مقالات

عن صاروخ السنفورة ونشوة الضابط وأصول الضيافة اللبنانية

عن صاروخ السنفورة ونشوة الضابط وأصول الضيافة اللبنانية

لا شيء يثير البهجة في الجبهة الجنوبية. هناك ما يدعو للحزن ويثير السخط العارم. خمس قرى حدودية في جنوب لبنان لا تزال محتلّة من قبل العدو الإسرائيلي، تعرّض جميعها لإبادةٍ عمرانيّةٍ ولم يبق فيها منزلٌ واحد.

هذه القرى التي تعجّ بشهداء لم نحظ بجثامينهم بعد، يلفّها مصير غائمٌ لأنّ الانسحاب الإسرائيلي منها غير محتّمٍ مهما «أخذنا» وعوداً ديبلوماسيّة. لا شيء يثير البهجة في الجبهة الجنوبيّة، والمؤسّسة العسكريّة أكثر من يعلم في هذا الشأن. من أين نبعت تلك الغبطة الفائضة التي اعترت العسكريّ في الجيش اللبناني الواقف بجانب المبعوثة الأميركيّة مورغان أورتاغوس؟

أربعون شهيداً من الجيش اللبناني قضوا في الحرب الأخيرة إثر الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مراكزهم. يحضرنا في هذا السياق اسم محمّد فرحات فوراً. الشهيد الذي تلخِّص سيرته مفردة واحدة: البطولة. في صورة محمّد فرحات وهو يعاند جنود العدوّ ويتوعدهم دلالات الصمود والتصدّي. إنها دلالةُ المقولة: «شعب، جيش، مقاومة» باختصار.صورة تظهر أميركا وهي تنزع منّا سلاحاً يحارب إسرائيل

الصورة الفوتوغرافية لمورغان أورتاغوس بجانب العسكري اللبناني المبتهِج تمثِّل حقيقةً لا نريد أن نراها. إنّها صورةُ واقعٍ لا نريده أن يكون حاضراً.

يوم السبت الفائت، أقلّت مروحيّةٌ تابعةٌ للجيش اللبناني مورغان أورتاغوس إلى مركزٍ عسكريٍّ في جنوب لبنان لكي تكشف عن المهمات الموكلة إليه في مصادرة أسلحة المقاومة تطبيقاً للاتفاق المفضي إلى وقف إطلاق النار وحتّى تشرف على حسن تنفيذه.

أن تحطَّ أورتاغوس في جنوب لبنان عبر الهليكوبتر، فهذا من ناحيةٍ، دليلٌ على كرم الضيافة والشهامة الذي نمتاز بهما نحن اللبنانيّون، ومن ناحيةٍ أخرى خدمة مجّانية للمبعوثة الأميركية، لأنّ طريقها نحو الجنوب لم يكن سالكاً تماماً… أو فلنقل لم يكن بأفضل أحواله. ذاك أنّ تظاهراتٍ حصلت تنديداً بتصاريحها المقيتة التي أدلت بها من قصر بعبدا صباح ذاك اليوم، قطع على إثرها بعض الشبان الطريق أمامها، رافضين توجّهها إلى الجنوب. لكن مورغان أورتاغوس التي تحيل كنيتها إلى الحكماء السبع عند الإغريق، وصلت إلى مكانها المرجوّ وأتمّت مهمَّتَها بنجاحٍ. جزءٌ من المهمّة منوط بإيصالها رسالةً لمن لا نخاطبه نحن لأنّه، ببساطة، عدوّنا.

بوسع الفوتوغرافيا دفع القول إلى أقصاه من دون الحاجة إليه. بوسع الفوتوغرافيا المخاطبة من دون الاستعانة بالكلام. نشرت مورغان أورتاغوس صورة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تحمل صاروخ كاتيوشا، بجانبها ضابط في الجيش اللبنانيّ يكاد يتهاوى من شدّة الفرح وأرفقتها بعبارة «كلّ ذلك في نهارٍ واحد». هل عنت مورغان أورتاغوس حقاً أنّ ذاك النهار أنهكها من شدّة العمل… التعب؟ الواضح في الصورة، أنّ ثمة إنجازاً معيّناً يُحتفى به.

نحن إزاء بطولة معكوسة إذا ما قارنّا هذه الصورة التي نرى فيها أميركا تنزع منّا سلاحاً يحارب إسرائيل مع صورة محمد فرحات. لا تقول لنا هذه الصورة إنّ أميركا تزيل «ما تبقى» من السلاحٍ لأنّها «عظيمة» وتتحجّب في كونها «صديقة» فقط، بل إنها تشير إلى أنّ هناك جانباً لبنانياً يشغل منصباً رسمياً يبدو وجهه متوّهجاً، وخدوده ورديتين، وضحكته عريضة لأنه سعيد جداً بهذا «الإنجاز».

الرسالة هنا ليست لنا في الدرجة الأولى. ثمة من تعنيه هذه الصورة وهي موّجهة له بشكلٍ خاص. مورغان أورتاغوس نموذج عن الفظاظة الترامبية، حيث العلاقات الديبلوماسية تغدو الرجعة إلى الديكتاتور والإذعان لسلطته. أورتاغوس تتوجّه لإسرائيل بشكل مباشر وتخاطبها بشكل علنيّ: «أنا أنوب عنِك» الآن. تكثّف هذه المرة المبعوثة الأميركية استفزازها لنا- الذي يضمر نيّة متوحّشة- في استعمالها الجيش اللبناني كومبارس، أو مطيّة لقبول ما لا يمكن القبول به.

الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce