أزمة تبدّل المناخ والحاجة إلى الدبلوماسية الفاعلة
أزمة تبدّل المناخ والحاجة إلى الدبلوماسية الفاعلة
فيصل مصلح
تُشكّل أزمة المناخ خطراً وجودياً على البشرية، إذ أكّد الخبراء أن الجهد العالمي في مكافحة التداعيات البيئية للاحتباس الحراري لم يتوصل بشكل فعّال إلى تحقيق الهدف المناخي لاتفاقية باريس التي أقرّت في العام 2015. منذ اليوم الأول لبدء ولايته الثانية والأخيرة، بادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى توقيع قرار انسحاب الولايات المتحدة الثاني من اتفاقية باريس للمناخ، بعدما كان قد قام بالخطوة نفسها إبّان ولايته الأولى، قبل أن يُقرّر خصمه الديموقراطي الرئيس جو بايدن العودة للاتفاقية فور وصوله إلى البيت الأبيض في العام 2021. ومن المتوقع أن يؤدي قرار ترامب الجديد إلى تنامي التحديات بوجه المسار الدبلوماسي والمفاوضات الدولية بشأن مكافحة تداعيات تبدّل المناخ، وذلك بسبب مكانة الولايات المتحدة وأهميتها في المعادلة السياسية الدولية بشكل عام وتأثيرها على العدالة المناخية بشكل خاص. ضمن هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أنه تم توقيع اتفاقية باريس للمناخ في العام 2015 وتهدف الاتفاقية إلى العمل على الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من 2 درجة مئوية، ويُفضل أن يكون إلى 1.5 درجة. وبالرغم من كافة الجهود الدولية واجتماعات قمة الأطرف السنوية (COP)، ما زالت أزمة تبدّل المناخ تتنامى وتتخذ بُعداً جيوسياسياً وتستمر حرارة الكوكب في الارتفاع والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة وأخرها الحرائق التي اندلعت في لوس أنجلوس في الأسابيع الأخيرة. تمتد تداعيات تبدّل المناخ لترتبط بالأمن العالمي، اذ أن هناك علاقة سببية بين تبدّل المناخ والحروب والهجرة، إذ توفّر محدودية الموارد الطبيعية أرضًا خصبة للعنف ولازدهار الجماعات المتطرفة والإرهابية عبر توسيع نطاق تأثيرها، حيث أن تأثير تغير المناخ على النزاعات المسلحة وعلى الأمن البشري هو حقيقة مؤكدة أسباب ترامب يشير خبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي، في حديث لموقع “الجزيرة نت”، إلى أن قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ “كان مدفوعاً بتصور أن الاتفاقية تفيد دولاً مثل الصين والهند بينما تضر بالولايات المتحدة”(1).
ويعتبر د. محمد أبو سريع في مقالة له في موقع “القاهرة الإخبارية”، تحت عنوان “كيف تبدو العدالة المناخية في فكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”؟، أنّه في ضوء فكر ورؤية ترامب للعدالة المناخية “لن يكون الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ هو الخطوة الأخيرة من جانب إدارته في غير صالح مجال البيئة والتغيّر المناخي”(2). وبالرغم من التحديات التي ترافق المفاوضات الدولية لمكافحة تبدّل المناخ وتلك التي ستنتج عن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، تبقى الدبلوماسية هي الوسيلة الأنجح لتقريب وجهات النظر بين واشنطن والدول الأعضاء في الاتفاقية والهيئات الدولية المعنية بقضية المناخ. ضمن هذا السياق، يعتبر كلٌ من د. حمزة جمّول ود. ايمانويلا لوتشي، في كتابهما، «دبلوماسية المناخ – الحلول الدولية والوطنية»، أن دبلوماسية المناخ هي ضرورة لتعزيز إطار التعاون المتعدد الأطراف والتعاون الثنائي، كما أنها تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسات والاتفاقيات الدولية وتعزيز الانسجام بين الدول والهيئات الدولية، وهذا سيساعد في بلورة حلول عملية عالمية وموحّدة(3).
التداعيات وتمتد تداعيات تبدّل المناخ لترتبط بالأمن العالمي، اذ أن هناك علاقة سببية بين تبدّل المناخ والحروب والهجرة، إذ توفّر محدودية الموارد الطبيعية أرضًا خصبة للعنف ولازدهار الجماعات المتطرفة والإرهابية عبر توسيع نطاق تأثيرها، حيث أن تأثير تغير المناخ على النزاعات المسلحة وعلى الأمن البشري هو حقيقة مؤكدة. ويشير كلٌ من د. حمزة جمّول ود. ايمانويلا لوتشي، في كتابهما المذكور أعلاه، إلى أن العلاقة بين المناخ والحروب والهجرة، “أصبحت تحتلّ حيّزاً هاماً في نقاشات الدول وداخل المنظمات الدولية وخصوصاً الأمم المتحدة في ضوء الدراسات التي تشير إلى أن ما بين 3 % و20 % من نزاعات القرن الماضي نتجت عن عوامل مرتبطة بالمناخ، وستزداد نسبة هذه النزاعات مع إستمرار إرتفاع الإحتباس الحراري(4).
من هذا المنطلق، يُشير كل من د. أيمن الدسوقي و د. شريفة الرئيسي في دراسة حول “دبلوماسية المناخ والتعاون الدولي”، إلى إنّ أزمة المناخ هي قضية طوارئ عالمية تمسُّ مجالات متنوعة من السياسة الدولية والخارجية وتتطلّب نمطًا جديدًا من التعاون الدولي، في صورة دبلوماسية متعددة الأطراف. ختاماً، وفي ضوء التحديات التي يواجهها العالم التي تتسارع وتيرتها وتساهم في تغيير خارطة التحالفات بين الدول بناءً لمصالحها الاقتصادية وخصوصاً تلك المتعلقة بالتأثير والسيطرة، تبرز أزمة المناخ كتهديد عالمي. يتطلب هذا الأمر موقفاً جريئاً من قادة العالم وأن يتوحد الجميع من منطلق المصلحة العامة وخلف الدبلوماسية الفاعلة التي تبقى الوسيلة الأفضل والأنجح لايجاد حلول مستدامة لأزمة تبدّل المناخ(5).