مقالات

هل تمتلك طهران القدرة على التحوّل؟

هل تمتلك طهران القدرة على التحوّل؟

أضاف تشييع حزب الله لأمينيّه العامّين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين المزيد من الدلالات على التصدعات المتلاحقة التي لحقت بالحضور الإيراني في المنطقة. كثافة البيارق الصفراء التي غطت مدارج مدينة كميل شمعون الرياضية وساحاتها لم تكن كافية للتورية على الحقائق والمتغيّرات التي أفضت إليها حرب الإسناد وترتيبات وقف إطلاق النار وسقوط بشار الأسد والتي لا زالت تتفاعل. لقد قدم التلازم بين الحضور الرسمي الوازن للجمهورية الإسلامية أثناء التشييع وتحليق المقاتلات الإسرائيلية في أجواء المكان صورة عن المأزق الذي تعانيه طهران أمام أذرعها كما يعانيه مشروع تصدير الثورة برمّته.
وما بين التمسّك بالمقاومة وممارستها بالأساليب والطرق والتوقيت انسجاماً مع المرحلة وتقدير القيادة شكّلت المواقف المستجدة للأمين العام نعيم قاسم إنعطافة غير مسبوقة للحزب بما يتلاءم مع الموقفين الميداني والسياسي للدولة اللبنانية، ومع ترتيبات وقف إطلاق النار على حدّ سواء. يسجّل لحزب الله الإعتراف باتّفاق الطائف الذي طالما اعتبره دون طموحات الحزب ودوره،  كما يسجّل له الإعتراف بنهائية لبنان وطناً لجميع أبنائه والتشديد بأن جمهور حزب الله هو من أبنائه، وفي هذا إسقاط لأدبيات ولاية الفقية التي اعتبرت لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية في إيران. وفيما أكّد قاسم على مسؤولية الدولة اللبنانية بعد انتهاء مهلة في انسحاب العدو، وأننا أصبحنا أمام احتلال وعدوان وليس خرقاً للإتّفاق، غابت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا عن كلمة الأمين العام للمرة الأولى بما يؤكد استباق أو تجنب أي موقف من سوريا حول هوية المزارع.
عقلانية حزب الله التي شاء قاسم الإعلان عنها أمام جمهوره لم يلاقها التصريح المقتضب لرئيس مجلس الشورى الإيراني «محمد باقر قاليباف» بإطلاق ثلاثية جديدة. فبالرغم من تأكيد رئيس الجمهورية جوزاف عون أمام قاليباف والوفد المرافق له في بعبدا أن لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه، وأنه دفع ثمناً كبيراً دفاعاً عن القضية الفلسطينية، لم يتردد رئيس مجلس الشورى في التصريح من منبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري حصراً دون القصر الجمهوري أو السراي الحكومي بأن إيران تقف الى جانب أي قرار يصدر بالإجماع عن الحكومة اللبنانية والشعب والمقاومة اللبنانية. فهل يعتقد قاليباف أن لمواقفه القدرة على التقليل من وقع المتغيّرات الإقليمية ؟
ترزح طهران تحت تداعيات تفكك حلفائها في لبنان وإخراجها من سوريا بما جعل موقعها الإقليمي أكثر حراجةً. بالتزامن مع ذلك تصر الإدارة الأميركية، كما يؤكد مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، على استراتيجية « الضغط القصوى» التي ترفعها بوجه طهران لعرقلة أنشطتها المقلقة بما في ذلك برنامجها النووي ودعمها «الوكلاء» في المنطقة، وهذا ما يفاقم أزمتها الإقتصادية  ويهدد استقرار وتماسك النظام.
في الوقت عينه، تدرك طهران أن الإلتحاق بالنظام الإقليمي الجديد ليس متاحاً إلا بالشروط الأميركية التي تسعى واشنطن لتطبيقها على كل الجبهات الساخنة في المنطقة. يبدو أن الولايات المتحدة خلصت إلى تجنب الصدام مع الواقع السوسيولوجي المتمثل بالإسلام السياسي في المنطقة، وآثرت السعي إلى تهجين الديناميات التي يختزنها وتوفير الإستقرار  لها لاستثمارها في إطار سياسي جديد. وفي هذا السياق قد تكون الإدارة الجديدة في سوريا هي النموذج المطلوب أميركياً في المنطقة بعد أن انقلبت واشنطن على كل القواعد التي اعتمدتها في المراحل السابقة.
تمثّل الإدارة السورية الجديدة التي يقودها السيد أحمد الشرع التجربة الأميركية لتحوّل الإسلام السياسي المتطرف العابر للحدود إلى إطار سياسي يعترف بالدولة بمفهومها الغربي، بما في ذلك اعتماد الديمقراطية في إنتاج السلطة واحترام حقوق الأقليات وتعزيز مفهوم المواطنة  والمساواة بين المواطنين. وقد تكون في المفاوضات التي نجحت واشنطن في التوصل إليها بالتعاون مع كل من المملكة العربية السعودية وقطر ومصر في قطاع غزة تجربة جديدة لما يمكن تسميته إعادة تدوير الإسلام السياسي من خلال تسوية سياسية تنهي الوجود المسلح في القطاع وإقامة سلطة إدارية تدير القطاع. وقد يكون في تطور تجربة الإسلام السياسي في تركيا التي يقودها حزب العدالة والتنمية ما يحفز واشنطن على تعميمه في المنطقة.  لقد قدّم أردوغان خطاباً متقدماً أول من أمس خلال المؤتمر العام العادي الثامن للحزب  بإعلان عزمه على وضع دستور جديد للبلاد  «يهدم جدار الإرهاب الذي شيّد على دماء أبنائنا منذ 40 عاماً من خلال اتّحاد الأتراك والأكراد والعرب «.
هل تجد طهران نفسها أمام كل ذلك ما يدعوها لإعادة تعريف الجمهورية الإسلامية ودورها في المنطقة؟ وهل يمتلك النظام السياسي في طهران القدرة على التحوّل؟

العميد الركن خالد حماده – اللواء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce