مقالات

رسائل أميركية واضحة وسط ضجيج داخلي

رسائل أميركية واضحة وسط ضجيج داخلي

اختتمت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس زيارتها إلى لبنان، بعد سلسلة من اللقاءات المكثفة مع مسؤولين سياسيين وأمنيين واقتصاديين، حملت في مضمونها رسائل أميركية واضحة حيال مجمل الملفات اللبنانية، ولاسيما تلك المتعلقة بالجنوب اللبناني، وضرورة الحفاظ على الهدوء وتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، إضافة إلى الملفات الإصلاحية والاقتصادية التي تشكل اليوم شرطا محوريا في أي تعاون دولي مع لبنان.

وأوضح مصدر سياسي بارز لـ «الأنباء» انه «وعلى رغم محاولة بعض الأوساط في الداخل اللبناني تصوير هذه الزيارة على أنها محطة مفصلية تحمل في طياتها إشارات تهديد أو ضغط، إلا أن الأجواء الفعلية التي سادت اللقاءات بينت عكس ذلك تماما، إذ غلب الطابع الإيجابي والبناء على المحادثات، وشهدت تفاهمات كاملة ومتبادلة بين الجانب الأميركي والمسؤولين اللبنانيين، تعكس جدية ورغبة في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة بعيدا من لغة التصعيد أو الاشتباك السياسي».

وقال المصدر: «تم التعامل مع زيارة أورتاغوس كأنها تدخل أميركي مباشر أو محاولة فرض أجندات خارجية، في حين أن الوقائع تشير إلى حرص واشنطن على عدم الانخراط في الاصطفافات اللبنانية الداخلية، بل الحفاظ على توازن دقيق بين دعم استقرار لبنان وتحفيزه على الإصلاح من جهة، وعدم الغرق في مستنقع الحسابات الطائفية والسياسية المعقدة من جهة أخرى».

وأكد المصدر «أن أورتاغوس لم تحمل معها تهديدات ولا شروطا قسرية، بل جاءت لتؤكد دعم واشنطن للمسارات الديبلوماسية القائمة، سواء فيما يتعلق بضبط الوضع على الحدود الجنوبية، أو بما يخص الحاجة العاجلة لإصلاحات اقتصادية وهيكلية تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان. لكن في المقابل، اختار البعض في الداخل اللبناني، عن سابق تصور وتصميم، استغلال الزيارة كجزء من معاركه الداخلية، وتحديدا معارك انتخابية بدأت مبكرا في البلديات والاختيارية وقد تمتد لاحقا إلى الانتخابات النيابية. فشهدنا استخداما فجا لشعارات تمس بالمصالح السيادية للبنان وتثير الشكوك حول نيات الخارج، بينما الحقيقة أن لا علاقة للولايات المتحدة، ولا للبنان الرسمي، بهذه الحملات التحريضية التي تخدم فقط حسابات داخلية ضيقة. وهذا النهج لا يفاجئ المتابعين للشأن اللبناني، خصوصا في ظل بيئة سياسية هشة ومنقسمة على ذاتها، باتت ترى في كل حدث خارجي فرصة لتسجيل النقاط وتصفية الحسابات، حتى ولو كان الثمن ضرب المصلحة الوطنية أو تشويه صورة الدولة».

واعتبر المصدر ان «ما يزيد من خطورة هذا الواقع هو أن طرفي الانقسام السياسي في لبنان استخدما ذات الأسلوب في مقاربة زيارة أورتاغوس، أي خطاب الشك والتهويل والتحليل الرغائبي الذي يخدم أجنداتهما الداخلية. فبينما ركز فريق على إبراز الزيارة كغطاء أميركي لاستهداف المقاومة أو للضغط باتجاه تسويات إقليمية، قرأها الفريق الآخر كرسالة دعم خفية للسلطة الحاكمة أو كوسيلة لتمرير شروط مالية عبر بوابة الإصلاحات. في الحالتين، تم تجاهل الواقع الديبلوماسي الذي يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة تسعى لضمان استقرار لبنان بالحد الأدنى، لا أكثر، وأنها تركز على القضايا العملية، مثل الحفاظ على الأمن جنوبا، وإبقاء التواصل مفتوحا حول آليات تنفيذ اتفاق الهدنة، إلى جانب دفع لبنان نحو التزامات إصلاحية تسمح بإعادة تحريك عجلة الاقتصاد والدعم الدولي».

وأضاف المصدر: «بين ديبلوماسية أميركية عقلانية تسعى إلى البناء التدريجي لا الفرض، وضجيج داخلي يتسابق فيه المتنافسون على تسجيل النقاط في ملعب الأزمات، يظهر المشهد اللبناني مرة جديدة كصورة مأساوية عن بلد لا يزال أسير نزاعاته الصغيرة، حتى عندما تلوح أمامه فرص خجولة للتهدئة أو الحل. فبدلا من أن تستثمر زيارة أورتاغوس لفتح نوافذ جدية للنقاش حول وقف التصعيد في الجنوب، أو التقدم في خطة الإصلاحات التي يحتاجها لبنان كحبل نجاة اقتصادي، اختار كثيرون الانكفاء إلى الخلف، والانشغال بخطابات خشبية واتهامات عبثية، وكأن لبنان يملك ترف الوقت والمراوغة».

وأشار المصدر إلى «إن القراءة الواقعية لزيارة أورتاغوس تؤكد أن واشنطن لم تغير ثوابتها حيال لبنان، لكنها في الوقت عينه ترفض الدخول في صراعات لا تفيد أحدا».

داود رمال – الانباء الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce