ضغط مستمر يتعرض له مصرف لبنان للصرف من الاحتياطي الإلزامي من أجل تلبية متطلبات الحكومة في ظل العدوان الإسرائيلي وأزمة النزوح الكثيف، حيث يرفض حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، هذا الأمر بشكل حاسم، لا سيما أن أمام مجلس النواب والحكومة مخارج أخرى تتمثل بحساب الحكومة لدى المصرف والهبات التي وعد بها مؤتمر باريس لتلبية احتياجات النزوح.
ويوضح الخبير الاقتصادي د. محمود جباعي، ومن خلال متابعته للملف، أن “السياسة واضحة اليوم وهي أن الحكومة اللبنانية بإمكانها صرف ما تشاء من حساب 36 ووفق قواعد وأصول الموازنة التي أرستها موازنة 2024، وفي حال أنجزت موازنة 2025 أيضًا يمكنها الصرف على قاعدتها، وبالتالي ليس هناك أي خلاف متعلق بهذا الأمر”.
هنا يلفت إلى أن “الحكومة اللبنانية تمتلك مبالغ بالليرة وبالدولار، فالمبالغ بالدولار الفريش ضمن حساب 36 هي ضمن موجودات المصرف المركزي الكلية التي تفوق الـ10 مليارات، وجزء منها للحكومة وهو ما بين 400 و450 مليون تقريبًا. والحكومة منذ بدء الحرب، أي منذ حوالي الشهرين، استخدمت ما يُقارب الـ200 مليون دولار وفق موازناتها الموجودة، حيث قامت باستخدامهم ودفع الرواتب وأنفقت في بعض الأماكن من دون أية معوقات”.
وفي هذا السياق، يؤكد أن “مصرف لبنان دفع من موجوداته حوالي أكثر من 200 مليون دولار، أي ما يقارب الـ230 مليون دولار، من أجل تغطية التعاميم التي أقرّها في الشهرين الماضيين”، منوّهًا بهذا التصرف على اعتبار أن مصرف لبنان أعطى هذه المبالغ بإنصاف في ظل أزمة المودعين.
ويوضح جباعي أن “الحكومة تمكنت من أخذ أموالها دون أي مشكلة وموجوداتها بالدولار، أما فيما يتعلق بموجوداتها بالليرة، فبإمكانها صرفها ضمن الموازنة وقت تشاء. فأي مبلغ خارج الموازنة بحاجة إلى قانون كما هو متعارف عليه. ففي حال تمكنت الحكومة من إنجاز قانون وفق الأطر القانونية السليمة بما لا يتعارض مع سياسة مصرف لبنان، فليس هناك أي إشكالية، بإمكانها صرف كل الأموال الموجودة ضمن حساب 36 وقتما تريد”.
ولكن جباعي يطرح سؤالًا بارزًا: “هل تمتلك الحكومة كافة إمكانيات الإنفاق على النازحين؟”، ويؤكد أنه “لا يمكنها ذلك، باعتبار عدم امتلاكها لهذا النوع من الإمكانيات، وليس لديها قدرة الصرف على النازحين، لا سيما أن الأموال المتواجدة لديها تكفي فقط مجرد الرواتب وميزانيات الوزارات المعنية”.
لذا يشدد هنا على أن “هذا الموضوع بحاجة إلى الالتفات للمساعدات الخارجية التي تصل من الخارج. ومن المؤكد ضرورة وجود شبكة واسعة مكونة من كافة الجهات المعنية لمساعدة الحكومة في موضوع النازحين، فهي لوحدها لا تستطيع تغطية متطلبات النازحين”. موضحًا أنه “في حال صدر قانون متعلق بهذا الأمر، بإمكانها مباشرة الصرف وليس هناك من إشكالية. أما احتياجات مصرف لبنان المرتبطة بالاحتياطي الإلزامي التابعة للمودعين أو من أموال مصرف لبنان التي له حق التصرف بها، فإن الحكومة ليس بإمكانها الصرف منها، بل من الأموال التابعة لها فقط”.
هذا ويدعو جباعي “جميع الجهات المعنية لمساعدة الحكومة في معالجة أزمة النازحين. فمن الواضح جدًا عدم قدرة الحكومة على دفع المبالغ الطائلة، كما أن كلفة النزوح هي فقط 300 مليون دولار لمراكز الإيواء. وفي حال أردنا جمع كلفة النازحين كافة، فإن التضخم من الممكن أن يصل إلى حدود ما بين 700 و800 مليون دولار لكل النازحين، وهذا رقم خيالي جدًا لا يمكن للحكومة وحدها تخطيه”.
ويتطرق إلى مؤتمر باريس وتعهده بـ800 مليون دولار، لافتًا إلى أن “الأموال هذه تصل تباعًا، وهنا الحكومة تستعمل هذه الأموال قدر المستطاع في موضوع النازحين. إذا كلما طال أمد الحرب، كلما نحن متجهون نحو أزمة في مساعدة النازحين وإنفاق الحكومة عليهم”.
ويلفت جباعي إلى وجوب إعادة درس موازنة 2025، حيث من الضروري حصول تغيير في الأولويات بعد توسع الحرب، والتأكد من حقيقة الإيرادات المطروحة، لا سيما إذا طالت الحرب وليس هناك من أفق لتوقفها. ومن المؤكد أن الإيرادات ستكون أقل وأخف مما ذكرته الحكومة، وهو حوالي 4 مليارات و600 مليون، ومن المؤكد سيصل إلى النصف في حال استمرت الحرب لأشهر قادمة. بخاصة أننا نعلم أن شهر 12 من كل عام هو الشهر الأساسي في التحصيل، لأنه هناك شركات تعتبر نسبة ما بين 40 إلى 50% من تحصيلها السنوي في شهر 12. وبالتالي تحصيل الإيرادات والضرائب في شهر 12 يكون أعلى، ويجب أخذ ذلك بعين الاعتبار عند النظر في موازنة 2024 ومدى القدرة على تحصيلها في موازنة 2025 للأشهر القادمة.
ويؤكد جباعي هنا أن “كل ما لدى الحكومة من حسابات لا تكفيها أكثر من أشهر في حال كانت ستصرف على كل شيء، حيث هناك أيضًا خطر على تحصيل إيرادات عالية. لذا يجب وجود متابعة حثيثة للمساعدات التي أتت عبر مؤتمر باريس، وأيضًا السعي إلى محاولة تأمين مبالغ أخرى ومساعدات أخرى من قبل جميع المعنيين في لبنان، سواء من أحزاب أو منظمات أو مجتمع مدني أو حتى الحكومة اللبنانية”.