أكد المطلعون على الاجواء الفرنسية، في حديث لـ “الجمهورية”، أنّ باريس قد وضعت كلّ ثقلها في مهمّة جان إيف لودريان وتأمل أن تسري في الهشيم اللبناني، بوصفها الفرصة الخارجيّة الوحيدة المتاحة حاليّا لإنضاج حلّ يضع لبنان على سكّة الخروج من أزمته، إلا أنّ قراءة الوقائع الداخلية تؤكد أنّ الأكثر ترجيحا حتى الآن هو الاتجاه الثاني، ذلك انّ هذه مهمّة لودريان بما تحمله من رغبة في اطلاق حوار لبناني حول رئاسة الجمهورية، اشبه ما تكون بالتنقيب عن حل مفقود، ومحفوفة بصعوبات من كلّ جوانبها، حيث تترصّد لها مكوّنات سياسية مفخخة بكلّ ما يعمّق الإفتراق والإنقسام ويرسّخ التطبيع مع الفراغ في رئاسة الجمهوريّة وشلل الدولة ومؤسساتها. وهذا يفسّر انّ الدّاخل السياسي لا يبدو متحمّسا لمهمّة لودريان، وتؤكّد ذلك أجواء الأطراف المعنيّة بالملف الرئاسي، وتناقضاتها التي تشكّك مسبقا بجديّة وجدوى أيّ حوار في ما بينها.
الحوار افضل من عدمه
واذا كانت الاشارات السابقة لوصول لودريان إلى بيروت قد عكست الرّغبة في إطلاق حوار يديره رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إلّا أنّ مصادر سياسية مسوؤلة تؤكد لـ”الجمهورية” ان هذه الرغبة قد لا تتحقق.
ورجحت المصادر أن يصطدم “حوار لودريان” بعقدة المشاركة فيه، وخصوصا ان بعض الاطراف، مثل “القوات اللبنانية” استبقت وصول الموفد الفرنسي برفضها الحوار. الا ان مصادر سياسية اخرى اعتبرت ان هذه العقدة، وبرغم الاعتراضات المسبقة، تبدو غير مستعصية على الحلّ، ذلك انّ اطراف الإنقسام الداخلي على اختلافها، ومهما علت نبرة اعتراضاتها لا تستطيع إلّا أن تنزل عند الرغبة الفرنسية وتشارك، لكي لا توضع في خانة تخريب المسعى الفرنسي”.
واذ اكدت المصادر عينها أنّ مكان انعقاد الحوار لن يشكّل عقدة بدوره”. الا انها تلفت الانتباه الى عقدتينلا يستهان بهما، الاولى ستتبدى في ارباك حتمي في تحديد المشاركين في الحوار. فإذا كانت مشاركة الكتل النيابية محسومة بممثلين عنها، فماذا عن النواب الآخرين المستقلين؟ فمن سيمثلهم؟ وهل سيتم تجاوزهم؟ ام انه سيكون لهم مكان في هذا الحوار؟ واما العقد الثانية، ولعلّها العقدة الاساس، فستتبدى حول من سيدير هذا الحوار.
بري يرفض
هنا تؤكد مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري سبق له أن اطلق سلسلة دعوات إلى الحوار دون ان يلقى تجاوبا من الكتل السياسية سواء من كتلتي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، او من سائر الكتل والتوجهات النيابية التي تسمي نفسها سيادية او تغييرية. والتطورات والتجاذبات التي احاطت بالملف الرئاسي دفعت ببري الى أن يخرج نفسه من موقع الراعي لأي حوار. وبالتالي هو ليس في وارد إدارة ايّ حوار، بل لن يبادر الى الدعوة الى اي حوار كما فعل سابقا. وقد قال صراحة انّه “طرف، وخصوصا ان هذا الحوار هو حول رئاسة الجمهورية، وسنشارك فيه بممثل عنا، ويفضّل أن يكون في مجلس النواب حيث ان طاولة الحوار باتت جاهزة لالتقاء المتحاورين حولها”.
وتشير المصادر الى ان اخراج بري نفسه من ادارة اي حوار، يطرح السؤال عن القيادة البديلة لهذا الحوار، حيث لا يوجد اي طرف داخلي او اي شخصية سياسية مسؤولة تتولاها، وهنا يبقى خياران، الأول ان يتولى لودريان شخصيا ادارة هذا الحوار، سواء في مجلس النوّاب، أو على أرض فرنسية مثل قصر الصنوبر، واما الخيار الثاني، في حال فضل لودريان ان تكون ادارة الحوار لبنانية، فهو العودة إلى الرئيس بري بناء على اقتراح وتمنيات الموفد الفرنسي، من دون اي اعتراضات داخلية على ادارته لهذا الحوار”.
وردا على سؤال، قالت المصادر ان لودريان سيكون شريكا مباشرا في هذا الحوار، والا ما معنى الحوار الذي قال انه سيسهل اطلاقه بين اللبنانيين، ان كان غائبا عنه، فحضوره يعطي مهمته دفعا كبيرا، وعدم حضوره سيحول طاولة الحوار الى “سوق عكاظ”، لن يتأتى منها سوى مبارزات كلامية ومزايدات واستفزازات سياسية وغير سياسية تستحضر الانقسامات والتناقضات، وتسخن الملف الرئاسي أكثر، وتخضع البلد من جديد لاجواء التوتير والتصعيد.
ماذا سيحقق الحوار؟
على ان السؤال الذي يطرح نفسه عشية وصول لودريان الى بيروت: هل يمكن للحوار الذي سيطلقه ان يحقق الهدف المرجو منه، ويفتح الطريق الى انتخاب رئيس للجمهورية؟
يقول مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”: “من حيث المبدأ، فمهما كانت الخلافات عميقة فإن الجلوس على طاولة الحوار خير من عدم الجلوس. واما واقعيا، فلا أحد في الداخل في مقدوره ان يجازف ويتوقع ايجابيات او الوصول الى قواسم مشتركة بين مكونات متموضعة في خانة العداء الكلي لبعضها البعض، ولكن، مع انعقاد الحوار، وجلوس الاطراف على الطاولة، ربما نصبح امام طاولة المفاجآت، والكلمة الطيبة والهادئة يمكن لها ان تضيق مساحات الخلاف وتدفع كل طرف لان يتقدم خطوة نحو الآخر، وهذا بالتأكيد مرهون بحنكة وشطارة الموفد الفرنسي”.