قمة روحية اسلامية – مسيحية في بكركي.. وخلوة بين الراعي وأبي المنى
– انطلاقاً من واجب تحمُّلِ المسؤولية الروحية والأخلاقية والوطنية، وسعياً لبعث الأثر الإيجابي في المجتمع اللبناني والحثّ على إنقاذ الوطن، وبدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وبحضور ممثل البابا فرنسيس، السفير البابوي المطران باولو بورجا، التأمت القمة الروحية المسيحية – الإسلامية، في بكركي، بمشاركة الرؤساء الروحيين المسلمين والمسيحيين: البطريرك الراعي، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلاّمة الشيخ علي الخطيب، بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر اليازجي، شيخ العقل لطائفة الموحِّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك جوزيف العبسي ممثلًا بالمطران جورج بقعوني، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس البطريرك آرام الأول كيشيشيان ممثلاً بسيادة المطران، صاحب الغبطة بطريرك السريان الكاثوليك يوسف الثالث يونان، قداسة بطريرك السريان الأرثوذكس مار أغناطيوس أفرام الثاني ممثلًا بسيادة المطران بولس سفر، صاحب الغبطة بطريرك الأرمن الكاثوليك رفائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدّور، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسوريا القس جوزيف قصَّاب، رئيس الطائفة الكلدانية المطران ميشال قصرجي، النائب الرسولي للطائفة اللاتينية في لبنان المطران سيزار آسيان، رئيس الطائفة الأشورية الأرثوذكسية في لبنان المتروبوليت مار ميليس زيَّا، رئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في لبنان الأب اندراوس الانطوني، وبحضور عدد من المطارنة والمشايخ.
الراعي: بداية، ألقى البطريرك الراعي كلمة الافتتاح قال فيها: “اصحاب الغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة والسادة الأحباء، يسعدني ان أرحب بكم في هذه القمة الروحية التي ينتظرها شعبنا كعلامة رجاء في هذا الزمن الصعب. شكرًا لكم على تلبيتكم الدعوة التي نناقش فيها بياننا بروح المسؤولة والأخوّة والتفاهم التام، من دون ان يشعر أحد أنه مغبون، وان شيئًا يريد أحد منا تمريره على حساب الآخرين، بل نتفاهم على كل شيء وعلى كل كلمة بروح المسؤولية والتجرّد. الوطن مجروح في العمق، وكلنا هنا لمداواة جراحه التخينة. والجرح يصيب كل واحد منا. نحن هنا اليوم لعزاء قلوبنا وقلوب شعبنا المصاب بالعمق : بالضحايا والجرحى والمشردين والنازحين وهدم المنازل والمتاجر وحريق الأراضي. انها مأساة وطنية تجتاح الجميع: كلُّ شخص وبيت وعائلة، والمجتمع والوطن الآخذ بالتفكك والانحلال”.
ختم:” الزمن اليوم زمن تضميد الجراح وايجاد الحلول، هذا دورنا كرؤساء روحيين، وينتظره منا شعبنا، بل هو حق شعبنا علينا. نخاطبه ببساطة ومن القلب الى القلب. فهذا دورنا، وهذه رسالتنا.بارك الله اعمال هذه القمة، وأخرجنا منها لمجده بتفاهمنا الكامل، وبروح الأخوّة، والشعور بالانتماء لبعضنا الى بعض.مع الشكر لإصغائكم!”.
دريان: بدوره، قال المفتي دريان في كلمته: “أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة ، الحضور الأكارم : ثقوا أن لبنان سيبقى وطننا جميعا ، إيمانه بالله ، وحدته الوطنية، أصالة شعبه، كفيلة بحفظه وحمايته واستمراره ، ورد العد والإسرائيلي المعتدي على أعقابه. ولا خوف على لبنان. اجتماعنا في هذه الدار الوطنية التاريخية العامرة ، رجال دين ومرجعيات لبنانية ووطنية مسؤولة ، هو خير رسالة للعالم أجمع ، وأبلغ رد على هذا العدو الإسرائيلي، وما يظهر من جبروت ، وهو الذي لا يرعى للقوانين والشرائع الدولية والإنسانية والأخلاقية حرمة ، ولا يقيم لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية وزنا ، ولا يولي للأمم المتحدة، ومجلس الأمن احتراما أو هيبة ، ويستعمل آلة القتل والدمار ويرتكب جرائم الإبادة الجماعية، بشكل وحشي وهمجي لم يشهد لهتاريخ البشرية مثيلا ، بداية غزة ، والآن لبنان ، والعالم كله يلوذ ، ويا للأسف ، بالصمت المريب”.
اضاف:”فلسطين والقضية الفلسطينية ، قضية حق وعدل ، ستبقى في ضميرنا، وفي ضمير العالم. ولبنان الوطن وطننا ، سيبقى واحة الحرية والديمقراطية، والتراث الإيماني العميق ، والعيش المشترك الإسلامي- المسيحي الآمن ، وسيكون في وحدته وتماسكه ، وتضامن اللبنانيين وعروبته ، وقوة جيشه الوطني واقتداره ، وغناه الإنساني والثقافي، سدا منيعا في وجه كل طامع ومعتد وغاصب للحق ومكابر”.
تابع:”ما حصل ، أيها الحضور الأكارم ، هو امتحان عسير لنا جميعا ، عرض لبنان كله للدمار ، علنا نتعظ ويكون درسا لنا ، في معالجة مشكلاتنا الحالية والقادمة ، ولعل أهمها انتخاب رئيس للجمهورية ، العنوان الجامع للبلاد ، تقيدا بأحكام الدستور ، وهو الأمر الذي لا يجوز الاستهانة به على الإطلاق ، أو التمادي في تأجيله أو تعطيله، لأنتعطيله هو تعطيل للدستور ، ولمصالح الناس واستقرار حياتهم ، ولأمن البلاد.بات رئيس الجمهورية في نظامنا السياسي، بعد الطائف ، صاحب موقع ودور ، هو رمز لوحدة الوطن، كما تقول المادة 49 من الدستور ، ودوره هو دور الحكم في الصراع السياسي الداخلي ، في نظام ديمقراطي برلماني ، تتحكم فيه موازين قوى داخلية وخارجية ، فكان لا بد في هذا النظام من وجود مرجعية موثوقة ومنزهة عن الصراعات السياسية تجمع اللبنانيين وتتمتع بالتجرد والموضوعية والترفع، لضبط إيقاع الدولة ، وتحول دون إمكانية التدخل الخارجي ،في الصراع الداخلي ، وتقوم بدور صمام الأمان لحل مشاكل الداخل، فأناط الدستور، هذه الأمانة برئيس الجمهورية ، وأوكله السهر على احترام الدستور ، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه ، واستمرار عمل السلطات والمؤسسات الدستورية . وهذا يعني أن الدستور قد أوكل إليه الاهتمام بالقضايا الوطنية الكبرى التي من شأنها أن تؤمن للوطن بقاءه واستمراريته، وللكيان سلامته ومناعته ، وللشعب وحدته وتضامنه ، وللبنان استقلالهوسيادته ، أي حرية قراره الوطني ، وسلطة الدولة الكاملة على إقليمها ، وعلى المقيمين على أرضها”.
وقال:”أيها اللبنانيون :كفانا تشرذما وفوضى ، يجب أن تستعيد الدولة ، قرارها ودورها وسلطتها الواحدة والوحيدة ، وتحرص على تطبيق الدستور واتفاق الطائف ، يجب أن نبدأ ببناء الدولة القادرة والعادلة ، يجب أن نعتاد العيش في كنف الدولة ، ونتقبل فكرة الدولة ، ونحترم قوانينها ودستورها ونخضع لسلطانها لأننا خارجها نكون جماعات وطوائف وقبائل متناحرة ، لا رابط بيننا ولا كيان لنا. بات اللبنانيون بحاجة إلى دولة تحميهم ، وترعى شؤون حياتهم ومعاشهم ، وتوفر لهم الأمان ، وتهتم بمشكلاتهم ، وتصون كراماتهم وحقوقهم وحرياتهم . لم نفقد الأمل ببناء الدولة ، الدولة الدستورية ، دولة الحق والمؤسسات والكرامة الإنسانية ، التي تستطيع أن تنقذ لبنان ،وتستعيد استقراره الاقتصادي ، ونموه ونهوضه وازدهاره.”
ختم:” تعازينا الحارة إلى أهلنا وإخواننا في الجنوب اللبناني والبقاع وبيروت وضاحيتها ، وفي كل المناطق اللبنانية التي استهدفها العدوان الغاشم، والشهداء، شهداء الوطن الذين ضحوا بحياتهم دفاعا عن لبنان ، والضحايا الأبرياء من المدنيين والنساء والأطفال والعجز، ونسأل الله تعالى أن يضمد جراح المصابين، وأن يمن عليهم بالشفاء العاجل . ونحث الدولة بكل مؤسساتها على احتضان أهلنا النازحين ، وتوفير كل أسباب الصمود ، وتقديم العناية الصحية والرعائية لهم، والحفاظ على السلم الأهلي . ونقدم شكرنا إلى الدول العربية الشقيقة ، والدول الصديقة ، التي سارعت إلى إغاثة النازحين والوقوف إلى جانب لبنان في محنته الكبرى ، ومساعدته من أجل إعادة إعمار ما هدمه العدو الإسرائيلي”.
الخطيب: وكانت كلمة للشيخ الخطيب قال فيها:” أصحاب الغبطة والسماحة والفضيلة والسيادة. ايها الاخوة الكرام إنها لمناسبة عزيزة ان نلتقي اليوم في هذا الصرح، كعائلات روحية، في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن، جراء العدوان الصهيوني الغادر المجرم والارهابي. وأمام هذه الظروف فقد جئنا، آملين منكم بموقف على مستوى هذا الواقع الذي تمارس فيه اسرائيل حرب ابادة موصوفة، تستهدف كل لبنان بكل ما فيه، فيما تتصدى لهذه القوة الغاشمة مقاومة باع رجالها جماجمهم لله عز وجل، وأقسموا على النصر او الشهادة، وقد استشهد سيدهم في سبيل هذه القضية سماحة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مع نخبة من رجال الله في مواجهة هذه الحرب العدوانية على لبنان وشعبه الذي قدم نفسه فداء للبنان كيما يضام او تتسع دائرة العدوان لتشمل المنطقة كلها ويعرض بلده وشعبه ويلات الحرب اللئيمة”.
اضاف:”إن اهلنا الذين يتعرضون لأقسى صنوف المعاناة، بعدما دمرت بيوتهم وبلداتهم وقراهم، واستشهد من استشهد من ابنائهم، إضطروا الى النزوح والتشتت في مناطق لبنان وفي الخارج. وهنا بعد توجيه التحية لهم على صبرهم وتضحياتهم الكبيرة فداء للبنان أتوجه بالتحية الخالصة للشعب اللبناني بكل مناطقه وطوائفه وتنوعه على فتح أبوابهم لإخوانهم ومواطنيهم الذين اضطرهم العدوان على ترك ديارهم، فوجدوا إخواناً كِرَاماً تلقوهم وسطروا صفحة وطنية وانسانية بيضاء ناصعة كبياض ثلج جبالهم فتحية لكم وبوركتم. حيث دائما تتجلى أصالتكم في الملمات وفي الاوقات الصعبة عندما يتعرض الوطن للمحن والبلاء. هؤلاء أيها السادة يخاطبون اليوم ضمائرنا لنكون على مستوى الإحساس بمعاناتهم وآلامهم، فلا نفرط بحقهم في حياة كريمة دفعوا في سبيلها الغالي والنفيس منذ عقود طويلة، مذ زُرع هذا الكيان الغاصب في منطقتنا.
يجب ألا يخفى عليكم أن هذا العدوان لا يستهدف فئة بعينها، إنما يستهدف الوطن بأكمله، شعبا وكيانا وعائلات روحية تشكل نقيضاً لهذا الكيان العنصري الغاصب والمتوحش السفاح والسفاك. ولذلك يجب ان يكون التصدي لهذا العدوان المجرم شاملا وكاملا وعاما”.
تابع:”لا أريد ان اطيل عليكم، لكنني أود أن أؤكد لكم ما قد يعتبره البعض مأخذا علينا بذريعة الخروج على الدولة. نحن أهل الدولة ونحن رعاتها وحماتها والحريصون على قيامتها وقوتها وسلطتها. ولكن الدولة طوال عقود تخلت عن سيادتها ووقفت وقوف العاجز بل اللامبالي بسيادتها وحياة ومصير وكرامة شعبها ومعاناته، وتركته هناك على الحدود للوحش الصهيوني الضاري يستبيح الارض ويقتل ويعربد مغتنما فرصة الانقضاض لتحقيق حلمه التوسعي وأطماعه في ارضنا ومياهنا وخيراتنا تركتنا الدولة دون اكتراث لمصير هذا الجزء العزيز من لبنان وشعبه الأبي والمقدام فالسيادة لا تتجزأ وكل شبر من تراب الوطن غال بل مقدس وهي مسؤولية الدولة واللبنانيين جميعا وليس مسؤولية فئة من اللبنانيين بعينها ان تدفع هذه الاثمان الباهظة، فهي غير زاهدة بابنائها لتدفعهم إلى الموت، وليسوا اقل أهمية من ابناء الآخرين، ولكن لم يترك لهم خيار حين نكصت الدولة والمسؤولون عن القيام بواجبهم في حماية حدود بلدهم والدفاع عن كرامة أبنائه، فتمكنت المقاومة الى جانب الجيش اللبناني من تحرير الارض وأعادت للإنسان اللبناني كرامته، وهي ما زالت تتصدى لهذا الوحش المتلفت من عقاله والذي تجاوز كل الحدود في عدوانه الذي تركّز على المدنيين وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها والمدارس والمستشفيات والعاملين في القطاع الصحي والصحافي، وكل ما له علاقة بالعمل الإنساني. كما لم يوفر القوات الدولية وهو يكرر في لبنان ارتكاباته ضد الشعب الفلسطيني، في ظل العجز الدولي ومؤسساته عن وضع حد لعدوانه بل تآمر هذا المجتمع وازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي وفي ظل غياب الدولة المسؤولة التي يتوجب عليها حمل هذا العبء الثقيل والذي يفترض بها ان تشكل الدرع الواقي للوطن والمواطنين. ولذلك نوجه لهذه المقاومة التي تتشكل من ابناء المناطق المستهدفة بالعدوان التحية، ونشد على ايدي رجالها الابطال الذين يقفون اليوم بكل بسالة في وجه هذا الوحش المفترس من اجل عزة لبنان وكرامة مواطنيه ونترحم على شهدائها”.
وقال:”إننا ندعو الى بناء دولة حقيقية قوية وقادرة تستطيع القيام بمسؤولياتها الوطنية في الدفاع عن سيادتها وكرامة شعبها وبناء دولة عادلة، دولة المواطنة بعيدا عن المحاصصات الطائفية التي هي سر عدم قيامها حيث يتغافل البعض عنه ويحمِّلُهُ عن قصد أو غير قصد الى المقاومة وسلاحها ليتهرب من اللجوء الى الحل الحقيقي الذي من دون المصارحة بيننا سنبقى نكرر انفسنا ومشاكلنا. أما المصارحة والجدية فتقتضي الاعتراف باسباب الفشل في بناء الدولة لنسير جميعا تحت كنفها وحمايتها ونخرج من هذا الوضع ولتتحمل الدولة مسؤولية حماية سيادتها والدفاع عن امن وامان واستقرار مواطنيها. وأول الخطوات أن نبدأ باعادة انتظام المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس توافقي للبلاد. لذلك نناشد الارادات اللبنانية الخيرة والحرة الى ان تسعى سعيها لاعادة انتظام المؤسسات عبر انتخاب رئيس للجمهورية تتوافق عليه العائلات اللبنانية كي يتمكن من العمل بأريحية ومن دون تحديات وان يقف اللبنانيون خلفه جميعا، ومن ثم تشكيل حكومة وطنية جامعة تنتظرها اعباء جسام. لكن علينا اولا وقف هذه الحرب المجنونة بوقوف الشعب اللبناني موقفا واحدا وصوتا واحداً حيث يراهن العدو ويعمل على اثارة الفتنة الطائفية بين البيئة النازحة والمستضيفة حين يفشل في الميدان أمام رجال المقاومة، ولنجند كل طاقاتنا الداخلية والخارجية السياسية والاعلامية للضغط لتحقيق هذا الهدف ان وحدتنا الوطنية هي الأرض الصلبة التي يُستند إليها للدفاع عن الأوطان، فإذا ما كانت رخوة ابتلعتك قبل أن يصل اليك العدو”.
ختم:”إن الدولة رغم الظروف الصعبة اقتصادية وسياسية التي تمر بها البلاد يقع على عاتقها مسؤولية استيعاب وضع النزوح وتبعاته مع الجهد المشكور للهيئات والجمعيات والأشخاص الخيرين الذين يقدمون جهدا مشكورا في هذا المجال ويقع على عاتقنا كمؤسسات دينية وطنية أن نقوم بتشجيع المنتمين إليها للمساهمة في هذا الجهد الوطني الإنساني والإيماني والإجتماعي بما يخفف من آثار النزوح الاجتماعية والبيئية والصحية والتربوية وهو يحتاج إلى جهد الجميع إلى جانب جهد الدولة على هذا الصعيد. وإننا في هذا المجال نعوّل على جهود دولة الرئيس نبيه بري ودولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ونولهما الثقة الكاملة في هذا المجال. كما ندين العدوان الصهيوني على قوات اليونيفل ومحاولته إخراجها من مواقعها ومنعها من القيام بمهماتها التي حددها مجلس الامن. تحية لاهلنا النازحين في كل المناطق، وتحية لكل الشهداء وتحية للشعب اللبناني العزيز، وتحية لكم جميعا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
أبي المنى: اما الشيخ أبي المنى فقال:”صاحب الغبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، نشكركم على المبادرة والاحتضان والاستضافة، أصحاب السماحة والغبطة والسيادة والفضيلة، يسعدنا أن نكون معا مجتمعين على كلمة سواء، متبادلين الرأي والموقف، ومتعاونين في حمل الرسالة.قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون” (آل عمران، آ:64)، وجاء في الكتاب المقدس: “وأخيرا، أيها الإخوة: افرحوا؛ تكملوا؛ تشجعوا؛ اتفقوا في الرأي؛ عيشوا بسلام. وإله المحبة والسلام سيكون معكم” (كورنثوس ٱلثانية ١٣:١١). استنادا إلى هذا الكلام المنزل والمقدس، المرسل للناس هدى ورحمة، وتحقيقا لرسالتنا الأخلاقية والإنسانية، وحرصا منا على تمتين روابط المحبة والرحمة والأخوة في ما بين عائلاتنا الروحية، وشعورا منا بواجب تحمل المسؤولية تجاه وطننا إزاء ما يتعرض له من عدوان إسرائيلي همجي، وما يقتضيه من واجب مناشدة المسؤولين والضغط عليهم للتلاقي والتعاون بهدف إنقاذ الوطن في هذا المنعطف التاريخي الخطير، وانطلاقا من الدور الروحي والأخلاقي الذي يقع على عاتقنا في مهمة بث الروح الطيبة بين أبناء الوطن، والتي تتعدى الألم والسخط والغضب، نلتقي في هذا الصرح المبارك، حامدين الله على نعمة اللقاء في ما بيننا، ومتوجهين إليه سبحانه وتعالى بالشكر على نعمة الإيمان التي منحنا إياها، وإن اختلفت مظاهرها، وعلى نعمة الانتماء لهذا الوطن، وإن كبرت معاناته.”
اضاف:” نلتقي كمؤمنين في توحيدنا فنرتقي كمواطنين في وحدتنا، متمسكين بالشراكة الروحية والوطنية التي هي مصدر قوة لبنان وثباته، ولنؤكد بأن المشهد اللبناني يمكن أن يكون النموذج الأرقى للتنوع في الوحدة اذا ما أحسنا إدارته وفهمه والاستفادة منه واحترام خصوصيات بعضنا بعضا، وبالتالي إذا ما أسكتنا الأصوات المنادية بأي صيغة من صيغ التقسيم والتشرذم المناطقي أو الطائفي. نلتقي في خضم هذه الحرب العدوانية المسعورة على البشر والحجر، لنترحم معا على أرواح الشهداء الأبرياء والأبطال الأشداء، ولنتعاطف مع الجرحى المعذبين والمصابين الذين فقدوا أحباءهم وبيوتهم ومؤسساتهم جراء العدوان، رافعين الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، وسائلينه برجاء أن تتوقف هذه المأساة وأن تتبلسم الجراح ويعود النازحون إلى ديارهم فيعيدوا بناء ما تهدم ويؤكدوا تشبثهم بالأرض ورغبتهم في العيش عليها بكرامة وسلام.
نلتقي لنحذر مجددا من خطورة الاستقواء بالخارج على الداخل، ومن محاولة تغليب أي طائفة على أخرى مهما كانت الدوافع والمبررات، فلبنان لا يبنى إلا على قاعدة أخلاقية ذهبية ثابتة تقضي بأن تحافظ كل عائلة روحية على شريكتها في الوطن، لا على نفسها فحسب”.
تابع:”نلتقي لنقول إنه بقدر ما يقتضي الواجب الوطني استعداد جميع اللبنانيين للمقاومة والدفاع عن الأرض والكرامة والوجود، وبقدر ما تستوجب الساحة إسناد الأخوة بعضهم لبعض في الملمات، بقدر ما يقضي الواجب الوطني والإنساني تحاشي الانجرار إلى الحروب المدمرة، لندرك بنتيجة ما جرى أننا قد قدمنا الغالي والنفيس من التضحيات، وأن علينا تجنب تقديم المزيد وخسارة الوطن، ومعرفة متى تقتضي المصلحة الوطنية المجابهة العسكرية ومتى تكون المواجهة الدبلوماسية والسياسية أجدى وأنفع. نلتقي لندعو إلى ضرورة اعتماد الحكمة والشورى في اتخاذ القرارات المرتبطة بالنزاعات الإقليمية والقضايا المصيرية، وكأننا فعلا في مجلس للشيوخ، نعتمد الحوار منهجا وأسلوبا، ونؤكد معا على وحدة القرار الوطني وعلى احترام الدستور والقانون. نلتقي لنؤكد أهمية اتفاق الطائف والسعي لتطبيقه بأكمله، وعلى ضرورة احترام القرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701 كاملا، بما يعنيه من وقف فوري لإطلاق النار، ووجوب تعزيز قدرات الجيش اللبناني وانتشاره في المنطقة الحدودية وتحمله مسؤولية ضبط الأمن والدفاع عن البلاد. نلتقي لنؤكد أن لبنان قوي بدوره، وعلى اللبنانيين أن يحسنوا أداء هذا الدور، ومميز بانفتاحه وموقعه، وعليهم أن يستفيدوا من هذا الموقع وهذا الانفتاح. نلتقي لنحمل القيادات السياسية اللبنانية مسؤولية ترهل الدولة واستمرار الفراغ الرئاسي، ولنطالب معا بالإسراع في عملية انتخاب رئيس للجمهورية وفق الأصول الدستورية، وبأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق، وبما يتبع ذلك من انتظام عمل الدولة والمؤسسات. نلتقي لنطالب الدولة بضرورة الاهتمام بالوضع المعيشي والاجتماعي باعتباره أولوية، وباستنباط حلول ممكنة وعملية للتخفيف من معاناة الأهالي الذين اضطرتهم الأعمال الحربية والعدوانية إلى مغادرة بلداتهم، والتعجيل بإيجاد مساكن لائقة لهم، بما لا يشكل أزمة اجتماعية، ولا يعيق المدارس والجامعات من استئناف المسيرة التربوية حين تسمح الظروف. نلتقي لننبه أنفسنا ومن هم حولنا إلى خطورة ما يرسم لبلادنا من مشاريع عدوانية مشبوهة، مستنكرين التهجير القسري الذي يحصل، ورافضين التغيير الديمغرافي الذي يخطط له بخبث ودهاء، والذي سيكون من آثاره إذا ما حصل، خلق أزمات اجتماعية ونزاعات لا طاقة للواقع اللبناني على تحملها. نلتقي لإدانة العدوان الإسرائيلي الغاشم على فلسطين، قتلا وتدميرا واغتيالا واحتلالا، وتحميل المسؤولية للمجتمع الدولي باستمرار هذه الاعتداءات والقفز فوق القرارات الأممية والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب، وحثها على إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية قبل سواها، لتكون للفلسطينيين دولتهم الموحدة والمستقلة والكاملة السيادة”.
ختم:”إننا على يقين بأن اجتماعنا معا قادر على إحداث الفرق المطلوب وتغيير الواقع المأساوي وإحداث بارقة أمل في هذا النفق المظلم الذي بدا وكأن ليس له نهاية. إننا واثقون بأنه سينتهي، وبأن الخير سينتصر على الشر، والنور سيبدد الظلام، ورائحة الدم والدمار والنار ستتحول عطر محبة وأمل وثقة وانتصار. فلنتواضع ولنتفق، ولنرتفع إلى ما هو أسمى وأرقى، ولنتوافق على خريطة إنقاذ الدولة، ولتفتح أبواب القلوب أمام الحلول، وأبواب المجلس النيابي أمام انتخاب الرئيس، وليكن صوتنا الروحي أقوى من أصوات التحدي والتنافس السلبي، رأفة بالبلاد والعباد، “فالحرب هزيمة للجميع، والعنف لا يجلب السلام”، كما جاء في رسالة قداسة البابا الأخيرة، ونحن ما كنا سوى دعاة خير وسلام، وبناة مجتمع التنوع في الوحدة، وحماة وطن الرسالة، بحكمتنا ومحبتنا واجتماعنا الدائم.حمى الله الوطن وحمى أبناءه المتضامنين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
يازجي: واعتبر البطريرك يازجي أن “الوطن جريح وينزف وقلوبنا تدمي ومن حولنا شهداء وقتل وعنف ونروح وكل الأوجاع”. وأكد أن “اجتماعنا اليوم هو رسالة للعالم الخارجي عله يرى اننا كنا وما زلنا وسنبقى أبناء هذا البلد بكل اطيافه عائلة روحية واحدة في لحمه وطنية لا يعتريها اي خلل “.
أضاف:” أن اجتماعنا اليوم هو أيضا رسالة داخلية لشعبنا كي يرى الناس جميعا اننا سوية وانه لا يفرقنا اي شيء وانه علينا ان نكون يدا واحدة مسلمين ومسيحيين”.
وقال: “نرفع الصوت مجددا مطالبين المجتمع الدولي بالاسراع لوقف هذه الحرب اليوم قبل الغد ، ويجب ترتيب بيتنا الداخلي وعلى راسه انتخاب رئيس للجمهورية وبناء دولة المواطنة ، وندعو جميع المعنيين إلى التكاتف والتآزر للاسراع في انتخاب رئيس”.
قدور: الشيخ قدور أكد أن “ما يريده العدو الإسرائيلي هو خلق الفتنة بين اللبنانيين والانقسام وتخلي لبنان العروبة عن القضية الأساسية”.
وناشد “المجتمع الدولي أن يوقف العدو الإسرائيلي عند حده ولا بد من العمل والمثابرة على وقف إطلاق النار”.
بعدها بدأت أعمال القمة المغلقة على ان يصدر البيان لاحقا.
خلوة: وقبيل بدء القمة الروحية، عقدت خلوة بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والشيخ أبي المنى.