السيّدة الأولى و”سائقة الفان” التي عرفتها
السيّدة الأولى و”سائقة الفان” التي عرفتها
كتبت ماريان زوين في “نداء الوطن”:
كنا نتنقل على طرقات واسعة وسط خضار لا ينتهي في سويسرا، كان ذلك جزءاً من زيارة رسمية لوفد لبناني، هدفها التعلّم من التجربة السويسرية في المجال الانمائي وإيجاد حلول يمكن تطبيقها في وطننا.
كنّا ننتقل في “فان” متواضع تقوده سيّدة من الجمعيّة، التي ترافقنا في الرحلة. لم يكن أحد منّا يعرف الكثير عن حياتها الشخصيّة أو مسيرتها المهنيّة سوى أنها موجودة وفريقها لمرافقتنا ودعمنا. وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث مع سائقة “الفان”، اكتشف زميلي أنها نائبة في البرلمان.
لم يصدق زميلي الأمر، سألها مذهولاً: “نائبة برلمان وتقودين الفان بنفسك؟”، ابتسمت بهدوء وأجابت بتلقائية: “نعم، ولمَ لا؟”. لكنه أصرّ، وطلب التقاط صورة معها، ما أثار استغرابها وقالت: “لماذا أردت أن تتصوّر معي الآن؟”.
يوم الخميس، في قصر بعبدا، عادت هذه القصة إلى ذهني. كان الجوّ هادئاً في الباحة الرئيسية للقصر حيث نتواجد كصحافيين في بقعتنا المعتادة.
سمعت إحداهنّ تقول: “شو؟ غيّرتِ قصّة شعرِك؟”، نظرت إلى الناحية التي أتى منها الصّوت، لأكتشف أنّ السؤال طُرح على السيّدة الأولى نعمت عون، التي دخلت القصر وتوجّهت إلى الصحافيين بعفويّة، وألقت التحيّة عليهم مؤكّدةً مرّة جديدة أنّ وجودهم يشير إلى أنّ الحياة عادت إلى المقرّ.
“أوّل يوم اتأهّلو فيّي وقالولي يا هلا يا سيّدة القصر، اطّلعت لقيت القصر فاضي، بتكبّ الإبرة بتسمع رنّتها… هلّق معكن رجع القصر يعيش”، هذا ما أضافته عون خلال دردشتها مع الصحافيين. تذكّرت على الفور سائقة “الفان” السويسريّة، حينما استغربت زميلة لي تصرّف عون “القريب من العالم”، والتي أجابتها: “في عملي السابق كنت دائماً أتساءل، لماذا توضع كل تلك الحواجز بين المسؤولين والشّعب؟ لماذا في الخارج المسؤولون وأولادهم قريبون جدّاً من الناس، بينما عندنا نضع تلك المسافات؟”.
لماذا نضع كل تلك المسافات؟ تساءلت… ربّما لأننا اعتدنا على أنّ القرب من المسؤول يشترط أن يكون الزعيم هو “البيك” أو “الشيخ” الذي يقرّبك منه حول مائدة “رز ع دجاج”، شرط أن تلبّي أوامره ومصالحه، أو لأننا اعتدنا على المسؤول الحَذِر، كوننا نعيش في وطنٍ مسلوبة دولته وذاكرته ما زالت مثقلة باغتيالات طالت نواباً ومسؤولين بين أهلهم وناسهم.
ربما ما نحتاجه اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، هو أن تتحول هذه الروح الإيجابية التي أظهرتها السيدة الأولى وزوجها الرّئيس إلى أفعال ملموسة. أن يُترجم هذا الجو العفوي، إلى قرارات سياسية تُغيّر الواقع فعليّاً، تبدأ بحكومة تحمي السيادة، تحفظ الأمن وتُرسّخ المواطنة، وتمتدّ لتؤسس دولة يشعر فيها الجميع بالانتماء والأمان.
حينذاك، لن تصبح الحكايات عن التواضع والبساطة مجرد استثناء جميل نتغنى به عند حديثنا عن سلوك نائب، أو وزير، أو حتّى رئيس، بل قاعدةً في دولة حقيقيّة غير ناقصة، نتفضّى فيها للحديث عن مشاريع إنمائيّة، ثقافيّة وفنيّة، ولا نُقمع بعبارة: “حلوين بس مش وقتن هلّق”.
استأذنت عون بعد انتهائها من الدردشة قائلةً: “يلّا منشوفكن، خلّينا نطلع نتغدّى”، فسألناها: “شو الغدا؟” أجابت: “رز ع دجاج، اتفضلّوا…”.
وكلّنا أمل أن يكون طبق “رز ع دجاج” مختلف عن كل ما سبقه!