مقالات

الثنائي يثبت حضوره السياسي وفعّالية أصواته والأحزاب المسيحية تترقّب: تفاهم داخلي لتمرير قرار الخارج تعيين القائد رئيساً

الثنائي يثبت حضوره السياسي وفعّالية أصواته والأحزاب المسيحية تترقّب: تفاهم داخلي لتمرير قرار الخارج تعيين القائد رئيساً

كتبت صحيفة “الأخبار”: السّاعة الحادية عشرة صباحاً. رنّ الجرس في قاعة الهيئة العامة في مجلس النواب. جرس الإيذان بطي صفحة الفراغ في رئاسة الجمهورية المُعلّقة منذ 31 تشرين الأول 2022. هو «خميس الانتصار» بالنسبة إلى الفريق الذي اعتبر العماد جوزيف عون خياره لمواجهة حزب الله، و«خميس الهزيمة» لقوى رفضت التصويت له وعلى رأسها التيار الوطني الحر. بينما كان هناك «خميس التفاهم» الذي يخص الثنائي حزب الله وحركة أمل. وهو تفاهُم تُرجم في صندوقة الاقتراع الزجاجية التي سقطت فيها 99 «نعم» من أصل 128 لانتخاب قائد الجيش، كخطوة على طريق ترجمة التعهدات المتبادلة.

الغالبية غير المريحة نالها العسكري الخامس الذي ينتقل من اليزرة إلى قصر بعبدا، وجاءت في دورة الاقتراع الثانية، قبل إعلان عون رئيساً للجمهورية بحضور كامل أعضاء البرلمان الـ 128. في حضور نحو 100 شخصية من المدعوّين (سفراء وقادة أمنيين وقضاة وكبار موظفي الدولة وإعلاميين)، شهدوا إسدال الستار على عامين وشهرين وبضعة أيام عاشَ فيها لبنان تطورات غير عادية وغير مسبوقة على المستوى الداخلي والخارجي، مِن ضمنهم سفراء «الخماسية» الذين توزّعوا على المقاعد يُراقبون من كل الجهات حصيلة ضغوطهم، ويشرفون على التزام النواب بالتصويت للمرشح «الأممي» الذي أمرت به واشنطن والرياض وسارَت به باريس.
جلست السفيرة الأميركية ليزا جونسون، وإلى جانبها السفيران المصري علاء موسى والفرنسي هيرفيه ماغرو، وفي جهة أخرى جلس السفير السعودي وليد البخاري وخلفه في المقعد الآخر جلس السفير القطري سعود آل ثاني. وعلى صف آخر «تربّع» المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، وتولّوا جميعهم «حراسة» الاتفاق المُسبق الذي عبّد الطريق لعون وعيّنه رئيساً قبل تصويت النواب له.

لم تشهَد الجلسة أي تطور غير عادي، بل سارت كما هو مخطّط لها بعدَ اكتمال المعطيات السياسية، وكل ما تلا ذلك كانَ مجرد «تمثيليات» في عرض مسرحي برّر فيه عدد من النواب في تنظيرات وشتائم وتبادل الاتهامات بعدَ سماح الرئيس نبيه بري للنواب الاستفاضة بشرح خطورة تعديل الدستور.
فعلياً، لم يكُن المشهد الفعلي داخل القاعة العامة. بل كان قائماً قبل الجلسة بـ 48 ساعة، تخلّلها إدارة لمحركات الاتصالات الداخلية والخارجية بأقصى قوة واتّخذت أبعاداً فوقَ العادة مع زيارات الأمير يزيد بن فرحان، المكلّف بالملف اللبناني في الخارجية السعودية، والموفد الأميركي عاموس هوكشتين ولودريان.

ويُمكن القول إن صياغة الإخراج، أتت بعد مفاوضات قيل إنها كانت «شاقّة» مع حزب الله وحركة أمل اللذين تقصّدا تمرير رسالة واضحة إلى الداخل والخارج، بأن لا رئيس بالفرض من دون الاتفاق معهما، وبأن جوزيف عون لا يمكن أن يكون رئيساً من دون أصوات الثنائي، وأنه لا يُمكن صناعة الرؤساء بمعزل عنهما، وعلى الجميع أن لا يُخطئ في الحسابات ويتعامل مع حزب الله تحديداً باعتباره من الماضي. وقد جاءت الرسالة في الدورة الأولى التي نالَ فيها عون 71 صوتاً، بعدَ أن اقترع نواب كتلتي «الوفاء للمقاومة» و«التنمية والتحرير» بأوراق بيض، رغمَ أن التسوية معهما كانت قد أُنجزت في ساعات الليل. وهي رسالة معنوية بأن «الدور الأخير والحاسم في إكمال النصاب العددي والسياسي هو للمكوّن الشيعي».

ما بينَ الدورتين الأولى والثانية، كانَ الجميع يعلَم بأن «الحفلة» انتهت، وما تبقّى ليس سوى لمسات أُنجزت في اللقاء الذي عُقِد بين عون والنائبين محمد رعد وعلي حسن خليل وتسرّبت عنه أجواء إيجابية، وسبقه لقاء آخر ليل الخميس، حيث قالت مصادر مطّلعة إن «عون أكّد أمامهما أن التفاهم مع الثنائي هو أولوية لديه وأنه غير مهتم لمن يحاول اعتبار وصوله إلى سدة الرئاسة انتصاراً سياسياً له». وتقول المصادر إن عون «بدّد هواجس الثنائي أمنياً وسياسياً وعسكرياً وإعمارياً، وهذا ما أفضى إلى منحه أصوات نواب الثنائي في البرلمان»، وذلك خلال مشاورات وصفتها مصادر الرئيس الجديد بأنها «لتعزيز عوامل الثقة والاطمئنان»، علماً أن الجزء الأساسي والأهم من التفاهم أنجزه من جهة الرئيس بري مع الأميركيين والسعوديين، ومن جهة أخرى حزب الله مع الفرنسيين.

ورغمَ التكتّم الكبير حول ما جرى الاتفاق عليه، لكنّ الرواية السياسية لما حصل، تُشير إلى أن التفاهم بين عون والثنائي وضعَ ضوابط للتعامل بين الطرفين في المرحلة المقبلة تتصل بأجندة العهد الجديد، بدءاً من إعادة الإعمار، وشكل الحكومة (قيل إنه جرى الاتفاق على بقاء الرئيس نجيب ميقاتي حتى الانتخابات النيابية المقبلة) وصولاً إلى مسألة المقاومة ودورها وحمايتها، تثبيتاً للاتفاق الذي أُنجز مع الخماسية.
لكن ثمة ما لا يُمكن إغفاله، وهو أن ما حصل هو استجابة، على مضض، لواقع عنيد تمثّل في الضغط غير المسبوق الذي مارسه الخارج لانتخاب جوزيف عون رئيساً، الأمر الذي أرغمَ فريق المقاومة على التراجع عن مرشحه الأساسي سليمان فرنجية، وكل المرشحين الآخرين الذين جرى التداول في أسمائهم، من دون أن يمنعه ذلك من فرض حضوره السياسي الذي أرغمَ الخارج أيضاً على إبرام «صفقة» معه ستتضح معالمها في الأشهر المقبلة.

وفي المقلب الآخر، كانت الأنظار تتجه صوب مواقف الأحزاب المسيحية الرئيسية، وإذا كان التيار الوطني الحر ظل منسجماً مع موقفه الرافض لانتخاب عون، ليس فقط لأنه بحاجة إلى تعديل دستوري بل لأنه لا يمثّل صورة الرئيس حسب التيار، فإن موقف حزبَي الكتائب والقوات اللبنانية بدا غير مقنع حتى لأنصارهما. ذلك أن حزب الكتائب ظهر مرة جديدة أنه في موقع من «يبصم» على أي اتفاق يُعد له خارجياً، بينما لم ينجح قائد القوات سمير جعجع حتى في التقاط صورة له مع قائد الجيش قبل حصول الانتخابات، علماً أن باسيل كان يراهن على أخطاء ستمارسها القوات، ما يعطّل انتخاب عون، فيما كان جعجع يراهن على إقناع باسيل للثنائي بعدم السير بانتخاب قائد الجيش. وحده البطريرك الماروني بشارة الراعي تصرّف كمن وصله حقه، ولو أنه كان يفضّل شخصية أخرى لهذا المنصب، لكنه مهتم أكثر بعودة الحضور المسيحي إلى الموقع الأول في الدولة.

وعبرت السفيرة الأميركية في بيروت بأنها «سعيدة للغاية» بانتخاب جوزيف عون رئيساً. وكتبت السفارة الأميركية في منشور على موقع «إكس»: «نحن ملتزمون العمل بشكل وثيق مع الرئيس عون مع بدئه جهود توحيد البلاد، وتنفيذ الإصلاحات وتأمين مستقبل مزدهر للبنان». واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي سيزور لبنان قريباً كما أعلن «الإليزيه»، أنّ «هذه الانتخابات الحاسمة تمهّد الطريق للإصلاحات والترميم والسيادة والازدهار في لبنان»، مضيفاً: «أيّها اللبنانيون، فرنسا إلى جانبكم». وأعرب الاتحاد الأوروبي عن تطلعه إلى تشكيل حكومة إصلاح في لبنان «من دون تأخير».
من جهتها رحّبت السعودية وقطر ومصر بانتخاب العماد عون، ويجري الحديث عن زيارات مرتقبة لمسؤولين كبار من دول الخليج إلى بيروت في وقت قريب جداً، وعن توجيه الدعوات إلى عون لزيارة السعودية.

«أمن الجلسة» على حساب الإعلاميين

لم يسبق أن اتّسمت أي جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية بالإجراءات والبهورات الأمنية والعسكرية التي حصلت يوم أمس. ولم يكتف الجيش بإغلاق مداخل مجلس النواب كما كان يحصل في كل السنوات بل وسّع الدائرة لتشمل منافذ العاصمة. ولمزيد من الإذلال، جرى وضع آلة سكانر قرب مبنى جريدة «النهار» حيث تمت عملية تفتيش الصحافيين بشكل دقيق حتى كادوا يطلبون من مراسلي وسائل الإعلام خلع ثيابهم، بينما كانت الطرقات مفتوحة بالكامل أمام مواكب السفراء والدبلوماسيين وسياراتهم الداكنة الزجاج!
لكنّ الأمر لم يقف على ذلك، إذ فرضت إجراءات الأمس على الصحافي، أن يعبر عدة «حواجز» قبيل بلوغه مجلس النواب حيث يصرّح عن اسمه ولا يدخل إلى القاعة من المدخل المعتاد بل يتّم جرّه عبر مدخل جانبي. كان يمكن لكل ذلك أن يمرّ لولا أن من مُنحوا بطاقات للدخول إلى القاعة العامة، مُنعوا من دخولها بحجة أن لا مكان مخصصاً لهم بينما احتلّ السفراء والدبلوماسيون الكراسي المخصّصة عادة للإعلام. وهو ما تسبّب باعتراض الصحافيين، بعدما تبيّن أن المقاعد المخصّصة لهم لم تتعدَّ الـ12 مقعداً، دون أن يهتم أي مسؤول بتبرير ما حصل. فيما كان عناصر الجيش الواقفون على مدخل القاعة، يتصرّفون بعنجهية غير مسبوقة، وكانوا يصرخون، لا يتحدثون مع الإعلاميين، والطلب إليهم الانتقال إلى الطابق السفلي أو المكتبة العامة أو إلى خارج البرلمان. ولسخرية القدر حتى اسم مراسلة «تلفزيون لبنان» الرسمي لم يكن وارداً على اللائحة. ليتكرر المشهد نفسه خارج مبنى المجلس، حيث واصل عناصر الجيش الصراخ على الإعلاميين وممثلي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، دافعين معظمهم إلى التكدّس، بعضهم فوق بعض، في مسافة لا تتعدّى الثلاثة أمتار!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce