ما تبقّى من سلاح “حزب الله” واستخداماته: إشكالية استمرار الدويلة مع صعود الدولة
ما تبقّى من سلاح “حزب الله” واستخداماته: إشكالية استمرار الدويلة مع صعود الدولة
يتابع المراقبون تطور مواقف مسؤولي “حزب الله” التصعيدية من الجهود الداخلية والخارجية المبذولة لعودة الدولة اللبنانية وإزالة الدويلة، مما دفع بعضهم إلى التساؤل عمّا تبقّى من قدرات “حزب الله” بعد الحروب والتطورات في لبنان والمنطقة وانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة من خارج اللوائح التي دعمها الحزب. ورغم تنوع عناوين الحملات الإعلامية التي ينفّذها الجيش الإلكتروني للحزب، بالتنسيق مع وسائل إعلام مقربة منه، فإن ما يجمعها هو هدف واحد يتمثّل بحماية سلاح الحزب ومنع الدولة اللبنانية من مصادرته تنفيذاً لخطاب الرئيس جوزف عون حول “حصرية السلاح” بيد القوى الشرعية، كما هو الحال في كلّ دول العالم.
تشير تقديرات غربية غير مؤكّدة إلى أن “حزب الله” فقد في الحرب الأخيرة حوالي سبعين في المئة من ترسانته العسكرية، وذلك نتيجة الاختراق الاستخباري الكبير الذي مكّن إسرائيل من تدمير العديد من مخازن الأسلحة والصواريخ. كذلك تمكّنت القوات الإسرائيلية من الوصول إلى معظم قواعد الحزب ومراكزه حتى عمق عشرة كيلومترات من الحدود ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة التي تقوم باستعراضها إعلامياً بين الوقت والآخر. إنما كلّ هذا لا يعني أن الحزب لم يعد مسلحاً، فهو ما زال يملك كميات من الصواريخ والأسلحة المتنوّعة في منطقة شمال الليطاني. ويعتقد بعض المراقبين بأن الحزب لا يزال يمتلك بعض الورش والمنشآت لتصنيع صواريخ الكاتيوشا والغراد وتجميعها، وهي التي أشار اتفاق الهدنة إلى وجوب تسليمها إلى الجيش اللبناني خلال فترة الستين يوماً، كما أن الحزب لا يزال يملك مقاتلين وأعاد تشكيل قيادته العسكرية والسياسية.
لكن ما وظيفة هذا السلاح بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني في جنوبي لبنان؟ تكرّر قيادات الحزب السردية القديمة بأن الجيش اللبناني ضعيف وغير قادر على حماية اللبنانيين، وبأنها تملك قدرات أكبر من الجيش تستطيع أن تهزم إسرائيل وتردعها. مشكلة سردية “حزب الله” تكمن في أنها لم تعد مقنعة في ضوء نتائج الحرب الأخيرة التي جرّ الحزب نفسه ولبنان إليها تحت شعار حرب إسناد غزة، ووصفه قتلاه بأنهم “شهداء على طريق القدس” وليس دفاعاً عن لبنان. فترسانة “حزب الله” لم تردع إسرائيل، ولم تستطع هزيمة الجيش الإسرائيلي ومنعه من احتلال أكثر من ثلاثين قرية على طول الحدود الجنوبية وتدميرها، ولم تحمِ المدن والبلدات في عمق الأراضي اللبناني من الغارات الكثيفة والعنيفة للطيران الإسرائيلي، الذي دمّر آلاف المنازل، وألحق خسائر مادية تقدّر بمليارات الدولارات، وبشرية بآلاف الضحايا.
بناءً عليه، فإن سلاح الحزب فشل في حماية لبنان وردع إسرائيل، وأهدافه ليست محصورة بالدفاع عن لبنان، بل بخدمة مصالح محور الممانعة بقيادة إيران. وهذه حقيقة باتت واضحة للعديد من أبناء بيئته وممن كانوا يدعمونه من سكان الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. وتتزايد التساؤلات عن أهمية الحفاظ على السلاح بعد أن يسحب مقاتليه وأسلحتهم من جنوب الليطاني. فما هي الحاجة إلى السلاح شمال الليطاني؟ الجواب المنطقي هو أنه يريد الحفاظ على ما أمكن من مقدرات دويلته بانتظار تغيّر الظروف الإقليمية بشكل يسمح بإعادة بناء جسور الدعم بالسلاح والأموال من إيران. وليتمكّن من تحقيق ذلك، يسعى الحزب اليوم لفرض نفسه في داخل الحكومة الأولى للعهد للعمل من داخلها بهدف حماية سلاحه ولاستغلال مقدرات الدولة لتمويل بقاء الدويلة ومؤسساتها وأجهزتها المختلفة.
يلمح الحزب إلى تحرك ما في اليوم الـ 61 للهدنة إذا لم تنسحب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من جنوبي لبنان. لا أحد يعلم ما شكل هذا التحرك، ولكن إن اعتبرنا أنه سيكون عسكرياً مثل مهاجمة قواعد أو آليات للجيش الإسرائيلي، فإن هذا سيشعل الحرب مجدداً، بشكل قد يكون أعنف مما كان عليه، في ظل وجود إدارة الرئيس دونالد ترامب الأكثر تشدّداً ضد إيران وأذرعها في المنطقة. وسيؤدي هذا إلى خسارة لبنان المزيد من الأراضي في الجنوب، وإلى مزيد من الدمار والتهجير في البقاع والجنوب وضاحية بيروت، وربما ضرب بنيته التحتية هذه المرة.
تدرك قيادة الحزب حجم المخاطرة والتحديات في فتح جبهة مع إسرائيل في هذا التوقيت. وبالتالي فهي تصعّد من لهجة التهديد للإيحاء بفاعلية دور سلاحها بعد حرب تصرّ على أنها انتصرت بها رغم كل ما جرى وقناعة الجزء الأكبر من الشعب بعكس ذلك. وستعمد هذه القيادة إلى تجييش ما أمكن من الرأي العام في بيئتها لتحرّكات شعبية في أماكن عدة لتظهر قوتها من أجل كسب حصانة أكبر لسلاحها الذي يحمي استمرارية الدويلة.
بحسب مسؤول رفيع ونائب سابق في “حزب الله”، وفي حديث خاص بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، كشف عن أن قيادة الحزب كانت تعتمد على النفوذ السوري في لبنان من أجل توفير غطاء سياسي وشرعي لسلاحه ومؤسساته، ولذلك لم يكن يصرّ على المشاركات في الحكومات اللبنانية. وأضاف أنه بعد الانسحاب السوري بات ضرورياً للحزب أن يكون له ولحلفائه وجود فاعل في داخل الحكومة اللبنانية لإبقاء الشرعية للسلاح وتعزيز نشاطاته، فكان السابع من أيار (مايو)، ومؤتمر الدوحة الذي وفّر الثلث الضامن لفريقه، ومكّن دويلته من النمو وبناء قدرات عابرة للحدود. وتكرار السابع من أيار لن يكون مجدياً بعد فقدان الحزب الحليف السوري ومعظم حلفائه في داخل لبنان، ولوجود مليوني لاجئ سوري قد يستخدمون ضدّه في حرب أهلية.
أما اليوم، وفي ضوء المتغيرات الكبيرة في لبنان ومحيطه، فإن قواعد اللعبة اختلفت، وهذا ما يجب أن تعمل الدولة اللبنانية بقيادتها الجديدة والقوى الشيعية الأخرى، على إقناع “حزب الله” به. يجب أن تكون هناك شروط للمشاركة في الحكومة تتضمّن القبول المسبق للأحزاب بتطبيق القرار 1701 واتفاق الهدنة، جنوب الليطاني وشماله بشكل كامل. ومن دون السلاح ستزول الدويلة. فلم يعد مقبولا داخلياً ودولياً السماح للحزب المشاركة في الدولة لاستغلالها في بناء دويلته لخدمة مشروع خارجي وإيديولوجي.
رياض قهوجي- “النهار”