خطابات القسم في لبنان… وعود تاريخية لكن العبرة بالتنفيذ
خطابات القسم في لبنان… وعود تاريخية لكن العبرة بالتنفيذ
يكاد يكون الرئيس المنتخب العماد جوزاف عون من بين الرؤساء القلائل الذين قوطعوا بالتصفيق أكثر من مرة من قبل النواب خلال تلاوته خطاب القسم أمام البرلمان. فرئيس الجمهورية الذي قدم رؤيته حول كيفية إدارة البلاد خلال الأعوام الست المقبلة، اعتمد أسلوباً مباشراً وواضحاً لعناوين سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وقضائية تشغل بال اللبنانيين التواقين إلى مرحلة جديدة تنهض بلبنان الجديد.
وفاجأ عون الجميع بكسر مفاهيم ومصطلحات اعتمدت في خطابات قسم سابقة تتعلق بسيادة الدولة وقرارها في الدفاع عن أراضيها، إذ خلا خطابه من مصطلح “المقاومة” الذي ورد في خطابات رؤساء الجمهورية السابقين، مسقطاً بذلك ثلاثية “شعب وجيش ومقاومة” التي سمحت لـ”حزب الله” بالإمساك بقرار الحرب والسلم في لبنان، وركز على “احتكار” حمل السلاح من قبل الدولة وحدها، وتقصد الإشارة مرتين إلى دور الدولة اللبنانية وحدها في إزالة الاحتلال الإسرائيلي.
لم يشر الرئيس الجديد إلى الاستراتيجية الدفاعية واستبدلها بالحديث عن “سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية”. لكن أهمية هذه العناوين لا تخفي الألغام التي ستعترض عون بدءاً من تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية ولغم تشكيل الحكومة بين المحاصصة ومضمون البيان الوزاري ولغم إقناع “حزب الله” بالتخلي عن سلاحه في كل لبنان، واستقلال القضاء وإعادة الودائع والعلاقة الندية مع سوريا والحياد الإيجابي والمداورة في الوظائف والإدارات. هي خريطة طريق إنقاذية حددها الرئيس المنتخب في خطاب القسم عسى أن تنفذ وألا ينضم خطابه إلى لائحة خطابات قسم رؤساءٍ وقفوا أمام النواب ورفعوا عناوين إنقاذية كثيرة وأقسموا على التغيير ولم يفعلوا.
الرئيس المنتخب يتعهد
في خطاب القسم أكد رئيس الجمهورية الـ14 أن عهده سيكون بمثابة بداية لمرحلة جديدة للبنان، ستشهد على تغيير الأداء السياسي لحفظ الأمن والحدود، والاقتصادي الذي أفرزته الأزمة الراهنة. وتعهد ببناء وطن يكون فيه الجميع تحت سقف القانون وتحت سقف القضاء “حيث لا صيف ولا شتاء على سطح واحد بعد الآن، ولا مافيات أو بؤر أمنية ولا تهريب أو تبييض أموال أو تجارة مخدرات ولا تدخل في القضاء ولا تدخل في المخافر ولا حمايات أو محسوبيات ولا حصانات لمجرم أو فاسد أو مرتكب”، وعاهد الشعب اللبناني على تعزيز استقلالية القضاء وإصلاح السجون.
وقال عون، “عهدي أن أمارس دوري كقائد أعلى للقوات المسلحة وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع بحيث أعمل من خلالهما على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح. دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويسهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية”
وشدد على أهمية إعادة هيكلة المؤسسات العامة لتوفير خدمات أفضل للبنانيين، وتعهد بالعمل مع المجلس النيابي والحكومة لتحقيق هذا الهدف. وأكد على إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من أن لبنان عربي الانتماء والهوية، وبناء الشراكات الاستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال أفريقيا ومنع التآمر على أنظمتها وسيادتها وممارسة سياسة الحياد الإيجابي. وانطلاقاً من المتغيرات الإقليمية المتسارعة، اعتبر الرئيس المنتخب أن هناك “فرصة تاريخية لبدء حوار جدي وندي مع الدولة السورية بهدف معالجة كافة المسائل العالقة بيننا، لا سيما مسألة احترام سيادة واستقلال كل من البلدين وضبط الحدود في الاتجاهين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منهما، وملف المفقودين وحل مسألة النازحين السوريين”.
بين الخلف والسلف
أثار خطاب الرئيس جوزاف عون ارتياحاً عاماً مرفقاً بحذر بصعوبة التنفيذ نظراً للتجارب السابقة مع الخطابات الرنانة التي بقيت حبراً على ورق. وعلى رغم اختلاف في الجوهر بين خطاب السلف والخلف خصوصاً في النقاط المتعلقة بتعزيز سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها، تلتقي بعض العناوين التي وردت في خطاب الرئيس المنتخب مع ما تعهد بتنفيذه سلفه العماد ميشال عون في خطابه بعد انتخابه.
ففي خطابه أمام مجلس النواب استخدم الرئيس السابق ميشال عون عبارة مقاومة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ولم يحصرها بالدولة والجيش، على عكس الرئيس الجديد. آنذاك، ذكر الرئيس السابق، “في الصراع مع إسرائيل، لن نألو جهداً في سبيل تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة، وحماية وطننا من عدو لا يزال يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية”. ويؤخذ على الرئيس السابق فشله في تطبيق مضمون الخطاب، باستثناء قانون الانتخاب الجديد الذي كان تعهد بإقراره قبل موعد الانتخابات النيابية لتأمين عدالة التمثيل وهذا ما حصل.
دنيز رحمة فخري- “إندبندت العربية”