عينٌ إسرائيلية على المطار.. وإشكالية تتعلق بالطيران الإيراني
عينٌ إسرائيلية على المطار.. وإشكالية تتعلق بالطيران الإيراني
جاء في “الراي الكويتية”:
هل يكون احتفاظُ إسرائيل بخمس تلال إستراتيجية داخل الأراضي اللبنانية هو «التعويض»، برضى أميركي، عن التزامِها بالانسحاب من سائر المناطق التي كانت «مَدّدت» احتلالَها لها بموجب «الوقت الإضافي» الذي مُنحت إياه حتى 18 الجاري كي تكمل بـ «يدها» البندَ من اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) الذي نصّ على هدنةٍ من ستين يوماً (انتهى وقتها الأصلي في 26 يناير) كان يُفترض أن تتراجع خلالها تل أبيب إلى ما وراء «الخط الأزرق» و «حزب الله» إلى شمال الليطاني بعد أن يفكّك الجيشُ اللبناني بُنيةَ الحزب العسكرية جنوبه ويَنتشر مع «اليونيفيل» في كامل هذه البقعة؟
هذا السؤال تَرَدَّدَ دويّه بقوةٍ في بيروت وسط إشاراتٍ من تل أبيب لم تَخْلُ من تناقضاتٍ حيال حسْمها مسألة اعتبار 18 الجاري المهلةَ الأخيرة للانسحابِ من آخِر البلدات التي مازالت في قبضتها (غالبيتها في القطاع الشرقي من الجنوب) أو إصرارها على تمديد ثانٍ، في الوقت الذي كان جلياً جزمها بأنها ستُبْقي على احتلالها لجبل بلاط وتلال اللبونة والعزية والعويضة والحمامص والتي تشكل خط دفاع متقدماً عن مستوطنات الشمال المقابِلة وتؤمّن «عيْناً» وإشرافاً إستراتيجياً على القطاعَين الأوسط والشرقي من جنوب لبنان وصولاً إلى «حماية ظهر» الجيش الاسرائيلي في تقدّمه داخل الأراضي السورية ولاسيما جبل الشيخ الذي يَتقاطع حدودياً بين لبنان و«بلاد الشام» وفلسطين.
رون ديرمر
والأكثر وضوحاً في الكلام الاسرائيلي جاء على لسان وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر الذي نقلتْ عنه وكالة «بلومبيرغ» أن بلاده «ستحتفظ بخمس نقاط استراتيجية مرتفعة داخل لبنان بعد انتهاء مهلة وقف النار الثلاثاء المقبل»، موضحاً أن الجيش سيعيد انتشارَه ولكنه سيحتفظ بتلك المواقع الخمسة «حتى ينفّذ لبنان التزاماته بموجب المعاهدة».
ورَفَضَ ديرمر الإفصاح عن المدة التي ستظّل فيها هذه المواقع قائمة، لكنه أشار إلى أن القوات الإسرائيلية لن تُسحب في الأمد القريب، موضحاً أن التزامات لبنان، كجزء من اتفاق وقف النار، لا تشمل فقط إبعاد «حزب الله» عن الحدود الشمالية لإسرائيل، بل تشمل أيضاً «نزع سلاح الميليشيا المدعومة من إيران ومنْعها من إعادة بناء قوّتها».
«الخماسية الاستراتيجية»
وإذ بدا مرجَّحاً أن مطلب إسرائيل بات محصوراً بهذه «الخماسية الاستراتيجية»، في محاولةٍ لتمرير هذا الخرْق لاتفاقِ 27 نوفمبر أميركياً وتبريره بعدم التزام الجانب اللبناني كامل مندرجاته لجهة البدء بمعالجة سلاح «حزب الله» شمال الليطاني ووقف معاودة تعويمه بالمال والمخزون العسكري من إيران، تحدثت تقارير من تل ابيب عن أن الولايات المتحدة وافقت على هذا الطلب في مقابل ما أوردته صحيفة «هآرتس» عن مصادر من أن واشنطن «لم تقرّر بعد الموافقة أو رفض طلب إسرائيل».
وفي الوقت الذي بحث رئيس لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقْف النار والقرار 1701 الجنرال الأميركي غاسبر جيفرز هذه المسألة في إسرائيل قبل أن يعود إلى لبنان ويلتقي الرئيس نبيه بري مساء أمس، يسود ترقُّب لوصول وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى تل أبيب في الساعات المقبلة في إطار جولته في المنطقة وسط تقديراتٍ بأن هذه المحطة ستكون مفصلية في تحديد الإطار الناظم لمسألة النقاط الخمس، على أن تزور في ضوئها الموفدة مورغان اورتاغوس بيروت مجدداً قبل الثلاثاء المقبل.
خمس نقاط
ولم يكن عابراً ما كشفتْه قناة «كان» العبرية عن «بدء الجيش الإسرائيلي بإنشاء خمسة مواقع داخل الأراضي اللبنانية بعد حصول إسرائيل على إذن أميركي لإبقاء قوات عسكرية في هذه المواقع بعد انتهاء الفترة التجريبية لاتفاق وقف النار الثلاثاء»، مشيرة إلى أن «إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة أخيراً تمديد فترة الاختبار لمدة أسبوع ونصف أسبوع آخريْن وهو ما قوبل بالرفض لتقدّم تل أبيب مطلباً بديلاً قبِله الأميركيون وهو إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي في خمس نقاط مراقبة تسمح برصد ما يحدث على الأرض».
القبعات الزرق
وفي ضوء رفْض لبنان الرسمي مثل هذا التطور الذي يعني الإبقاء على أراض لبنانية محتلّة ولأجَل غير مسمّى وفق ما حملتْه الأجواء التي نُقلت من تل أبيب، وهو ما كرره الرئيس جوزف عون أمس معلناً أنه «يتابع الاتصالات لإلزام إسرائيل بالانسحاب في 18 الجاري، ويتواصل مع الدول المؤثرة ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا للوصول إلى الحل المناسب»، بقي التداول بسيناريوهين لمسألة النقاط الخمس: فإما تبقيان تحت الاحتلال وفق الإصرار الاسرائيلي بهدف تعزيز أمن مستوطنات الشمال عشية موعد عودة سكانها مطلع مارس ولإبقاء لبنان «تحت الاختبار الدائم» في البنود المتعلقة بسلاح حزب الله شمال الليطاني، وإما تكون هذه المواقع في عهدة اليونيفيل (والجيش اللبناني) معزَّزيْن بعناصر أميركية وفرنسية ولكن تحت راية القبعات الزرق.
وفي الوقت الذي أكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي خلال لقائه نظيره اللبناني يوسف رجي (على هامش المؤتمر الوزاري حول سورية الذي استضافته باريس) «ضرورة تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية جنوب لبنان والانسحاب الفوري غير المنقوص للقوات الإسرائيلية وتطبيق القرار 1701 من جانب كل الجهات دون انتقائية» مشدداً على «استعداد القاهرة لتقديم كل أشكال الدعم للبنان وتنفيذ أولوياته الوطنية بما يحفظ سيادته ووحدته وأمنه واستقراره»، تردّد في أكثر من اتجاه صدى أول جدار صوت منذ سريان اتفاق وقف النار نفّذه الطيران الحربي الاسرائيلي فوق أجواء بيروت وضواحيها وتسبب بحال ذعر بين السكان.
وإذ اعتبر البعض هذا التطور بمثابة «جرس إنذار» إسرائيلي بـ «الصوت الهادر» للبنان الرسمي ربطاً برفضه التسليم ببقاء الاحتلال للنقاط الخمس، فإن أوساطاً مطلعة استوقفها توقيت «الخرق الصوتي» الذي تزامن مع مضبطة اتهام خطيرة جديدة لمطار رفيق الحريري الدولي وجّهها الناطق باسم الجيش الاسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي الذي كتب على «اكس» أن «فيلق القدس الإيراني وحزب الله يستغلان على مدار الأسابيع الأخيرة مطار بيروت من خلال رحلات مدنية وذلك في محاولة لتهريب أموال مخصصة لتسلح حزب الله بهدف تنفيذ اعتداءات ضد دولة إسرائيل».
وأكد أن الجيش الاسرائيلي «يبقى على تواصل مع آلية المراقبة لتطبيق وقف النار وينقل معلومات معينة بشكل متواصل لإحباط أعمال النقل هذه»، لافتاً إلى أنه «رغم الجهود المبذولة تشير تقديراتنا إلى نجاح بعض من محاولات تهريب الأموال هذه، ولن نسمح بتسلح حزب الله وسنعمل من خلال جميع الوسائل الموجودة لفرض تطبيق تفاهمات اتفاق وقف النار وذلك لضمان أمن مواطني دولة إسرائيل».
ولم يقلّ دلالة ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي من فيديوهات لزوّار لبنانيين في العتبات المقدسة في إيران يحتجّون في مطار طهران الدولي بعد ما قيل عن منْعهم من العودة إلى بيروت وعدم منْح الإذن للطيران الإيراني بالهبوط في مطار رفيق الحريري، وسط تقارير عن أن طائرة كان من المفترض أن تقلع عند الساعة 14:30 بعد الظهر بتوقيت طهران لم تكن طارتْ بعد أكثر من 4 ساعات على موعدها.
ومساء، تفاعل عدم منح إذن للطائرة الإيرانية التي كانت آتية إلى بيروت بالهبوط في مطار رفيق الحريري، حيث عمد مناصرون لـ«حزب الله» إلى قطع طريق المطار احتجاجاً وسط دعوات إلى فرض معادلة «لا رحلات من طهران، لا رحلات من أي مكان» مع رفض ما وُصف بالائتمار لطلبات إسرائيل والولايات المتحدة واتهاماتهما بأن هذه الرحلة وغيرها (من طهران) تحمل شبهات نقل أموال إلى حزب الله.
وسُجلت إشكالات بين المحتجين وعناصر من الجيش في محيط المطار الذي ارتبكت الحركة فيه نتيجة الاحتجاز القسري للركاب على الطريق.
مطار بيروت
وتعليقاً على ما جرى، قال مصدر في الطيران المدني اللبناني لموقع «النهار» الإلكتروني: «لا أذونات للطيران الإيراني للهبوط في مطار بيروت، والطائرة التي من المفترض أن تقلّ اللبنانيين لم تُقلع من مطار طهران بعد، كما أنّ الأذونات تُمنَح من الطيران المدني اللبناني التابع لوزارة الأشغال العامة والنقل».
ويترافق ذلك مع مخاوف يثيرها خصوم «حزب الله» من أن تتحوّل مناسبة تشييع الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين في 23 الجاري خاصرةً رخوة لجهة إدخال أموال مع الوفود من أكثر من دولة التي ستزور لبنان للمشاركة في مراسم الوداع الضخمة (ستقام في مدينة كميل شمعون الرياضية وتُستكمل على طريق المطار حيث سيمرّ النعشان قبل المواراة)، إلى جانب الخشية من دعواتٍ لمناصرين للحزب لتحركات على طريق المطار عشية التشييع.