إسرائيل وإيران على “مبارزتهما” في جحيم لبنان والدبلوماسية “جس نبض”

بعد 32 يوماً على اغتيال السيد حسن نصرالله، انتَخَبَتْ شورى «حزب الله» نائبه الشيح نعيم قاسم لمنصب الأمين العام، في خطوةٍ اكتسبتْ دلالاتٍ بارزةً في التوقيت والأبعاد خصوصاً في ضوء ارتفاع مستوى المواجهات العسكرية على جبهة لبنان واشتداد «عضّ الأصابع» مع العدّ العكسي للانتخابات الرئاسية الأميركية الثلاثاء المقبل وما يشهده ربع الساعة الأخير في الطريق إليها من مساعٍ ديبلوماسية لا تهدأ، لن تُفْضي إلى اجتراح حلّ سيمرّ أيضاً بجبهة غزة، ولكنها تحاول تثبيت ركائزه أو «إطارِه الناظم» ليَحْكم مرحلة التفاوض بعد 5 نوفمبر ومن دون أن يستوجبَ فوز دونالد ترمب «تصفيراً» لهذا المسارِ الشائك أصلاً والمليء بالألغام.

وفي حين جاء تعيينُ قاسم الذي أُعلن في بيانٍ عن قيادة «حزب الله» عاهَدَ نصر الله «ومجاهدي المقاومة الإسلامية، وشعبَنا الصامد العمل معاً لتحقيق مبادئ الحزب وأهداف مسيرته حتى تحقيق الانتصار»، ليقطع الطريق على تكهناتٍ كانت سرت بأنّ الحزب قرر اعتماد «قيادة جماعية» عبر مجلس الشورى ريثما تنتهي الحرب وأنه سيتفادى انتخاب خلَف لنصر الله تفادياً لاغتياله على غرار ما حصل مع رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين الذي كان من أبرز المرشّحين للمنصب، فإنّ هذا البُعد بدا الأقلّ إثارة للانتباه في الخطوةِ التي اعتُبرت حمّالةَ أوجه ورسائل.
تعيين نعيم قاسم

وفي الوقت الذي سارعتْ تل أبيب عبر وزير دفاعها لتلقف اختيار الأمين العام الجديد لحزب الله، بإعلان يواف غالانت على صفحته على «اكس» تعليقاً على صورة قاسم: «تعيين موقت. ليس لوقت طويل»، في تهديد صريح باغتياله، وسط محاذرة بعض الدوائر الترويج لسرديةٍ في الإعلام الإسرائيلي عن انتقال قاسم قبل فترة الى إيران واعتبارها أن الأمرَ ربما يكون في سياقِ «عملية تشتيت للانتباه» وحضّ للأخير على التنقّل بأريحية أكبر ما دام بات «خارج رادار الرصد»، فإنّ أوساطاً سياسية وضعت هذا التعيين في إطار متعدد الاتجاه:

– أولاً أنه يُراد أن يؤشر إلى أنه بانتخابِ مدرِّس الكيمياء أميناً عاماً، فقد عادتْ الكيمياء بين مختلف طبقات منظومة القيادة والسيطرة في «حزب الله» بعد الضربات المؤلمة التي وجهّتها إسرائيل منذ 17 سبتمبر (تفجيرات البيجرز)، وأن الحزب استعاد عافيته وضمّد جراحه ورمّم صفوفه «من الرأس» واستردّ قدرته على عَقْدِ اجتماعاتٍ قيادية لا «تطالها» تل أبيب، وذلك في تَناغُم مع مؤشراتٍ استعادته توازنه في الميدان في ضوء ما تشهده المواجهاتُ على الحافة الأمامية من معارك طاحنة يتكبّد فيها الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة.

– ثانياً أن هذا التعيين يمثّل إشارةً إلى أن «حزبَ الله» باقٍ ولن «يرثه» أحد سياسياً بعد الحرب مهما طالتْ، وأن هيكليّته ستُستكمل تباعاً، وهي الرسالة التي لا يمكن فصلها عن الكلام الإسرائيليّ عن «تحرير لبنان من الحزب» وتالياً «اجتثاثه» والأميركيّ عن «كسر القبضة الخانقة التي فرضها على البلاد».

– ثالثاً أن تعيينَ قاسم، الذي لطالما اضطلع منذ توليه منصب نائب الأمين العام في 1991 (أي قبل نحو سنة من اختيار نصر الله لقيادة حزب الله) بأدوار «الناظر السياسي» والانتخابي من دون أن تكون له مساهماتٌ في الشق العسكري والأمني، يؤشر إلى معادلة: السياسة «المحلّية» للشيخ قاسم، والقرار الإستراتيجي وفي الميدان لإيران.

تهديد «الثوري»

وما عزّز الاقتناع بهذه المعادلة، ما نُقل أمس عن مساعد الحرس الثوري الإيراني للشؤون التنسيقية محمد رضا نقدي في معرض إشادته بـ «حزب الله» و«حماس»: «سترون في الأيام المقبلة ضربات أقوى ستوجه إلى الكيان الصهيوني، وسيتفاجأ الإسرائيليون بإجراءات وابتكارات جديدة»، مؤكداً أن الإسرائيليين «سيتكبدون خسائر أكبر».

وفيما أتى كلام الحرس الثوري ليُعطي مزيداً من الصدقية للتقارير التي تحدثت عن أن النسَق الجديد في عمليات «حزب الله» جنوباً واستعادته زخْمه العَسكري مردّه إلى «إدارة مباشرة» باتت قائمةً من طهران وفق مقتضياتِ حرب غزة وأخواتها التي وجدتْ نفسها في عيْنها وانزلقت الى خوضها «بيدها» وعلى جولاتٍ، لم تقلّ دلالةً إطلالةُ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمام السفراء المعتمدين لدى بلاده على الوضع في لبنان، معرباً عن اعتقاده «بضرورة التركيز بعمق على الحقائق الميدانية والجغرافية لهذا البلد، فالمقاومة وحزب الله متجذران في الشعب اللبناني ولا يمكن القضاء عليهما»، معتبراً أن «المطلوب من جميع اللاعبين أن يبذلوا الجهود لوقف الحرب في لبنان وفلسطين والأخذ في الاعتبار مصالح الشعبين اللبناني والفلسطيني في سياق التوصل الى نتيجة ديبلوماسية مطلوبة».

وإذ أكملت السفارة الإيرانية الإحاطة بمعاني انتخاب قاسم «الشكلية» معلنةً أنه «دليل واضح على قوة حزب الله وصلابته، وإرادة لبنان في الدفاع عن سيادته ووحدة أراضيه في مواجهة أي اعتداء أو احتلال»، تم التعاطي مع المواقف الإيرانية من جبهة لبنان وتوعُّدها إسرائيل بضرباتٍ بـ «بندقية» الحزب على أنها، مع تسعير تل أبيب اجتياحها الجوي المروع في الجنوب والبقاع ومضيّها في محاولة تعميق التوغل البري، من علاماتِ تبديد كل المناخات غير الواقعية التي ضُخت عن أنّ المحادثات من أجل التوصل إلى تسوية في لبنان بلغت مرحلة متقدمة وأن «حزب الله» وافق على فصل الجبهات وتراجع عن معادلة «لا تفاوض تحت النار».

هوكشتاين في واشنطن

وفي الوقت الذي كانت زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين لتل أبيب لاستكمال مَساعي إرساء قواعد لوقف النار في لبنان وإطلاق مسار حل مستدام تلفّها ضبابية في ضوء تضارُب المعلومات عن موعد هذه المحطة التي قيل بدايةً إنها الأحد ثم الاثنين ثم أمس، قبل أن يعلن هو عبر «اكس» صباحاً أنه موجود في واشنطن، من دون أن يفصح أكثر، استوقف الأوساط السياسية ما بدا محاولةً من تل أبيب وطهران لـ «إبطال» مفاعيل تهديدِ كل منهما للأخرى بـ «حسابٍ لم يُقفل» بعد، من دون أن يَنفي ذلك إمكانَ أن يكون الأمر في إطار «ربط نزاع» في حال اقتضتْ المواجهة بعد 5 نوفمبر الأميركي «تذخيراً» جديداً لها.

ففي حين توعّدت طهران «بردّ في الزمان والمكان المناسبين» على إسرائيل التي وجّهت لها السبت الماضي ضربات جوية استهدفت مقرات لتصنيع الصواريخ ودفاعات جوية، أعطتْ إسرائيل إشاراتٍ إلى أن الغاراتِ على إيران لم تكن هي الردّ على محاولةِ اغتيال نتنياهو في منزله في قيساريا – التي تبنّاها «حزب الله» واتهمت إسرائيل إيران بأنها تقف وراءها – بل جاءت رداً على الضربة الإيرانية في مطلع اكتوبر (رداً على اغتيال نصر الله واسماعيل هنية)، وأن عملية قيساريا مازالت قيد البحث لجهة كيفية «الثأر» لها.

اغتيال ميقاتي!

وكان بارزاً ما نقلتْه القناة 13 الإسرائيلية عن أن الوزراء في اجتماع الكابينت أُبلغوا أن الهجوم الإسرائيلي على إيران يوم الجمعة «جاء كاستجابة لوابل الصواريخ الذي استهدف مدنيين إسرائيليين، وليس كرد على محاولة استهدف منزل رئيس نتنياهو» حيث من المتوقع أن تتخذ إسرائيل ردوداً منفصلة، مشيرة إلى أن الوزراء وجهاز الأمن قدموا مقترحات متعددة، بعضها غير عادي وممنوع النشر، لردود مستقبلية «لن تكون مشابهة لهجوم الجمعة»، وكاشفة عن «اقتراح وزيرة النقل ميري ريغيف اغتيال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، الأمر الذي تم رفضه جملة وتفصيلاً من الوزراء».

وفي الوقت الذي كان خطر الاغتيالات يحوم أيضاً فوق رئيس البرلمان نبيه بري المفوَّض التفاوض باسم «حزب الله» حول وقف النار والتسوية جنوباً، وفق خشيةٍ سادت في صفوف «محور الممانعة»، ولا سيما في ضوء تَزايُد «الضغط التدميري» من إسرائيل على بري عبر ضرْب مناطق نفوذه، مثل مدينة صور (وشارع نبيه بري فيها) والنبطية، وصولاً إلى غارات ليل الاثنين – الثلاثاء استهدفت حي عائلة بري في بلدة تبنين الجنوبية أدت إلى تضرر منزل نجله (عبدالله بري)، كانت بارزة أمس إشارةٌ إلى «توازٍ» في المَساعي الجارية بجهود قطرية ومصرية لوقف الحرب في غزة ولبنان.

وقد أعلن الناطق باسم الخارجية القطرية أمس أن «هناك خطوطاً متوازية للعمل على خفض التصعيد في لبنان وغزة»، من دون أن يعني ذلك في أي حال تفاؤلاً، بحسب الأوساط السياسية نفسها، بإمكان «انتهاء العاصفة الأعتى» التي تضرب «بلاد الأرز» والمنطقة في الأيام القليلة المقبلة وقبل الانتخابات الأميركية، وسط اقتناعٍ بأن إطار التسوية صار معروفاً وأن الخروج من الحلقة الجهنمية لن يكون ممكناً إلا على حمّالة القرار 1701 مع آلياتٍ تنفيذية متعددة البُعد قد يتم تضمينها قرار وقف النار، وسيحدّد الميدان «ميزانها» في الفترة الفاصلة عن حلول ساعة الحل.

ولعلّ هذا ما يفسّر اشتعال المواجهات في الأيام الأخيرة، وصولاً لنفي نتنياهو تقريراً للقناة 12 الإسرائيلية أفاد أن إسرائيل والولايات المتحدة تجريان مناقشات حول صفقة من شأنها أن تجعل الجيش الإسرائيلي يمتنع عن توسيع عمليته البرية في جنوب لبنان «مقابل دعم الولايات المتحدة حظراً بحرياً وبرياً وجوياً على لبنان يمنع إعادة التأهيل العسكري لحزب الله وتسليحه» وأن «صفقة لبنان تهدف إلى وقف النار لمدة 60 يوماً، يتم خلالها مناقشة تفاصيل الاتفاق كاملاً».

وجاء ردّ بري على التسريب وقوله في تصريح صحافي «إن ما سرّبته القناة العبرية صحيح في جزء منه، وقد اقترحه هوكشتين خصوصاً في ما يتعلق بهدنة مدتها 60 يوماً، لأنه كانَ مقتنعاً بأن لا جدوى لأي مفاوضات تحت النار»، واعتباره «أن الشرط الإسرائيلي (الحصار) المسرّب هو أول ردّ سلبي على طرح هوكشتين وهو غير واقعي، فليست إسرائيل في موقع قوة يتيح لها فرض الشروط ما دامت المعركة مستمرة ووضع المقاومة في الميدان جيد جداً»، ليؤكد أن لا صوت سيعلو حتى إشعار آخر فوق صوت المواجهات.

وفي حين كَشَفَ موقع «أكسيوس» أمس أنّ نتنياهو «سيعقد مناقشات مع وزرائه بشأن الاتصالات حول تسوية سياسية لإنهاء الحرب في لبنان»، أفادت صحيفة «يسرائيل هيوم» أنّ وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قال إنّ «الحرب في الشمال ستنتهي قبل نهاية العام».

المصدر: الرأي الكويتية

Share.
Exit mobile version