سوريا وتحديات الوحدة الداخلية.. لمواجهة مشروع “بريمر” الإسرائيلي
سوريا وتحديات الوحدة الداخلية.. لمواجهة مشروع “بريمر” الإسرائيلي
من المبكر الحكم على الأيام القليلة التي مضت على سقوط النظام السوري ورحيل بشار الأسد. مؤشرات كثيرة برزت في مواقف قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، تنظر إليها جهات دولية وديبلوماسية بإيجابية، وتعتبر أن هناك ما يُبنى عليه في الخطاب. آخرون يراهنون على محاولة ربط النموذج السوري للمرحلة المقبلة بالنموذج التركي. ولا تزال الأسئلة كثيرة حول صيغة تشكيل الحكومة، وسط مشاورات لتكون حكومة جامعة ولا تقتصر على الطائفة السنية، كما التركيز على إدارة المرحلة الانتقالية وما بعدها سياسياً، وسط تنسيق بين رئيس الحكومة الجديد ورئيس الحكومة السابق ووزراء لتسليم الإدارات وإنجاز الإجراءات اللازمة في المطارات والمعابر.
مؤتمر وطني عام
ما يتلمّسه المرء من معلومات هو تفكير جدّي في عقد مؤتمر وطني عام في دمشق، تُدعى إليه كل الجهات السياسية وممثلين عن الطوائف المتعددة، للعمل على وضع دستور جديد، يتضمن تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، والحكومة مجتمعة، وإعادة بناء الجيش بالإضافة إلى تحديد مواعيد للاستحقاقات الانتخابية. هناك إصرار على سوريا الموحدة، وسط تطمينات يتم منحها لـ”الأقليات” وخصوصاً للعلويين والشيعة، والمسيحيين والدروز. ويبقى التحدي الأكبر هو المسألة الكردية والتي تحتاج إلى دقة استثنائية في التعاطي لا سيما أن المسألة في غاية التعقيد وتتشابك فيها جهات عديدة. إذ تتعالى أصوات مؤيدة للثورة لفتح معركة ضد القوات والمناطق الكردية، فيما آخرون يدعون إلى الدخول في حوار جدي برعاية إقليمية ودولية. فأي حرب ضد “الأكراد” ستهدد بوحدة الجغرافيا السورية، وسينتج عنه شعور بالمظلومية الكبرى لدى فئة من الناس تعتبر نفسها مهدورة الحقوق فترفض الإنخراط مجدداً في إعادة تشكيل الدولة الجامعة، وذلك ستنجم عنه مشكلة داخلية كبيرة.
الحرب الإسرائيلية
التحدّي الأكبر الذي واجهته سوريا في الأيام الأولى لسقوط الأسد هو الحرب الإسرائيلية الشرسة والتي حصلت من دون الإعلان عنها. أقدمت إسرائيل على توسيع هجماتها وتنفيذ ضربات جوية عنيفة وواسعة طالت كل مقدرات القوات العسكرية السورية، فدمرت مراكز البحوث، ومراكز المعلومات والاستخبارات، وكل المواقع والأسلحة الاستراتيجية، وهو ما يطرح تساؤلات حول الذي كان ما بين الأسد وإسرائيل من خيوط خفية وسرّية، إذ أن الاطمئنان الذي كانت تستشعره تل أبيب مع الأسد فقدته برحيله، فلجأت إلى تنفيذ أكبر موجة جوية من الغارات لتدمير كل مقدرات الجيش السوري. جاءت الضربات الإسرائيلية في وقت كان هناك حرص من قبل الجيش السوري والمعارضة المسلحة السورية للحفاظ على بنيان هذا الجيش وعدم الدخول في قتال يسهم في فرطه أو تشتيته، فأقدمت إسرائيل على القيام بمثل هذه الخطوة، وكأنها تستنسخ على طريقتها عملية بول بريمر في العراق والذي عمل على حلّ الجيش العراقي.
نشر الفوضى
الهدف الاستراتيجي لإسرائيل من تدمير الجيش السوري وقدراته العسكرية هو إحداث حالة من الارتباك الداخلي، حيث تسعى إسرائيل إلى نشر الفوضى التي تبدأ بانهيار مؤسسات الدولة، لا سيما الجيش، والشرطة، والأجهزة الأمنية. تهدف تل أبيب من خلال ذلك إلى تحقيق رغبتها في تفكيك سوريا ومنعها من البقاء موحدة. لذلك، تبرز أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية بين جميع المكونات لمواجهة الخطر الإسرائيلي الذي يسعى للتفتيت.
وإن لم يكن هناك قدرة لسوريا على خوض حرب كبرى ضد إسرائيل، فعلى الأقل حماية نفسها وتحصين الداخل، خصوصاً أن الإسرائيليين يحاولون فرض أمر واقع عسكري في الجنوب السوري من خلال عمليات التوغل وإلغاء إتفاق فض الاشتباك والسيطرة على مناطق جديدة، لأجل فرض شروطهم على أي جهة ستتسلم السلطة في سوريا، وتضعها أمام تحديات استعادة الأرض، إما بتدفيعها أثمان سياسية قاسية جداً، وإما بالتركيز على زرع المشاكل والفوضى والبناء عليهما لتفكيك الدولة السورية.
منير الربيع – المدن