التصحّر يدقّ أبواب لبنان ولا سياسة لإدارة المياه.. هل يتوقف المزارعون عن الزراعة في تمّوز؟
التصحّر يدقّ أبواب لبنان ولا سياسة لإدارة المياه.. هل يتوقف المزارعون عن الزراعة في تمّوز؟
قد تكون حالة الجفاف المائي وشح المطر، التي يعانيها اللبنانيون، هي الأزمة الوحيدة غير الممهورة بـ”صنع في لبنان”. وفيما الكلمة الفصل في أزمة شح المتساقطات تبقى للطبيعة، والرضى “أو الغضب” السماوي، تبقى بالمقابل للدولة اللبنانية، ومؤسساتها ذات الصلة بالملفات المائية والزراعية، المسؤولية الأولى تجاه التراخي واللامبالاة المزمنة في وضع الخطط العلمية اللازمة، أو بناء المنشآت والبنى التحتية الضرورية، لمواجهة أزمة تاريخية، لن تتأخر تداعياتها، في فرض واقع صعب ومرير على القطاعين السياحي والزراعي، والاقتصاد اللبناني عموماً.
انحباس المطر الشامل، وتأخر “الجنرال الأبيض” في تغطية جبال لبنان، يشير إلى أن الصيف المقبل قد يكون صعباً مائياً، وكارثياً على الزراعة وبعض السياحة، ما لم تبادر الحكومة الجديدة إلى اتخاذ إجراءات صارمة، لضبط فلتان حفر الآبار، وإقفال غير الشرعي منها، حفاظاً على مخزون المياه الجوفية، وإبعاداً للتلوّث عنها.
وفي هذا الصدد، يتقاطع خبراء بيئيون ومهندسون زراعيون، على التحذير من استمرار استخدام الآبار الارتوازية بإفراط، من مزارعين يملكون طاقة شبه مجانية، كالطاقة المتجددة، حيث يعمد بعضهم، إما إلى الاستخدام غير البيئي والمفرط للمياه المستخرجة، أو بيع المياه من أصحاب الصهاريج والمؤسسات الصناعية، وتحويل وجهة استخدام آبارهم إلى غير أهداف الرخصة التي يحوزونها، هذا إن وُجدت.
في ظاهرة غير مسبوقة منذ 25 عاماً، لم يتخطّ معدل الأمطار خلال شهر كانون الثاني 2025، 20 ملم، أي أقلّ من 10% من المعدل الشهري المعتاد، ووفق مؤسسة مياه بيروت يتم الافادة من 17% فقط من مياه المتساقطات. وهذا يعني وفق أكثر من مصدر معني في قطاع المياه، أن لا إجراءات وقائية أو سياسة لإدارة المياه تجنب الأزمة المرتقبة. هذه السياسة تحتاج إلى سنوات من التخطيط. والمعروف أن 80% من المياه العذبة مصدرها الثلوج التي تغذي المياه الجوفية.
صاحب محميّة عميق ميشال سكاف رفع الصوت عالياً حيال ما ينتظر المزارعين من مخاطر تتعلق بشح مياه الآبار، إذ إن مستوى المياه فيها هو نفسه في فترة تشرين، بما يعني أن لا تحسن في نسبة المياه، لافتاً إلى أنه بات استخراج المياه يتم على عمق 300 متر وهو ما “يرتب على المزارع كلفة ضخمة لتغطية أعمال ضخ المياه وغيرها بما تزيد 50% عدا عن الخطورة في تشقق الآبار، وإن لم نشهد هذا الموسم مياه أمطار تعلو الملوحة في المياه، بما يعني أننا على أبواب التصحر. ويلفت الى مسألة في غاية الأهمية وتسهم في انخفاض نسبة المياه في الآبار، وهي أن أصحاب الآبار الذين يشغلونها على الطاقة الشمسية يعمدون إلى ريّ مزروعاتهم ساعات أكثر مقارنة بتشغيلهم المولدات على المازوت، على اعتبار أن لا كلفة إضافية قد يتكبّدونها”.
ولا يعوّل سكاف على الانفراجات المتوقعة في شهر شباط الجاري، مع تخوفه من أن هطل الأمطار بكميات كبيرة ودفعة واحدة سيشكل خطراً أكبر على المزروعات مع إمكان جرف التربة.
“إذا تراكمت الثلوج على الجبال، فإن الأمر يتطلب نحو 18 شهراً ليذوب ويصبّ في الينابيع. لذا يعكف أصحاب الأراضي والمزارعون في البقاع على تكثيف اجتماعاتهم للتباحث حيال كيفية تدارك ما ينتظرهم من شح للمياه وتقاسم الكلفة، والتنسيق في نوعية الزراعات والفترة التي يمكن التوقف فيها عن الزراعة”. ويقول سكاف “نتبادل المعلومات لإدارة حسنة، علماً بأن المزارعين في البقاع لديهم إدارة جيدة لمزروعاتهم، ويستخدمون المكننة والأساليب الحديثة في الريّ”، لافتاً في السياق إلى أن “الاتجاه هو للتوقف عن زراعة أي موسم بدءاً من تموز نظراً إلى شحّ المياه”.
وأشار الى أن “المزروعات التي تحتاج إلى ريّ مياه بكثرة وفترة زراعة أطول، هي الزراعات العلفية (الذرة، الفصة)، والجزر، الخضر والحشائش عموماً”.
وإن كان أهل القطاع في البقاع يعيشون حال طوارئ زراعية، يبدو أن رئيس جمعية المزارعين أنطوان الحويك مطمئن إلى الوضع “المائي” ويستند بذلك إلى أنها ليست المرة الأولى التي يعيش فيها لبنان مثل هذه الحالة، إذ ثمة سنوات شح وسنوات أخرى فيها معدل متساقطات بنسب أكثر من المعدل. وتالياً لا يمكن التيقن بكميات الأمطار التي ستهطل قبل نهاية الموسم، خصوصاً أن ثمة مفاجآت متوقعة في شهر شباط. ويشير إلى أن “التغيير الحاصل هو أن درجة حرارة لبنان ارتفعت درجتين ونصف درجة عن معدلها منذ 50 سنة حتى اليوم. بالنسبة إلى المتساقطات، كل سنة لها “ملائكتها وشياطينها”، إذ ثمة سنوات يزيد المعدل بمرة ونصف وسنوات أخرى ينخفض المعدل العام إلى النصف. وما يتغيّر أيضاً هو أن المتساقطات كانت تتوزّع على مدار الموسم فيما حالياً تقتصر على فترات أقل بنسب متساقطات كبيرة. فالشتاء الغزير الذي يتدفق مرة واحدة قد يتسبّب بفيضانات، ويختلف كلياً عن الشتاء المنتظم. وتالياً فإن القدرة على تخزين المياه في الحالة الأولى هي أقل بكثير من القدرة على التخزين في الحالة الثانية.
ويختم بطمأنة المزارعين إلى أن “الأمور طبيعية، وثمة مخزون وافٍ من المياه في الطبقات الجوفية، حتى وإن أصبحت على أعماق أكبر” والمشكلة في رأيه هي في عدم وجود سياسة لإدارة مياه.
سلوى بعلبكي- “النهار”