًا، سواء تمثّلت هذه الاضطهادات في اعتقالات أو في سجون، أو احيانا في اغتيالات، كما حصل معنا أخيراَ، منذ نحو سنة، مع استشهاد رفيقنا باسكال سليمان”.
وختم: “أودّ أن أقول لكم إنّ ما تقومون به الآن وتواصلونه، هو عمل بالغ الأهمية. في الوقت الذي يرتاح فيه الجميع ربّما في بيوتهم، تكونون أنتم مجتمعين، تتناقشون، تتداولون الرأي، لتروا ما هو الأصلح لقراكم، لأحيائكم، لمدينتكم، ولوطنكم. لكنّ ما أودّ أن أشكركم عليه بشكل خاص، هو أنّكم آمنتم طوال الوقت من دون أن تروا. المجد والخلود لشهداء زحلة الأبرار، عاشت زحلة، عاشت القوّات اللبنانية، ليحيَ لبنان”.